إعلان

تنفيسة| «غاندي».. الحكيم الثائر (1 – 3)

محمد جادالله

تنفيسة| «غاندي».. الحكيم الثائر (1 – 3)

محمد جادالله
07:03 م الإثنين 27 يناير 2025

جميع الآراء المنشورة تعبر فقط عن رأى كاتبها، وليست بالضرورة تعبر عن رأى الموقع

يحل علينا الثلاثون من شهر يناير بذكرى وفاة (اغتيال) الزعيم الروحي، أنبل مثال أخلاقي عرفته الإنسانية، "غاندي" فكان بمثابة الحكيم الثائر الذي قدم لنا الحقيقة سافرة، بلا رتوش، والمُلقب بالمهاتما وتعني الروح العظيم. فقد استطاع أن يصور في بساطة عميقة مجريات الواقع اليومي لأبناء الهند البسطاء، ويكشف في صراحة المتناقضات الاجتماعية التي تُشكِل إيقاع الحياة الهندية وكان أهمها مشكلة التعليم. ولم يكتف عند هذا الحد، بل امتد بصره للمشكلات العالمية، ونخص بالذكر وقفته الصريحة والقوية مع القضية الفلسطينية. وسنقرأ معًا ونُقلب صفحات تلك الشخصية لنتفقد معالمها والمهمة الإنسانية التي كرس غاندي حياته من أجلها ويا لها من مهمة تاريخية.

ولد "موهانداس كرماشاند غاندي" في بلد صغيرة تُدعى بورباندر، وهي مدينة صغيرة على الشاطئ الغربي للهند. وكان ينتمي إلى أسرة موسرة من التجار. والده هو كرمشاند غاندي، وأمه هي بوتالي با، وقد استطاع جده أن يصل إلى منصب رئيس الوزارة، ثم خلفه والد غاندي في هذا المنصب.

وفي سنة 1883م، عندما وصل غاندي إلى الثلاثة عشرة من عمره تزوج من كاستورباي، وكان حينها طالب في المرحلة قبل الثانوية. وفي سنة 1888م، بعد أن أنهى دراسته الثانوية، وسافر إلى إنجلترا لدراسة القانون، وهناك وقع على كتاب تعاليم "المجيتا" الذي أثر في حياته وفكره. وقد مكث في إنجلترا ثلاث سنوات عاد بعدها إلى الهند سنة 1891م، ليعمل بالمحاماة، إلا أنه لم يستمر طويلًا في عمله هذا. وفي العاشر من يونيو لسنة 1891م، أنهى غاندي دراسة الحقوق، وعاد إلى الهند ليشتغل بالمحاماة، وهنا تبدأ مرحلة جديدة بحياة غاندي.

وفي إبريل سنة 1893م سافر إلى جنوب افريقيا للعمل، وكان آنذاك شابًا في الرابعة والعشرين من عمره، وذلك عندما قبل الاشراف لمدة عام بصفته محاميًا على قضية لشركة دادا عبدالله وشركائه في جنوب افريقيا. وهناك ارتطم غاندي بصخرة التفرقة العنصرية، وتعرض للمهانة والأذى، بل والضرب والمبرح، لأنه "ملون"، ولمس الاضطهاد والضغط اللذين سقط تحتهما مواطنوه الهنود في ناتال. وهنا بدأت تتكشف إنسانية غاندي، وبدأت تتكون أول مبادئ فلسفته الداعية إلى مقاومة الاستعباد ومحاربة الظلم بالوسائل السلمية واللاعنف.

وفي يناير سنة 1908م، سُجن غاندي شهرين لدعوته لتحدي "القانون الأسود سنة 1907م" الذي كان يلزم جميع الهنود في الترانسفال (مقاطعة تقع في شمال شرق جنوب أفريقيا) بتسجيل أسمائهم وبصماتهم. وفي سنة 1914م عاد غاندي إلى الهند، بعد أن أحس بأنه فعل كل ما بوسعه لرفع الظلم عن مواطنيه وتحقيق مطالبهم العادلة. عاد ليُتابع رسالته في الوطن ذاته، وكانت شهرته قد سبقته إلى بلاده.

وفي يناير سنة 1915م، عاد إلى الهند وترك العمل نهائيًا في جنوب أفريقيا، بعد اثنتين وعشرين سنة قضاها في جنوب إفريقيا، حتى يبدأ النضال من أجل الهند، وهنا قد اكتملت في ذهنه فكرته عن الساتياجراها. وفي شهر مايو استقر به المقام على شاطئ نهر سابارماتي عند مشارف مدينة أحمد أباد وأسس لنفسه مختلى سمي "أشرم الساتياجراها".

وفي فبراير سنة 1916م، ألقى غاندي أول خطاب عام داخل الهند بمناسبة افتتاح جامعة باتراس الهندوسية. وفي سنة 1919م، دخل غاندي الحياة السياسية بشكل إيجابي عندما تصدى ذلك العام لقانون راولات الذي يسلب الهنود حرياتهم المدنية. وفي سنة 1924م صام 21 يومًا في بيت محمد علي في دلهي دعوة إلى الوحدة بين الهندوس والمسلمين. وفي نهاية سنة 1929م استطاع أن يوحد بين الجماعات المختلفة المتصارعة في الهند، وفي اليوم الأخير من تلك السنة تقدم بمشروع قرار يعلن أن هدف البلاد هو الاستقلال.

وفي السادس والعشرين من يناير لسنة 1930م، وضع غاندي صيغة عهد بالعمل على الاستقلال، وهو اليوم الذي تحتفل به الهند باعتباره عيد الجمهورية الهندية. وفي الثاني عشر من مارس، خرج غاندي على رأس مسيرة من ثمانية وسبعين من أتباعه استمرت أربعة وعشرين يومًا قطعوا فيها 241 ميلًا بقصد خرق القانون الذي حرم على الهند الفقير أن يعد ملحه بنفسه، وسميت "مسيرة غاندي". وأيضًا في الرابع من مايو، اعُتُقِلَ غاندي، وتبعه في ذلك مائة ألف رجل وامرأة مما سبب ارتباكًا لأجهزة الحكومة البريطانية.

وفي السادس والعشرين من يناير لسنة 1931م، أفرج عن غاندي بعد أن طالب رمزي ماكدونالد بأن يكون المؤتمر الوطني الذي يتزعمه غاندي ممثلًا في مؤتمر المائدة المستديرة المقبل. وفي الخامس من مارس، تم توقيع معاهدة غاندي ايروين. وفي التاسع والعشرين من أغسطس، سافر غاندي الممثل الوحيد للمؤتمر الوطني في المؤتمر الثاني للمائدة المستديرة، ومر في هذه الرحلة بدولة "عدن" ومدينة "بورسعيد" بالقاهرة. وفي الثامن والعشرين من ديسمبر لسنة 1931م، عاد إلى بومباي وقبض عليه وأودع في سجن برافادا دون محاكمة.

وفي سنة 1933م، صام في سجن برافادا احتاجًا على رفض الحكومة السماح له بالقيام بحملة ضد نظام "النبذ" الاجتماعي على صفحات مجلة "هاريجان". وفي السابع من أغسطس لسنة 1942م، عُقِدَ الاجتماع التاريخي للجنة المؤتمر الوطني لجميع طوائف الهند وفيه أطلق غاندي صيحته الشهيرة "اتركوا الهند" التي أصبحت سعارًا للهند بعد ذلك. وفي التاسع من أغسطس لتك السنة، قُبِضَ عليه مرة أخرى وعلى عدد كبير من زعماء المؤتمر.

وفي السادس من مايو لسنة 1944م، أفرج عنه خوفًا من موته داخل السجن بعد أن وصف التقرير الطبي في 3 مايو 44 حالته الصحية بأنها "تدعو للقلق". ومن السابع من نوفمبر لتلك السنة وحتى الثاني من مارس لسنة 1947م، قضى غاندي هذه الفترة متنقلًا بين القرى عاري القدمين، حاملًا عبء سبع وسبعين سنة من العمر يشق المستنقعات ويصل الليل بالنهار، يدعو إلى المحبة، والشجاعة، والتسامح، والحكمة. وفي الخامس عشر من أغسطس لتلك السنة، استدعي غاندي إلى دلهي، وفي ذلك اليوم تم الاتفاق على تقسيم الهند، التي أصبحت بعده دولة حرة مستقلة. وفي الحادي والثلاثين من أغسطس، تجددت الاضطرابات بين الهندوس والمسلمين وأعلن غاندي صومه وأنه لن يعدل عن صومه حتى يثوب الناس في كلكتا إلى رشدهم.

وتجدد صومه مرةً ثالثة في الثالث عشر من يناير لسنة 1948م، وذلك احتاجًا على التوتر الطائفي، وفي الثامن عشر من ذلك الشهر، جاءت وفود إلى بيت بيرلا، وقدموا إلى غاندي في سريره تعهدًا مكتوبًا بأن ما حدث من اضطرابات لن يتكرر. وفي مساء الثلاثين من يناير لسنة 1948م، كان غاندي في طريقه لأداء الصلاة إذ بشاب هندوكي متعصب يطلق عليه ثلاث رصاصات، سقط غاندي على الأرض وهو يتمتم باسم الله.. رام.. رام..

كانت هذه الأسطر بطاقة تعارف حاولنا خلالها أن نُجمل بها أهم التواريخ بحياة غاندي، على أن نلتقي في الأسابيع المُقبلة لنُفتش أكثر في حياة غاندي، ونتأمل وقفاته اتجاه مشكلة التعليم في الهند، وكيف قام على حلها، وتطويرها؟ وماذا عن دوره تجاه القضية الفلسطينية؟

إعلان

إعلان

إعلان