بعد 5 أسابيع.. هدن سوريا الثلاث لا تزال صامدة رغم الخروقات
كتبت – إيمان محمود:
على مدار الأشهر القليلة الماضية بدأ مسار الأزمة السورية يتخذ منحى أكثر إيجابية، فبعد سنوات لم تحقق فيها عشرات من جولات التفاوض أي تقدم يذكر على الصعيد الميداني، أبرمت ثلاثة اتفاقات هم الأهم خلال الفترة الماضية، حيث فرضت وقف إطلاق النار في أهم المدن السورية التي تتصاعد فيها حدة القتال بين أطراف الصراع.
نتائج الهُدن الموقعة لم تقتصر فوائدها فقط على حقن الدماء الذي استمر نزيفه خلال أكثر من ست سنوات متواصلة، لكنه أيضًا يعتبر فرصة جيدة لبدء عملية الانتقال السياسي وبحث الأزمة على المستوى السياسي من خلال مفاوضات جنيف بين النظام السوري والمعارضة التي تجري جهود حالية من بعض الأطراف الإقليمية لتوحيدها، بحسب مراقبين.
ويستعرض "مصراوي" في هذا التقرير أبرز ملامح الهُدن الثلاث:
هدنة الجنوب
في السابع من يوليو الماضي، جرى اتفاقا للمرة الأولى بين روسيا وأمريكا بالإضافة إلى الأردن لتطبيق هدنة في الجنوب السوري، والذي جاء بعد أيام من اتفاق مناطق خفض التصعيد الذي نتج عن الجولة الرابعة لمحادثات أستانة.
يعتبر اتفاق وقف إطلاق النار منفصلا عن اتفاق "مناطق وقف التصعيد"، حيث تم تحديد محافظة إدلب، وشمال حمص "أجزاء من اللاذقية وحلب وحماة"، والغوطة الشرقية في دمشق، وجنوب سوريا "درعا والقنيطرة".
لكن التطبيق الفعلي للاتفاق جاء في مناطق الجنوب السوري في السويداء والقنيطرة ودرعا التي كانت من أكثر المناطق سخونة في الجنوب السوري بعد اشتباكات دامت لأيام بين المعارضة السورية وقوات النظام قبيل تطبيق الهدنة.
ورغم بعض الخروقات إلا أن معالم التهدئة بدأت في الوضوح، ما أتاح للأهالي البدء بترميم منازلهم المتضررة، وإدخال المساعدات الإنسانية.
الاتفاق ينص على نشر قوات شرطة عسكرية روسية في مناطق وقف إطلاق النار في المحافظات الثلاث الموجودة في الاتفاق، للإشراف على وقف إطلاق النار وتنفيذ الهدنة.
وينص الاتفاق أيضًا على انسحاب عناصر قوات النظام والمسلحين الموالين لها وانسحاب الفصائل المقاتلة والإسلامية من خطوط التماس في كافة المحاور، وانتشار قوات الأمن الداخلي التابعة للنظام في هذه الخطوط، على أن تتكفل فصائل المعارضة الداخلة في الاتفاق، بحماية المنشآت العامة والخاصة، وتجهيز البنى التحتية لعودة اللاجئين السوريين تباعاً من الأردن.
بالإضافة إلى إجراء انتخابات مجالس محلية يكون لها صلاحيات واسعة، وإيصال المساعدات الإنسانية إلى هذه المناطق التي تلتزم بوقف إطلاق النار.
هدنة الغوطة
كان اتفاق وقف إطلاق النار في غوطة دمشق الشرقية، في 20 يوليو الماضي، هو الاتفاق الأول الذي ترعاه مصر في سوريا، حيث توسط تيار الغد السوري ليجمع أطرافًا من المعارضة السورية في هذه المنطقة ووفد من وزارة الدفاع الروسية، حيث تم توقيع الاتفاق بعد مفاوضات استمرت ثلاثة أيام في القاهرة.
دخل الاتفاق حيز التطبيق منذ تاريخ توقيع ممثلي المعارضة والضامن عليها، على أن يتحمل الطرف الضامن إلزام النظام العمل بهذه الاتفاقية.
ونص الاتفاق على وقف كامل للقتال وإطلاق النار من جميع الأطراف، وعدم دخول أي قوات عسكرية تابعة للنظام السوري أو قوات حليفة له إلى الغوطة الشرقية.
كما نص على فتح معبر مخيم الوافدين من أجل عبور المساعدات الإنسانية، والبضائع التجارية، وتنقل المواطنين بشكل عادي.
وألزم الاتفاق روسيا بإخراج الميليشيات الأجنبية كافة من سوريا التي تحمل شعارات طائفية تخالف الهوية الوطنية السورية، ومحاسبة من ارتكب الجرائم منهم وألا يكون لهم أي دور في حفظ أمن البلاد ومستقبلها.
