تظاهرات ليبيا: لماذا أقالت حكومة "الوفاق" وزير داخليتها؟
كتبت- رنا أسامة:
في خطوة مُفاجئة، قرّر المجلس الرئاسي لحكومة الوفاق الوطني الليبية، مساء أمس الجمعة، إيقاف وزير الداخلية فتحي باشاغا، احتياطيًّا عن العمل، وإحالته إلى تحقيق إداري، مُعللًا ذلك بعدة أسباب على خلفية إطلاق مُسلّحين النار على متظاهرين في الاحتجاجات الغاضبة التي تعُم ليبيا منذ أسبوع.
ومنذ الأحد الماضي، تشهد مدن ليبية عديدة، مثل طرابلس ومصراتة وسبها وغات والزاوية، تظاهرات حاشدة فيما يُعرف بـ"حراك 23 أغسطس" ضد تفشي الفساد في البلاد، وتردي الخدمات العامة؛ جراء نقص السيولة النقدية، والوقود، وانقطاع الكهرباء المستمر وسوء الإدارة العامة.
ما حيثيات القرار؟
وفي قراره الذي حمل الرقم "562" لسنة 2020، أرجع المجلس الرئاسي حيثيات قراره، قال المجلس الرئاسي لحكومة الوفاق في بيان إن "باشاغا سيمثل للتحقيق الإداري أمام المجلس خلال موعد أقصاه 72 ساعة من تاريخ صدور قرار الإيقاف يوم الجمعة".
وأضاف البيان أنه سيتم التحقيق مع الوزير "بشأن التصاريح والأذونات وتوفير الحماية اللازمة للمتظاهرين والبيانات الصادرة عنه حيال المظاهرات والأحداث الناجمة عنها التي شهدتها مدينة طرابلس وبعض المدن الأخرى خلال أيام الأسبوع الماضي والتحقيق في أية تجاوزات ارتكِبت في حقّ المتظاهرين".
كما قرّر المجلس تكليف وكيل وزارة الداخلية خالد أحمد التيجاني مازن بتسيير مهام الوزارة.
كان باشاغا اتهم كتائب وجماعات مسلحة موالية لحكومة السراج، بفتح النار على المتظاهرين وشن حملة اعتقالات بحقهم، نافيا ارتكاب القوات التابعة له اعتداءات على الحراك الشعبي.
وأفادت تقارير إعلامية ليبية، الجمعة، بأن مجموعات طرابلس في القوة المشتركة أحبطت انقلابا خطط له باشاغا، ورئيس المجلس الأعلى للدولة بحكومة الوفاق خالد المشري، وتنظيم الإخوان.
كيف ردّ الوزير المُقال؟
وفور صدور القرار، سارع باشاغا بالترحيب بالقرار، مطالبًا بأن يُبثّ التحقيق معه على الهواء مباشرة، لضمان الشفافية وانطلاقًا من رغبته في إبراز الحقائق أمام المجلس والشعب الليبي "مصدر الشرعية ابتداءً وانتهاءً"، حسبما أوردت بوابة "الوسط" الليبية.
وألمح الوزير إلى أن مُساءلته تأتي لاعتراضه "على التدابير الأمنية الصادرة عن جهات مسلحة لا تتبع وزارة الداخلية، وما نجم عنها من امتهان لكرامة المواطن الليبي، وانتهاك حقوقه وإهدار دمه قمعًا وترهيبًا وتكميمًا للأفواه" خلال التظاهرات.
تزامن ذلك القرار مع ورود تقارير عن تفاقم الخلاف بين رئيس حكومة الوفاق فايز السراج، وباشاغا الذي يُعد من الشخصيات الليبية البارزة.
ولعب باشاغا، وهو من مدينة مصراتة الساحلية، دورا محوريا في صد الهجوم الذي شنته قوات شرق ليبيا على طرابلس طيلة نحو 14 شهرا، والذي تمكنت قوات حكومة الوفاق من إحباطه بدعم من تركيا.
ما دور باشاغا في التظاهرات؟
ومنذ اندلاع التظاهرات، حضر باشاغا بقوة في المشهد. فبعد 24 ساعة من خروج المحتجين الغاضبين إلى شوارع العاصمة الليبية طرابلس، حذّر وزير داخلية الوفاق الموقوف من الفوضي، قائلًا إن "الوزارة تحترم التظاهر وترفض الفوضى التي لن تنتج إلا فوضى".
وغرّد باشاغا عبر تويتر، الاثنين الماضي: "إيماننا بالديمقراطية ومدنية الدولة يحتم علينا الخضوع لإرادة الشعب والاستماع والإنصات لصوت المواطن".
التظاهر السلمي و التعبير عن الرأي حق مكفول لكل مواطن و علينا الإستماع جيداً لصوت الشارع و المندسين ليسو المتظاهرين بل الذين ظهروا بمظهر رجال الأمن و هم مجموعة خارجة عن القانون اطلقت النار .سنحيل نتائج التحقيقات لرئاسة الحكومة و النيابة العامة من حيث الاختصاص الإداري والقضائي
— وزير الداخلية الليبي (@fathi_bashagha) August 24, 2020
بالتوازي، أصدرت داخلية الوفاق بيانًا اتهمت فيه "أشخاصًا مندسين خارجين عن القانون" بالاعتداء على المتظاهرين، زاعمة أن هؤلاء الأشخاص سعوا إلى "إثارة الفتنة وزعزعة الثقة بين المواطنين والأجهزة الأمنية، وخلق أزمة وفوضى جديدة في البلاد، بعد أن شهدت نوعًا من الاستقرار الأمني عقب انتهاء الحرب في طرابلس والمناطق المحررة".
ومع دخول التظاهرات يومها الرابع، أعلنت داخلية الوفاق، الأربعاء الماضي، اتخاذ الإجراءات القانونية اللازمة بشأن "أي تجمعات لا تلتزم بالشروط القانونية للتظاهر، وفق قانون تنظيم حق التظاهر السلمي".
ودعت الوزارة في بيان، اللجان المسؤولة عن التظاهرات إلى التوجه لمديريات الأمن المختصة مكانيًّا؛ للحصول على أذونات للتظاهر السلمي وفق القانون؛ حتى يتسنى للجهات الأمنية حماية المتظاهرين، وضمان سلامتهم وممارسة حقوقهم الدستورية بشكل حضاري وديمقراطي، بحسب "الوسط" الليبية.
وأوضح البيان أن تعليمات الوزير فتحي باشاغا إلى الأجهزة الأمنية تقضي "بحفظ الأمن والنظام العام وحماية الممتلكات العامة والخاصة، والتعامل مع الخارجين عن القانون"، مُشيرًا إلى افتقار المظاهرات للمتطلبات القانونية اللازمة من الحصول على إذن مديرية الأمن حسب اختصاصها المكاني، وعدم تحديد موقع ومواعيد المظاهرة.
ومساء اليوم نفسه، طوقت قوات أمنية ميدان الشهداء بالعاصمة طرابلس وأطلقت الرصاص لتفريق شباب حاولوا التظاهر رغم قرار "الرئاسي الليبي" فرض حظر تجول كامل اعتبارًا من الساعة السادسة من مساء نفس اليوم.
في تلك الأثناء، حذر باشاغا من أن وزارته قد تضطر إلى استعمال القوة ضد "مجموعات مسلحة اعتدت على المتظاهرين ليلة الأربعاء، باستخدام أسلحتها من رشاشات ومدافع، إلى جانب إطلاقها الأعيرة النارية بشكل عشوائي".
وقالت داخلية الوفاق في بيان إنها "رصدت تلك المجموعات المسلحة وتبعيتها والجهات الرسمية المسؤولة عنها"، مؤكدة استعدادها التام "لحماية المدنيين العزل من بطش مجموعة من الغوغاء الذين لا يمثلون أبطال عملية بركان الغضب الشرفاء ولا يحترمون دماء وأعراض الأبرياء من المتظاهرين السلميين".
وحذرت من "محاولة المساس بحياة المتظاهرين أو تعريضهم للترويع أو حجز الحرية بالمخالفة للقانون، وإنها قد تضطر إلى استعمال القوة لحماية المدنيين، وذلك وفق واجباتها الأخلاقية والوطنية والقانونية تجاه الشعب الليبي".
فيديو قد يعجبك: