إعلان

بين الصندوقين

د.غادة موسى

بين الصندوقين

د. غادة موسى

أستاذ مساعد - كلية الاقتصاد والعلوم السياسية - جامعة القاهرة 

07:26 م السبت 29 مارس 2025

جميع الآراء المنشورة تعبر فقط عن رأى كاتبها، وليست بالضرورة تعبر عن رأى الموقع

أعلن وزير مالية كيان الاحتلال " بتسئيل سموتريتش " ووزير الأمن القومي " إيتمار بن غفير" عزمهما إنشاء صندوق لتمويل نقل سكان غزة إلى دول مجاورة أو دول أخرى.

فما أشبه الليلة بالبارحة ! ففي عام ١٨٨٢ قام البارون الفرنسي " ادموند دي روتشيلد" بتمويل حملة استيطان يهودية في الأراضي الفلسطينية في يافا وعكا والقدس وكانت وقتئذ تٌعرف بالسناجق التابعة للدولة العثمانية، وقد جاء هذا التمويل قبل دعوة الصحفي النمساوي " تيودور هيرتزل" عام ١٨٨٦ بتأسيس " دولة يهودية" في فلسطين أو أي مكان آخر بهدف إنقاذ اليهود من المذابح والاضطهاد الذي عانوا منه في العديد من دول العالم الغربي.

وقد تبع ذلك تأسيس " المؤسسة اليهودية للاستعمار" في لندن عام ١٨٩١ على يد البارون " موريس هيرش". وفي عام ١٨٩٧ انعقد أول مؤتمر صهيوني في مدينة "بازل " بسويسرا ليدعو بشكل "رسمي" إلى إنشاء " وطن قومي" لليهود في فلسطين. كما قرر المشاركون في المؤتمر تأسيس المنظمة الصهيونية العالمية"، وقاموا بدعوة يهود العالم إلى الانضمام إليها وتمويلها ومن بينهم العالم الألماني " ألبرت أينشتاين" الذي قال إنه " يراها فكرة صائبة ليس لأنه صهيوني وإنما لأنه يهودي".

وأعقب ذلك إنشاء " الصندوق الوطني اليهودي" عام ١٩٠١ الذي كان دوره شراء أراضي في فلسطين لصالح المنظمة الصهيونية العالمية لتوطين اليهود عليها وتشغيلهم فيها في الفترة ما بين ١٩٠٤-١٩١٤، حيث مثلت العشرة أعوام تلك قوام تأسيس كيان الاحتلال على الأراضي الفلسطينية.

وقد ساهم الصندوق الوطني اليهودي في إنشاء أول مستعمرة زراعية “ كيبوتس” لليهود على الأراضي الفلسطينية المحتلة.

وبذلك يمكن القول إن الصندوق الوطني اليهودي مَثَل المؤسسة الرسمية التي مولت عمليات الهجرة والاستيطان وشراء الأراضي من الدولة العثمانية وسلطات الانتداب البريطاني وبعض الأجانب لصالح المنظمة الصهيونية العالمية. كما لعب الصندوق دوراً بارزاً في تشغيل اليهود اللاجئين – فقط- في الأراضي الفلسطينية.

وبعد مرور ١٢٤ سنة يطرح وزير الأمن القومي الإسرائيلي "إيتمار بن غفير؛ مقترحًا لـ "تشجيع الهجرة الطوعية لسكان غزة" بعد الحرب الإسرائيلية على غزة. وذلك من خلال إنشاء صندوق لدعم الدول التي تستقبل الفلسطينيين من قطاع غزة. ويتم ذلك من خلال تشجيع الفلسطينيين على الهجرة الطوعية إلى دول أخرى. وتشجيع دول العالم على استيعاب اللاجئين الفلسطينيين من غزة على الرغم أنهم لم يطلبوا اللجوء أو الخروج وإنما دُعُوا نحو ذلك مثلما دُفِع يهود أوروبا والعالم إلى الخروج " اللاطوعي" من بلادهم!

ومثلما عمل الصندوق الوطني اليهودي إلى تغيير الوضع الديمغرافي على الأراضي الفلسطينية بزيادة توطين اليهود ليكونوا ٣٪ ثم ٨٪ ثم ١١ ٪ ثم ١٦٪ بحلول عام ١٩٢٣ حتى وصلوا إلى ٣٠٪ عام ١٩٣٩ إلى أن بدأت عصابات الهاجانا والأرجون الصهيونية باقتلاع السكان الفلسطينيين من أراضيهم وهدم منازلهم وطردهم عنوة عقب اندلاع الثورة الفلسطينية عام ١٩٣٦.

يقوم صندوق "بن غفير" وعلى نفس نهج بدايات القرن العشرين بالعمل على تغيير الوضع الديمغرافي الراهن ليس فقط في قطاع غزة بل في جميع الأراضي الفلسطينية المحتلة باتجاه إقامة دولة يهوية خالصة لليهود.

وعلى الرغم من أن هذا المخطط قد قوبل برفض فلسطيني وعربي ودولي واسع النطاق، حيث اعتبره البعض محاولة لتهجير الفلسطينيين قسرًا إلا أنه مازال قائما ً وحاضراً ومازال مسئولي الحكومة اليمينية المتطرفة يفكرون في كيفية تنفيذه تمهيدا ً للاستيلاء على ١٠٠٪ من الأراضي الفلسطينية المحتلة.

جدير بالذكر أن هذا الصندوق سيزيد من تمويله لنقل فلسطينيي الضفة الغربية في مرحلة لاحقة إذا ما نجحت المرحلة الأولى من سياسة ترانسفير فلسطينيي قطاع غزة!

فهل آن الأوان للدول العربية والإسلامية أن تفكر بدورها في إنشاء صندوق ليس فقط لإعمار ما يدمره الاحتلال الصهيوني في قطاع غزة أو الضفة الغربية وإنما لعرض فكرة الهجرة الطوعية لليهود والعودة إلى دولهم وأوطانهم التي اقتلعوا منها ؟!

إعلان

إعلان