ورغم أن الاتفاق ينص على أن تكرار الخرق من أي طرف أو محاولة التقدم باتجاه الطرف الآخر سيؤدي إلى اعتبار هذه الاتفاقية "ملغاة"، إلا أنها تعتبر من أكثر الهدن التي تم خرقها منذ الساعات الأولى من بدء تطبيقها.
لم تسفر الخروقات عن إلغاء الهدنة بل أنها ظلت صامدة في وجه أطراف الصراع، خاصة أن تلك المنطقة على الأخص تدور فيعا صراعات داخلية بين فصائل المعارضة المسيطرة عليها، فضلاً عن الصراعات مع داعش والنصرة والقوات الموالية لنظام الأسد.
لكن البارز في هذا الاتفاق هو دخول مصر فيه، وهو ما دفع بعض أطراف المعارضة السورية، لانتظار دورًا أكبر للقاهرة في حل الأزمة، ومساندة الشعب السوري والمساهمة في دعم حل سياسي يرضي أطراف النزاع.
فالمعارضة السورية تعتبر أن مصر وسيط نزيه في الأزمة السورية لأنها لم تشارك نهائيا في سفك الدماء، ما يجعل لها دورًا كبيرًا في هذه المرحلة ودورًا أكبر في المراحل القادمة.
هدنة حمص
بعد أقل من أسبوعين من تطبيق هدنة غوطة دمشق، انضم ريف حمص، إلى مناطق وقف التصعيد، حيث بدأت تفعيل الهدنة في 84 تجمعا سكنيا شمالي حُمص، يقطنها نحو 140 ألف شخص.
جاءت تلك الهدنة شبيهة لهدنة الغوطة الشرقية، حيث تم الاتفاق بوساطة تيار الغد السوري بين الطرف الروسي والنظام وبين فصائل المعارضة السورية المسلحة، والذي تم توقيعه أيضًا في القاهرة برعاية مصرية.
يتضمن الاتفاق في ريف حمص الشمالي الإفراج عن معتقلي جميع الأطراف بإشراف وتنفيذ روسي، ونشر قوات مراقبة يشكلها عناصر من جمهورية الشيشان التابعة لروسيا، بالإضافة إلى إدخال الأغذية والمحروقات والبضائع ومواد البناء.
كما أنه لا يشمل أيضًا مسلحي تنظيمي داعش وجبهة النصرة، وتلتزم المعارضة عدم وجود أي من عناصر جبهة النصرة في المناطق الخاضعة لسيطرتها في ريف حُمص، واتخاذ كافة الإجراءات الفعلية لمنع عودتهم أو ظهورهم فيها
المعارضة المعتدلة تعهدت، في سياق الاتفاقات التي تم التوصل إليها، بطرد جميع الفصائل المرتبطة بهذين التنظيمين من مناطق سيطرتها في محافظة حُمص، وكذلك بإعادة فتح جزء من طريق حُمص-حماة.
ويتم بموجب القرار إدخال المواد اللازمة لإعادة إعمار البنية التحتية المدمرة وفقاً لطلب المعارضة ويتم تحديد قائمة بالمواد بموجب محضر مفصل وعندئذ تقوم قوات مراقبة تخفيف التصعيد بتفتيش كافة قوافل الإغاثة الإنسانية قبل دخولها إلى منطقة تخفيف التصعيد في ريف حمص.
تم تسهيل الحركة الاقتصادية والتجارية دون تحديد الكميات والنوعيات من وإلى منطقة ريف دمشق بما في ذلك المحروقات وقطع الغيار والأجهزة اللازمة، وعودة كافة النشاطات المدنية والإنسانية والإعمار إلى المنطقة.
وينص الاتفاق على تشكيل مجالس محلية من سكان هذه المنطقة خلال عشرة أيام منذ توقيع الاتفاق، يعهد إليها إدارة شؤون المواطنين، وضمان النشاطات السلمية اليومية للمدنيين.
هدنة ريف حُمص، شهدت عددًا قليلاً من الخروقات منذ تطبيقها في الثالث من أغسطس الجاري، وهي لاتزال مستمرة في وسط تخوفات بأن تزداد خروقاتها كهدنة غوطة دمشق.
وفي مؤتمر صحفي له، قال أحمد الجربا رئيس تيار الغد السوري، أن الخروقات التي تشهدها مناطق الهدن لا تؤثر على استمراريتها، مضيفًا أنه من الطبيعي أن تحدث خروقات في المنطقة والمهم ألا يمر طيران بها.
فيديو قد يعجبك: