إعلان

التاريخ الذي نحمله على ظهورنا ..!

د. أحمد عبد العال عمر

التاريخ الذي نحمله على ظهورنا ..!

د. أحمد عبدالعال عمر
06:54 م الأحد 23 أكتوبر 2022

جميع الآراء المنشورة تعبر فقط عن رأى كاتبها، وليست بالضرورة تعبر عن رأى الموقع

في أعقاب نكسة عام ١٩٦٧ زار الشاعر الراحل صلاح عبد الصبور إحدى الدول الأوربية، وهناك التقى شاعرًا غربيًا مهتمًا بمتابعة الوضع في مصر بعد النكسة، فسأله هذا الشاعر:

- أنت مصري .. كيف حال مصر؟

فتحامل صلاح عبد الصبور على نفسه ليُخفي حزنه بعد هزيمة ٥ يونيو التي كسرت روحه، وروح جيله، وقال له:

- حالها متى يا سيدي؟

حالها الآن، أم منذ سبعة آلاف سنة. إن هذه اللحظة المريرة، هي مجرد دقيقة من أيام تاريخ مصر الأزلي .. دقيقة من الآلم العميق، تستأنف بعده ابتسامتها الخالدة.

وهنا رد عليه الشاعر الغربي متسائلًا من جديد:

- نعم .. لا شك أنكم قد تغلبتم على كثير من الصعوبات، ولكن الآن ماذا سوف تفعلون؟

فأجابه صلاح عبد الصبور، بقصة تدل على قدرة مصر على تجاوز نكستها وأحزانها والنهوض من جديد فقال:

- أتعرف قصة العنقاء، هذا الطائر الخرافي الذي يحترق في النار، كل حقبة من الزمن، ثم لا يلبث أن يعود من جديد، بريشه الزاهي وعنقه الأصيد المائل. إن مصر أثبتت عبر تاريخها الطويل أنها تشبه هذا الطائر الخرافي.

وعندئذ قال الشاعر الغربي متعجبًا:

- ما أشد تفاؤلكم.

فرد عليه صلاح عبد الصبور:

- لأننا رأينا كثيرًا، وعرفنا كثيرًا؛ حين تموت وتحيا مئة مرة في التاريخ تعرف أن الموت عارض، وأن الحياة هي الحق.

- أنت لا تدرك هذا؛ لأنك لا تستطيع أن تنظر في تاريخ بلادك إلى أعمق من مائتي سنة، وبعدها قد ترى القراصنة العراة.

أما أنا فلدي فرصة باهرة، إنني أستطيع أن أتجول في تاريخي إلى عشرين ألفًا من جدودي، فأجد أحدهم يهندس الهرم، وأحدهم يفتح الجمجمة، ويداعب ويشفي جراحها بأصابعه الحساسة، ثم يُعيد توضيب الشعر في تواضع حبيب. وثالثهم يُنشد أغانيه الرقيقة وتأملاته العذبة.

وهذه الحكاية عن عظمة التاريخ الذي نحمله على ظهورنا، عميقة الدلالة على عظمة مصر وشعبها، وقوة جهاز مناعتها الوطني والحضاري والثقافي، وقدرتها على تجاوز كل التحديدات والمخاطر والأزمات التي تواجهها، لتعود من جديد أجمل وأقوى، وقد رواها الشاعر صلاح عبد الصبور في نهاية مقدمته لكتابه القيم "قصة الضمير المصري الحديث".

وهو الكتاب صغير الحجم عظيم القيمة، الذي يجب على كل مصري أصيل أن يقتنيه ويقرأه، إلى جانب كتاب "فجر الضمير" الذي وضعه عن "الوعي والفكر والأدب المصري القديم" الأستاذ جيمس هنري برستيد، وترجمه إلى اللغة العربية الأستاذ سليم حسن.

إعلان

إعلان

إعلان