هل سرق الموساد نصف طن من أسرار إيران النووية؟
لندن (بي بي سي)
أراد رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو أن يكون مؤتمره التفاعلي الصحفي حول برنامج إيران النووي من وزارة الدفاع الإسرائيلية٬ كرة نار يقذفها باتجاه الوكالة الدولية للطاقة الذرية والأطراف الأوروبية المعاندة لتوجه الرئيس الأمريكي دونالد ترامب للخروج من الاتفاق لأنه يرى فيه "اتفاقا سيئا" كما عبّر في مناسبات عديدة. أمام شاشة عملاقة وخزائن برفوف مغطاة وقف نتنياهو ليقدّم عرضه مزودا بمقاطع فيديو، وصور، ووثائق مكتوبة بالفارسية، تحت عنوان "إيران تكذب".
لكن وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف كان قد استبق عرض نتنياهو بتغريدة على تويتر قال فيها "الطفل الذي لا يستطيع التخلي عن عادته في الكذب، والذي لم تردعه مسرحيته في الأمم المتحدة. بإمكانك استغباء بعض الناس مرات محدودة فقط.".
BREAKING: The boy who can't stop crying wolf is at it again. Undeterred by cartoon fiasco at UNGA. You can only fool some of the people so many times. pic.twitter.com/W7saODfZDK
— Javad Zarif (@JZarif) ٣٠ أبريل ٢٠١٨
ما كشفه نتنياهو عن تمكن جهاز الاستخبارات الخارجية الإسرائيلي الموساد من العودة إلى إسرائيل بـ ٥٥ ألفا من الوثائق والأقراص المدمجة من منشأة سرية إيرانية جنوبي العاصمة طهران، لا يمكن إلا الوقوف عنده بالتفصيل لما يحمله من زلزال قد يتسبب فيه داخل الأجهزة العسكرية والأمنية الإيرانية في حال تأكد حصوله بهذه الطريقة التي تظهر وكأن أكثر المخازن سرية وحساسية في برنامج إيران النووي كانت متروكة بدون حراسة مباشرة أو متابعة عبر كاميرات أو حساسات أو حتى مخبرين ينشطون في محيطها.
العملية كما رواها نتنياهو شهدت دخول عناصر من الموساد الإسرائيلي إلى طهران ومن ثم الوصول إلى المنشأة والدخول إليها وتحميل ما يوازي نصف طن من الوثائق ومن ثم شحنها إلى إسرائيل في ذات الليلة.
حول هذه الرواية قال باراك رافيد المراسل الدبلوماسي للقناة العاشرة الإسرائيلية في مقابلة مع برنامج نيوزداي على بي بي سي الخدمة العالمية إن العملية شارك فيها ١٠٠ عنصر من الموساد توزعوا بين مقر الموساد ودول شرق أوسطية وأماكن أخرى كما قال، مضيفا إن عملية الدخول إلى المخزن الذي تحدث عنه نتنياهو جرت بعد حوالي عامين من الرصد والتتبع.
وبحسب رافيد "لفهم هذه القصة يجب أن نعود إلى فبراير ٢٠١٦ لأن تطبيق الاتفاق بدأ في يناير ٢٠١٦، وبعد شهر من ذلك تلقى الموساد الإسرائيلي معلومات عن وجود عملية سرية تجري في إيران ولا يعلم بها سوى عدد قليل جدا من الأشخاص من ٥ إلى ١٠ من المسؤولين الإيرانيين، عملية جمع كل الوثائق المرتبطة بالبعد العسكري للبرنامج النووي الإسرائيلي، من كل المواقع البحثية في إيران في مكان واحد في طهران، والسبب في ذلك أن الإيرانيين كانوا يتوقعون مجيء مفتشي الوكالة الدولية للطاقة الذرية بناء على الاتفاق النووي، ولم يكن الإيرانيون للوكالة ولا للمجتمع الدولي أن يعرفوا شيئا عن ماضيهم في البحث حول الإمكانات النووية العسكرية، لذلك قرروا وضعها في مخزن مدني بمنطقة صناعية جنوبي طهران."
وبحسب الرواية الإسرائيلية فإن الإسرائيليين واجهوا مشكلة كبيرة عند وصول الوثائق إذ أنها كانت باللغة الفارسية حول التكنولوجيا النووية وكان لا بد من إيجاد أشخاص يجيدون الفارسية والعبرية في آن ولديهم خلفية تقنية ليتمكنوا من ترجمة هذا العدد الهائل من الوثائق لذلك تم إيكال المهمة إلى حوالي ٥٠ شخصا خبراء في التكنولوجيا النووية كما في اللغة الفارسية وبدأوا بالعمل على ترجمة المواد.
وعندما اكتشف الإسرائيليون أنهم لن يتمكنوا من إنجاز العمل تم التواصل مع وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية وكان فريق مواز هناك يعمل على تحليل المواد، وبعد اعلان نتنياهو عن الأمر جرى إرسال مواد إلى الاستخبارات الخارجية البريطانية للمساهمة في تحليل الوثائق.
