إعلان

اعتقالات الريتز: إعلان حرب على الفساد أم "حصان طروادة"؟

09:10 م السبت 02 ديسمبر 2017

صورة لولي العهد الأمير محمد بن سلمان في خلفية القا

(بي بي سي)

قبل أيام قليلة من حملة الاعتقالات التي طالت رجال أعمال وأمراء، كان ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان يستضيف في فندق "ريتز-كارلتون" بالرياض، المئات من رؤساء المصارف الدولية، وكبرى الشركات العالمية، وأسواق المال في لندن، ونيويورك، وهونغ كونغ، في مؤتمر اقتصادي وصف على أنه "دافوس في الصحراء".

فرؤية الأمير الشاب،32 عاما، لمستقبل المملكة تتمحور حول اعتماد البلد على اقتصاد متنوع بعد عقود طويلة من الاعتماد على النفظ كمصدر رئيس للدخل.

وتستمد المملكة والعائلة المالكة ثروتها من احتياطي النفط، إذ توفر مبيعاته عشرات المليارات سنويا (128 مليار دولا للعام الجاري).

لكن أسعار النفط هوت خلال العامين الماضيين، فضلا عن خوض المملكة حرباً باهظة الكلفة في اليمن منذ العام 2015، وهو ما أدى إلى نشوب أزمة اقتصادية دفعت السلطات إلى تخفيض الدعم، والاقتراض، ورفع الأسعار. علاوة على ذلك، تعتزم السعودية طرح نسبة من أسهم شركة "أرامكو"، أكبر شركة نفطية في العالم، في اكتتاب عام في النصف الثاني من العام المقبل، لتوفير سيولة تساعدها على مواجهة عجز كبير في الموازنة العامة.

وتتزامن الأزمة الاقتصادية مع صدور أمر ملكي في الرابع من نوفمبر/تشرين الثاني باعتقال عشرات الأمراء والوزراء ورجال الأعمال النافذين للاشتباه في ضلوعهم بقضايا فساد. وتحتجز السلطات أغلب المشتبه فيهم في نفس الفندق الذي استضاف فيه الأمير محمد المؤتمر الاقتصادي العالمي الأخير.

"لا أحد فوق القانون"
ويقول بدر الشويعر، المحامي والمستشار القانوني السعودي، إن الإجراءات الأخيرة تدل على أنه "لا أحد فوق القانون"، وإنه حان الوقت لكي تسترد الدولة "تلك الأموال المنهوبة" سواء عن طريق تسويات أو عبر المحاكم المختصة.

وفي تصريحات لبي بي سي عربي، أشار الشويعر إلى أن الامر الملكي "أعطى اللجنة العليا صلاحيات استثنائية" وأن الحرب على الفساد يجب أن تكون في قائمة اهتمامات الدولة، "ويجب أن تتحول هذه الحرب إلى قيمة وطنية بأن يكون المواطن أول من يحارب الفساد بالإبلاغ عنه."

وقد تحدثت مصادر مسؤولة سعودية في الأيام الأخيرة عن قيام السلطات بالتفاوض أولا مع "معتقلي الريتز" للتنازل عن جزء كبير من ثرواتهم وأموالهم في أرصدة مصرفية خارج البلاد مقابل حريتهم.

وقالت صحيفة "فايننشال تايمز" البريطانية إن المفاوضات تهدف إلى جمع قرابة 300 مليار دولار من المعتقلين.

وفي 28 نوفمبر/تشرين الثاني، نقلت "رويترز" عن مسؤول سعودي قوله إنه تم إطلاق سراح الأمير متعب بن عبد الله القائد السابق للحرس الوطني في السعودية بعد أن دفع أكثر من مليار دولار "لتسوية قضايا فساد."

ولم تصدر الجهات الرسمية حتى الآن قائمة بأسماء المعتقلين، لكن سربت بعض الأسماء للصحافة، وبين تلك الأسماء الأمير الوليد بن طلال بن عبد العزيز آل سعود، الذي يعد أحد أغنى أغنياء العالم.

كما لم تذكر جهات التحقيق أسبابا محددة لاحتجاز العشرات على نحو مفاجئ. وانتقدت منظمات حقوقية، مثل هيومان رايتس واتش، ما وصفته بـ "الاحتجاز القسري الجماعي" وطالبت السلطات السعودية بأن تضمن للمشتبه بهم حق الطعن بقانونية احتجازهم أمام قاضٍ مستقل ومحايد، وأن يُتاح لهم مقابلة محامين.

ويقول عمر عاشور، مدير برنامج الدراسات العليا في سياسة الشرق الأوسط بجامعة إكستر البريطانية، لبي بي سي عربي إنه من الصعب ضمان محاكمة نزيهة للمعتقلين في بلد في يسود فيه نظام حكم مطلق لأن "النظام القضائي في السعودية غير مستقل عن القيادة السياسية".

ويضيف أن السعودية "ما زالت تُحكم بنظام تتركز فيه سلطات الدولة الثلاث في شخص الملك، لذا فإن ضمانات المحاكمة العادلة وآليات الشفافية والمساءلة والمراجعة غير موجودة، سواء في هذه الاعتقالات أو في غيرها."

ولم نحصل على تعليق من الجهات الرسمية السعودية، فقد حاولنا الاتصال بثلاثة مسؤولين في وزارتي الداخلية والعدل، وتركنا رسائل لهم على هواتفهم النقالة، لتفسير المسوغات القانونية للاعتقالات الأخيرة، وعلى أي أساس يتم تمديد احتجاز المشتبه بهم، وهل صدر أمر قضائي للاعتقالات، ولماذا تم اعتقالهم في فندق فخم.

"حصان طروادة"
أقرّ مسؤولون سعوديون صراحة بأن الفساد استشرى في المملكة وأنه حان وقت اجتثاثه بهذه الطريقة التي فاجأت الكثيرين داخل وخارج المملكة.

ويقولون إن حملة الاعتقالات الأخيرة جاءت إثر تحقيقات سرية بدأها النائب العام منذ عامين ونصف، وإكمالا لعمل الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد، المعروفة اختصارا باسم (نزاهة)، والتي أنشأت بأمر ملكي عام ٢٠١١.

يقول وزير الخارجية عادل الجبير في مقابلة مع شبكة "سي إن بي سي" الأمريكية بعد خمسة أيام من الاعتقالات، إن النائب العام اكتشف "سرقة جزء كبير من موازنتنا، ولا يمكن السكوت على هذا الفساد، فعندما يحل الفساد، لا يمكن أن نحقق العدالة، أو نجذب الاستثمارات".

ويتصدر جذب الاستثمارات الأجنبية سلم أولويات رؤية ولي العهد لمستقبل الاقتصاد في المملكة، لخلق فرص عمل في بلد يمثل الشباب فيه قرابة 70 في المئة من تعداد سكانه.

لكن لم تخف جهات دولية قلقها من أن الاعتقالات قد يكون من وراءها دوافع أخرى غير المعلن عنها.

فظاهرة الفساد في المملكة، كما تقول المستشارة الإقليمية للشرق الأوسط وشمال إفريقيا في منظمة الشفافة الدولية، مروة فطافطة، "معقدة للغاية بسبب طبيعة النظام الحاكم هناك".

وتضيف في تصريحات لبي بي سي عربي: "النظام الحاكم في السعودية يتألف أساسا من شخصيات في العائلة المالكة، تترأس وزارات، وإدارات حكومية، ومشاريع تجارية، وهو ما يخلق شبكات معقدة من السماسرة والعملاء، تتسم بالمحاباة والمحسوبية. ومن ثم، لا توجد قواعد محددة تضمن عدم تعارض المصالح، أو تفصل بين المصالح الخاصة والعامة، ناهيك عن عدم الإعلان بشفافية عن أصول وممتلكات العائلة المالكة والمسؤولين الحكوميين".

وتصدر المنظمة تقريرا سنويا لمؤشر مدركات الفساد في العالم، إذ يقوم بترتيب 176 دولة حول العالم حسب درجة مدى ملاحظة وجود الفساد في القطاع العام وبين السياسيين. واحتلت السعودية المرتبة رقم 62 في تقرير المنظمة العام الماضي.

وتعتقد فطافطة إن شعار محاربة الفساد في السعودية يستخدم "كحصان طروادة لتحقيق مآرب سياسية" واستخدام تهم الفساد هو أسلوب قديم للزج بالمنافسين السياسيين المحتملين في السجن.

وتقول: "هناك هالة من التعتيم والسرية حول الشؤون المالية للمملكة. فلا تخضع موازنة الدولة لرقابة ومراجعة مجلس تشريعي أو هيئات مسؤولة أمام الشعب."

هذا المحتوى من

فيديو قد يعجبك:

إعلان

إعلان