ليس عن خالد النبوي

"1"

في لقاء للإعلامية منى الشاذلي مع الفنان الراحل نور الشريف، سألته عن الغيرة من عادل إمام وأحمد زكي، فنفى: "أنا لا أغار من عادل إمام، ولا أحمد زكي. أنا اشتغلت مع عادل اتكتب اسمي بعديه، في حين أن أول أفلامي اسمي كان قبل عادل إمام، دي قاعدة في عالم الاحتراف، اللي أجره أعلى يتكتب الأول، مع احترام الأجيال الكبيرة، لما أجيب أستاذ كبير لازم أحط اسمه بشكل محترم".

نور الشريف رفض، أيضا، أن يتصدر اسمه تتر فيلم مسجون ترانزيت، ولجأوا إلى الترتيب حسب الظهور، الذي جعل أحمد عز أولًا.

"2"

عادل إمام هو من قدم نور الشريف للمخرج حسن الإمام للمشاركة في فيلم بين القصرين، وزادت نجومية الشريف، فكان اسم عادل خلفه، ثم تبدل الأمر، هذا هو الأمر ببساطة، وهناك مقال للناقد أحمد شوقي تحدث فيه عن التغيير في ترتيب أسماء أبطال فيلمي "العار" و"جري الوحوش" يوضح الأمر بشكل أكبر، إذ قال: "(العار)، و(جري الوحوش)، فيلمان من إخراج علي عبد الخالق وتأليف محمود أبو زيد تم إنتاجهما عامي 1982 و1987 بنفس الأبطال الأربعة: نور الشريف ومحمود عبدالعزيز وحسين فهمي ونورا. على تترات (العار) يتصدر اسم نور الشريف الصورة، يليه على الترتيب حسين ثم محمود ثم نورا، أما على تترات (جري الوحوش) فيتصدر اسما نور ومحمود في لوحة واحدة، ثم حسين ونورا في لوحة ثانية.

اختلاف الترتيب أمر مثير للانتباه، في ظل ثبات كل الصناع الرئيسيين، وكل من يعرف سوق السينما المصري يعرف ما يثيره ترتيب أسماء النجوم على الأفيش والتتر من خلافات كارثية قد تؤدي لإفشال العمل، خاصة عندما يكون الأمر متعلقا بفيلم يلعب بطولته ثلاثة نجوم شباك كل منهم بطل منفرد له جماهيرية وشعبية ضخمة. لكن هذا لم يحدث في الفيلمين ولا في أي عمل آخر شارك نور الشريف في بطولته طيلة مشواره الفني".

"3"

ربما يبدو من المقدمة الطويلة أن المقال من أجل الحديث عن نور الشريف، لكن الأمر ليس كذلك على الإطلاق، لكنه كان استهلالا لا بد منه في الحديث عن أزمة التترات والنجومية، التي تضر بالصناعة في مصر، فالأمر يصل أحيانا إلى عدم اكتمال مشاريع، كانت لتثري تاريخنا السينمائي، من خلال تعاون بين عدة أبطال.

"4"

الموهبة لا تعني أن يكون الممثل نجما، فالموهبة شيء والنجومية شيء آخر، هناك الممثل الموهوب الذي يقدم الأدوار الثانية والمساعدة، وهناك النجم لكنه ليس بطلا، شخص ذو كاريزما عالية مثل فاروق الفيشاوي أو محمود حميدة على سبيل المثال، لكنه ليس بطل أغلب أعماله، وهناك البطل النجم الذي يجمع بين الكاريزما وقدرته على تصدر الأعمال، وغالب الأمر أن النجوم في مصر أقل موهبة من الممثلين الآخرين، لكن دون هذا النجم، لن تكون هناك صناعة من الأساس، وبالطبع يتصدر التتر وأيضا الأفيش، وهما أمران طبيعيان.

"5"

صناعة النجوم الأبطال أو تحول ممثل ليكون نجما وبطلا أمر صعب، لكن في الوقت نفسه يمكن لأي منتج أو أي مخرج أن يجلب فنانا أو فنانة أو وجها جديدا ويجعل منه بطلا، ويتصدر الأفيش والتتر، هل هذا يعد صكا لنجومية هؤلاء؟

بالطبع لا، فالجمهور وحده هو من يمنح النجومية ويسحبها وقتما شاء، وأحيانا دون قواعد مفهومة، فكل ما في الأمر أن هذا الفنان حصل على فرصة ربما لا تتاح لغيره، لكنها لن تجعل منه نجما، ولن يخاطر منتج بأمواله أو مخرج كبير باسمه مرة أخرى، إذا ثبت فشل التجربة.

"6"

في كثير من الأحيان، حين يرغب منتج في صناعة نجم جديد، لم يصعد بالخطوات الطبيعية، فإنه يلجأ إلى أحد 3 أمور:

قصة جيدة، ومخرج جيد لصناعة عمل يجذب الجمهور، مع الاعتماد على أسماء لامعة، لكنها ليست نجوم الصف الأول، أو اللجوء إلى نجوم صف أول، لكن مع الدفع بالشخص الذي يرغب بتقديمه نجما إلى السوق، أو مع نجوم صف أول، لكنهم في مرحلة عدم اتزان، تجعلهم يوافقون على وجود ممثل أو ممثلة تتقاسم معهم البطولة، وربما يكون الممثل المنشود هو محور العمل بأكمله.

"7"

وإذا كانت صناعة النجومية صعبة، فإن الحفاظ عليها أصعب، وإنكار الواقع لا يقود إلا لمزيد من الفشل، فمن استطاع أن يحتفظ ببريق نجوميته، لن يدخل من الأساس في متاهات ترتيب اسمه على التتر أو صورته على الأفيش، لكن المتأرجح الذي يرفض الواقع، ولا يبحث عما يعيده إلى صدارة المشهد، يكون مصيره دائما "خناقات" التترات والأفيشات والأجر.

"8"

قبل سنوات طويلة، كان الفنان محمد رياض بطلا رئيسيا ومحورا أساسيا في مسلسل لن أعيش في جلباب أبي، وكان ياسر جلال في دور مساعد، وقبل عامين كان رياض بطلا مساعدا في مسلسل رحيم من بطولة ياسر جلال، هذه هي اللعبة، وهذه قواعدها، وهذا لا يقلل من قيمة الفنان محمد رياض، مثلما لم يقلل من قيمة نور الشريف، في المثال المذكور في بداية هذه السطور، ولا يختلف الأمر إذا كان النجم المتصدر يستحق، أم أنه يمنح فرصة، حتى لو كان لا يستحقها، لأن تراجع أسهم أي نجم هو حصاد ما قدمه.

"9"

أما المشاهد المتحسر دائما على اختفاء شخص أو خفوت نجوميته، مع تصاعد من لا يستحقون، فأمره مثير للدهشة دائما، لأن إقبالك على العمل هو ما يجعل هذا الشخص نجما أم لا، فإذا كنت ترى أن فلانا يقدم أعمالا تستحق فادعمه بالمشاهدة، جرب الأمر، وستكتشف أنك محور الصناعة، بل إنه في ظل السوشيال ميديا أصبح مجرد الحديث عن فنان مختفٍ أو الرغبة في رؤيته على الشاشة سلاحا قويا لعودته، فالأمر كله في يدك، المنتج لا ينفذ إلا رغبتك، فهو يبحث عن مشاهدتك في الدراما، وثمن تذكرتك في السينما أو المسرح.

"10"

من حق أي نجم أن يحافظ على صورته ويحفظ لنفسه قيمته الأدبية، خاصة إذ كان محتفظا بتوهجه ونجوميته، أو إذا كان هناك تعاقد بترتيب اسمه وموضع صورته، لكن، في الحقيقة، الجمهور لا يعترف بهذه الحسابات، فالأغلب منهم لا يشاهد التتر، ويصنع هو تتره الخاص بقواعده حسبما رأت عينه على الشاشة.

"11"

إن أغلب الأعمال التي ينسبها الجمهور لأحمد عبد العزيز، مثل المال والبنون، وذئاب الجبل، وسوق العصر، لم يكن هو الاسم الأول على تتراتها، لكنه كان محور العمل، والجمهور جعله النجم الأول لها.