خلال العرض أزاح نتنياهو الستار عن خزانة مستندات وأخرى للمعلومات المخزنة إلكترونيا، وعرض خريطة المكان الذي يقع فيه الموقع السري. منطقة شورآباد هي التي ظهرت على الخريطة، منطقة صناعية شرقي مطار الإمام الخميني الدولي وشمالي سجن كهريزك أحد أكثر السجون الإيرانية حراسة، كما إن الموقع نفسه يقابل وجها لوجه مخازن شركة سيمنس الألمانية، بحسب موقع الخرائط ويكيمابيا الذي أظهر إلى جانبه مطعما إيرانيا تقليديا اسمه "رستوران باغ" أو مطعم الحديقة، وناديا للفروسية، كما أظهر وجود مسجد في المنطقة.
والمساجد في إيران عادة ما يكون فيها نقطة لقوات التعبئة الشعبية المعروفة بالبسيج، والتي عادة ما تكون مكلفة بالإبلاغ عن تحركات غير طبيعة حيثما كانت حاضرة. لكن عرض نتنياهو للخريطة لا يبدو دقيقا، فهو في حين يقول إنها من عام ٢٠١٧، يظهر أرشيف غوغل إيرث للخرائط أنها تعود إلى خريف عام ٢٠١٥، لا سيما وأن الصور الحديثة من نهاية ٢٠١٥ وحتى اليوم تظهر وجود مبنى بسقف أحمر فاقع وهو ما لا يظهر في خريطة نتنياهو.
مسألة الخريطة واحدة من القضايا التي يمكن أن تثير التساؤلات حول حقيقة حصول إسرائيل على المعلومات، ولماذا يعتمد نتنياهو على خريطة جوية قديمة في عرضه التفاعلي إلى جانب نقاط أخرى مثل طبيعة المواد التي جرى عرضها والتي كان القصد منها توجيه صفعة كبيرة للاتفاق النووي تمهيدا لإسقاطه، وهو في هذا الإطار عرض صفحة تقول إن إيران في العام ٢٠١٨ لا تزال تعمل من خلال برنامج بديل على مشروع عسكري.
وكانت المفاجأة، بحسب مراسل قناة إسرائيل ٢٤ شاي بن أري أن الوثيقة التي أرسلت في اليوم التالي للصحفيين لم تتضمن عبارة حول استمرار العمل في عام ٢٠١٨ على المشروع.
يبقى السؤال الأهم، هل قامت إسرائيل فعلا بسرقة الأبحاث والوثائق المتعلقة بالبعد العسكري المفترض لبرنامج إيران النووي، وهل جرى ذلك من خلال عملية للموساد الذي دخل وخرج من إيران كما يدخل السكين في الزبدة، أم أن إسرائيل حصلت على المواد التي عرضتها من خلال طرف ثالث أو عبر اختراق وثائق الوكالة الدولية للطاقة الذرية التي كانت بحسب وثيقة لها صادرة في الثامن من نوفمبر عام ٢٠١١ تعلم بحقيقة مشروع عماد. وثائق الوكالة الدولية للطاقة الذرية
وبحسب الوثيقة فإن وبحسب معلومات قدمتها الدول الأعضاء بين نهايات التسعينات وبداية الألفية الثانية فإن النشاطات كانت تجري تحت عنوان "مشروع عماد" وأن محسن فخري زاده المهابادي كان مديرا لمشروع عماد وأن معظم النشاطات التي كانت تجري حصلت بين عامي ٢٠٠٢ و٢٠٠٣.
وتضيف الوثيقة أن النشاطات التي كانت تجري تحت مشروع عماد معظمها كان دراسات في المجال التقني حول مشروع الملح الأخضر، المتفجرات الشديدة بما في ذلك تطويل نوع خاص من المتفجرات، وإعادة هندسة صاروخ شهاب ٣.
حتى اللحظة ليس هناك من تأكيد أو نفي إيراني لحصول الحادثة، وإن أجمعت التصريحات الإيرانية على وصف ما قدمه نتنياهو بالمسرحية الهزلية، كما قال وزير الخارجية ظريف ونائبه عباس عراقتشي في تصريحين منفصلين.
أما الوكالة الدولية للطاقة الذرية فهي أشارت في بيان لها في اليوم التالي لمؤتمر نتنياهو إلى أن النشاطات ذات البعد العسكري التي جرت قبل عام ٢٠٠٣ لم تتطور الى ما هو أكثر من الإمكانية و الدراسات العلمية والحصول على قدرات تقنية وليس لديها ما يدل على ان ايران عملت على التطوير النووي العسكري بعد ٢٠٠٩.
كما أكدت الدول الأوروبية بدورها بعد المؤتمر أن ما جرى عرضه يؤكد ما كان لديها سابقا، وهو ما يجعل من الحفاظ على الاتفاق النووي أمرا ضروريا.
ويبقى أن نرى إذا ما كانت وثائق نتنياهو حول البرنامج النووي الإيراني ستؤثر حقا في قرار الرئيس الأمريكي ترامب في ١٢ مايو، عندما يقرر ما إذا كانت بلاده ستخرج أم ستبقى في الاتفاق النووي.
فيديو قد يعجبك: