غضب في فرنسا بعد تصريح ماكرون بـ"مضايقة" غير الملقحين في حياتهم اليومية
باريس - (بي بي سي)
يواجه الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون انتقادات شديدة بعد استخدامه كلمات وصفت بالمسيئة والمثيرة للانقسام، إذ لجأ إلى استخدام تعبير عامي دارج ليقول إنه يريد تضييق الخناق على الأشخاص غير الحاصلين على لقاح ضد فيروس كورونا.
وقال ماكرون في مقابلة لصحيفة "لو باريزيان": "أريد حقا أن أنغص عليهم حياتهم، وسنواصل ذلك حتى النهاية".
وقبل ثلاثة أشهر من الانتخابات الرئاسية الفرنسية، يقول معارضو ماكرون إن كلماته لا تليق برئيس دولة.
وعلّق نواب البرلمان مناقشات بشأن قانون يمنع غير المُلقحين من ممارسة معظم أنشطة الحياة العامة.
وتوقفت جلسة في الجمعية الوطنية (البرلمان) للمرة الثانية على التوالي يوم الثلاثاء، بعد شكوى نواب المعارضة من لهجة الرئيس، وقد وصفت شخصية بارزة في البرلمان لهجة الرئيس بأنها "لا تليق، ومستهترة ومتعمدة".
ومن المتوقع الموافقة على القانون في تصويت خلال الأسبوع الجاري، لكنه أثار غضب معارضي اللقاح وقال العديد من النواب الفرنسيين إنهم تلقوا تهديدات بالقتل بسبب هذه القضية.
ويعد التطعيم ضد كورونا إلزاميا في العديد من الدول الأوروبية، حيث تبدأ النمسا برنامجا لتطعيم من هم أكبر من 14 عاما اعتبارا من الشهر المقبل، كما تعتزم ألمانيا تطبيق خطوة مماثلة للبالغين. وناقشت الحكومة الإيطالية يوم الأربعاء إصدار تصريح إلزامي للقاح على الأقل لأي شخص يزيد عمره عن 60 عاما.
"لا ينبغي للرئيس أن يقول ذلك"
استخدم ماكرون خلال مقابلته مع صحيفة "لو باريزيان" يوم الثلاثاء تعبيرا يعد مسيئا بشأن الكيفية التي يريد بها مضايقة غير الملقحين.
وقال إنه لن يقوم "بفرض اللقاح بالقوة" على الخمسة ملايين شخص ممن لم يحصلوا على جرعة لقاح، لكنه يأمل في تشجيع الناس على الحصول على اللقاحات من خلال "الحد قدر الإمكان من ممارسة أنشطة الحياة الاجتماعية".
وأضاف: "لن أضعهم (الأشخاص غير الملقحين) في السجن، لذا نريد أن نقول لهم إنه اعتبارا من 15 يناير/كانون الثاني، لن تستطيعوا الذهاب إلى المطعم. لن تستطيعوا بعد الآن الذهاب لتناول القهوة، ولن تستطيعوا بعد الآن الذهاب إلى المسرح. لن تستطيعوا الذهاب إلى السينما".
وقبل الحملة الانتخابية الرئاسية، أثارت تصريحات ماكرون ردود فعل قوية من جانب شخصيات معارضة.
قالت المرشحة الجمهورية اليمينية، فاليري بيكريس، إنها غاضبة من أن الرئيس اتهم الأشخاص غير الملقحين بأنهم ليسوا مواطنين.
وأضافت لشبكة "سي نيوز" الإخبارية: "عليك أن تقبلهم كما هم، عليك أن تقودهم وتجمعهم وليس أن تهينهم".
وقال زميلها في الحزب برونو ريتايو: "يقول إيمانويل ماكرون إنه تعلم حب الفرنسيين، لكن يبدو أنه يحب بشكل خاص احتقارهم".
وقالت مارين لوبان، مرشحة اليمين المتطرف للرئاسة: "على الرئيس ألا يقول ذلك... إيمانويل ماكرون لا يليق ذلك منصبه".
كما وصف السياسي اليساري، جان لوك ميلنشون، التصريحات بأنها اعتراف يدعو إلى الدهشة: "من الواضح أن بطاقة التطعيم هي عقاب جماعي ضد الحرية الفردية".
ولا يعد اختيار ماكرون للغة غير لائقة شيئا غير مسبوق بالنسبة لقائد فرنسي.
كان الرئيس الفرنسي السابق، جورج بومبيدو، قد استخدم نفس الكلمة في عام 1966 عندما قال إن الوقت حان للتوقف عن مضايقة الفرنسيين، ومثله قال ماكرون إن دوره لم يكن إثارة غضب الفرنسيين، لكن غير المطعمين قصة أخرى.
وقال كريستوف كاستانير، حليف ماكرون، يوم الأربعاء إن "العبارة لم تصدم أحدا عندما قالها بومبيدو".
وتعد فرنسا واحدة من أعلى معدلات التطعيم ضد كوفيد في الاتحاد الأوروبي، إذ حصل ما يزيد على 90 في المئة من تعداد السكان على جرعتين من اللقاح.
وتطالب فرنسا، منذ أشهر، المواطنين بإبراز ما يثبت حصولهم على اللقاح، أو إبراز نتيجة سلبية لتحليل طبي للكشف عن الإصابة بكوفيد قبل ارتياد العديد من الأماكن العامة.
بيد أن الحكومة الفرنسية ترغب في إلغاء الخيار المتعلق بإبراز ما يثبت النتيجة السلبية لتحليل الإصابة بكوفيد نظرا للزيادات القياسية في الإصابات، بسبب متحور أوميكرون شديد العدوى ومتحور دلتا.
وسجلت البلاد يوم الثلاثاء ما يزيد على 271 ألف حالة إصابة يومية جديدة بكوفيد، ما يعد أعلى عدد من حيث الإصابات اليومية المسجلة في فرنسا منذ بداية الوباء.
وعلى الرغم من أن ماكرون لم يحسم رسميا ترشحه لولاية ثانية، قال يوم الثلاثاء إنه يريد الترشح وسيوضح قراره "بمجرد أن يسمح الوضع الصحي بذلك".
"فرصة لا تفوت"
اشتعلت موجات الأثير في فرنسا صباح اليوم بأصوات السياسيين الغاضبين، من اليسار واليمين، المعتدل والمتطرف، في منافسة بين المعارضين لإدانة "مضايقة" الرئيس ماكرون.
في فترة ما قبل الانتخابات، من الجيد جدا ألا تفوت الفرصة لاتهامه بكل أخطائه القديمة: الغطرسة، والتهكم، والانعزال، والجهل بمخاوف المواطنين العاديين.
ولكن نظرا لأننا بالفعل في فترة ما قبل الانتخابات، فعلينا أن نكون على يقين من أن الرئيس كان يعرف بالضبط ما كان يفعله عندما قال تلك الكلمات الاستفزازية في مقابلته مع صحيفة "لو باريزيان"، لم يكن الأمر بمثابة غضب غير محسوب.
ما يريد ماكرون أن يفعله هو إبعاد أعدائه من اليمين. فهو غير منزعج جدا من اليسار. لكن حزب الجمهوريين بزعامة فاليري بيكريس أصبح، منذ ترشحها لخوض سباق الانتخابات الرئاسية، اهتمامه السياسي الرئيسي.
وباتخاذ مثل هذا الموقف القوي والقسري ضد غير الملقحين، يدعو ماكرون حزب الجمهوريين إلى اختيار من يدعمون، هل هم معه ويبذلون قصارى جهودهم لزيادة عدد الملقحين؟ أم هم يدعمون جانب الأقلية، الخمسة ملايين بدلا من الخمسين مليونا، ويدعمون المعارضين للتطعيم؟
لأنه لو كانوا مع الاختيار الثاني فهذا في واقع الأمر محرج للغاية قبل الانتخابات الرئاسية.
فيديو قد يعجبك: