عدي التميمي.. حكاية مقاوم لآخر نفس ومقاتل حتى الرصاصة الأخيرة
كتبت- سارة أبو شادي
كان فدائيّا حتى الرمق الأخير، طارده الاحتلال 12 يومًا وفشل في العثور عليه، فخرج هو من عرينه ليعطيهم درساً في الشجاعة، مُشهرًا سلاحه في وجوههم حتى لفظ أنفاسه الأخيرة، مُقبلًا غير مدبر، مشهدًا لا نجده إلّا في أفلام السينما، لكنّ في فلسطين الخيال يمكن أن يُصبح واقعًا.
بطولة جديدة سطّرها تاريخ النضال الفلسطيني باسم الشهيد عُدي التميمي، الشاب ذو الـ22 عامًا والذي لم يهب الموت، واتخذ من النضال ومقاومة المُحتل هدفًا يدفع حياته ثمنًا له، رغم صغر سنه.
مصراوي تواصل مع عائلة الشهيد الشاب سردوا لنا بعضًا من تفاصيل حياة نجلهم البطل وكيف أصبح عُدى أيقونة ورمزًا لنضال الشباب الفلسطيني.
خرج من عُرس لآخر
مساء الثامن من أكتوبر قبّل الشاب الذي كان على وشك الاحتفال بعيد ميلاده الـ23 بعد أيام قليلة يد أمه وجبين أبيه، وخرج رفقة أصدقائه لحضور عُرس رفيقًا له بالحي، انتهى من العُرس وأسرع للمُغادرة اعتقد أصدقائه أنّه سيعود لمنزله، لكنّ وجهة عُدي لم تكن المنزل فالشاب كانت له وجهة أخرى يستعد لها منذ شهور بل سنوات.
أوشكت الساعة على منتصف الليل ترّجل عُدي من سيارة أجرة على حاجز مُخيم شعفاط، لم يهب الموت فهو يدرك جيدًا أنّه حياته يمكن أن تنتهي بعد لحظات، لكنّ الطفل في فلسطين يولد بعقيدة بأنّ الموت مُقابل الدفاع عن الأرض ما هو إلّا شرف يسعون جميعًا لنيله، أمسك عُدي بسلاحه وأشهره على رؤوس جنود مُحتلين على الحاجز سقط منهم قتيلا وأصيب آخرين، بينما تمكنّ الشاب من الهرب آمنًا إلى وجهة كانت غير معلومة.
أحلام عُدي
"ماتوقعنا إن عُدي يعمل هاد الشي لكنّ اتفاجئنا بالعملية" الخبر كان مفاجأة لأسرة الشاب البطل، كان عدي فتى مطيعًا لوالديه لم يجد نفسه في المدرسة فقرر الخروج منها والعمل في إحدى المهن الصناعية، ورغم صغر سنه لكنّه اكتسب شُهرة واسعة في مهنته.
في يوم العملية لم يظهر على الفتى شيء يدل على قدومه لهذا الفعل المُشرف حسب عائلته، بالرغم من أنّه عُرف عنه الوطنية، حتى أنّه تم اعتقاله وإيقافه عدة مرات من قبل جنود الاحتلال.
أحبّ عُدي الرياضة كثيرًا فلعب في أندية المدينة، وهوى أيضًا لعبة كمال الأجسام، كان محبوبًا من الجميع بالبلدة والعائلة، امتلك أحلامًا كثيرة لكنّ حلمه الأكبر هو أن يرى الأقصى مُحررًا.
كانت والدة عُدي دائمًا ما تطرح عليه فكرة الزواج لكنّه كان يرفض الحديث عنها وكانت الأم دائمًا ما تتعجب من ذلك، حينها كانت تقول أنّ عُدي يرى في نفسه أنّه لا يزال صغيرًا، لكنّ اليوم أدركت الأم سبب رفض نجلها لفكرة الزواج فكان عُدي يمتلك حلمًا أكبر من كل ذلك وهو "الشهادة".
فتاة القدس
قبل يومين من عملية شعفاط، اعتدى جنود الاحتلال على فتاة في القدس، وشهد الأقصى اقتحامات للمستوطنين حينها كان عُدي غاضبًا، تحدّث حينها مع نجل عمه بدا عليه الحُزن الشديد لما قام به جنود الاحتلال تجاه الأقصى وفتيات مدينته، لكن وعلى الرغم من ذلك لم يُدرك حينها نجل عمه أنّ عُدي يمكن أن يقدم على تنفيذ عملية ردًا على هذا الأمر.
نضال أبناء المدينة
"عُدي اختفى بعد عملية شعفاط وما تواصل معنا نهائي" بعدما نفذ الشهيد عملية حاجز شعفاط اختفى عن الأنظار، فحاصر الاحتلال مخيم شعفاط وقطع أوصال المدن القريبة، وأقام الحواجز على مداخل ومخارج المخيم، لكنّ عُدي لم يتخفى بمفرده بل ساعده أهل مدينته جميعًا فكانوا بمثابة عائلته الكُبرى.
اختفى عُدي بين أزقة وحواري القدس التي احتضنته، وقدم شباب القدس فعلا مقدرًا بحلق شعورهم ليشكلوا له حماية وغطاء للتحرك؛ لكونه اعتاد أن يكون حليق الشعر، بل كان الجميع في البلدة يُردد اسم عُدي على الهواتف كثيرًا حتى يٌفشل على الاحتلال مُحاولة تتبع هاتف الشهيد، فأصبح أبناء شعفاط جميعًا عُدي في هيئتهم وحديثهم.
عائلة الفتى الشاب لم تسلم من الاحتلال فبعد تنفيذ عملية شعفاط وفشل الجنود من العثور على الفتى الشاب، قرروا عقاب عائلته فاعتقلوهم عدة ساعات ثم صدر قرار بإبعادهم عن مخيم شعفاط، فخرجت العائلة من مسكنها إلى مدينة سلوان بالقُدس، وحتى اليوم الأخير قبل استشهاد عُدي لم تعلم عائلته أي معلومات عنه.
بطولة جديدة
12 يومًا وجنود الاحتلال يبحثون في كل مكان وكأنّ الفتى كان شبحًا تخفى في الظلام، لكن وفي الـ19 من أكتوبر خرج عليهم البطل ثانيّا ليُسطر بيديه بطولة جديدة، وبرغم الحواجز والأكمنة التي وُضعت لمحاولة الإمساك به لكنّه بخفة حركته وإيمانه القوي بما يفعله.
وصل البطل إلى مستوطنة "معاليه أدوميم" شرقي القدس، وبنفس سلاحه اشتبك مع حراسها وظلّ يطلق رصاصه نحوهم حتى نفسه الأخير، فسقط أرضًا ممسكًا بسلاحه مُقبلًا غير مُدبر فرحًا ببطولته التي قام بها فلم يهب الموت فكافئه الله بالشهادة.
عدي التميمي... احفظوا هذا الاسم جيدًا
— #سعوديون_مع_الاقصى (@Saudis2018) October 19, 2022
نفّذ قبل 10 أيام عملية شعفاط ضد الاحتلال، وفشلوا في الإمساك به.
خيم حياته اليوم بعملية إطلاق النار عند مدخل مستوطنة (معاليه أدوميم)، وقاوم الاحتلال حتى اسـ.شــهد مقبلًا غير مدبر.
رحمه الله تعالى pic.twitter.com/BO6UHp8kCb
سقط عُدي شهيدًا نعاه أبناء فلسطين جميعًا نادت المساجد باسمه ووقف الأئمة يبكون أثناء الدعاء له، خرج شباب وأطفال فلسطين في الشوارع يهتفون ببطولته، وبرغم استشهاده لكنّه ألقى الرُعب في قلوب الاحتلال وتحفظوا على جثمانه واقتحموا منزل عائلته ومنعوا إقامة عزاء له وأغلقوا المنزل، لكنّ عزاء عُدي لم يكن فقط في منزل أسرته بمدينة سُلوان بالقدس، بل عزائه كان في شوارع الضفة والقدس وشيعه الآلاف من أبناء وطنه.
الوصية الأخيرة
"أنا المطارد عدي التميمي من مخيم الشهداء شعفاط، عمليتي في حاجز شعفاط كانت نقطة في بحر النضال الهادر، أعلن أني سأستشهد عاجلا أم آجلا، وأعلم أنني لم أحرر فلسطين بالعملية، ولكن نفذتها وأنا أضع هدفاً أمامي، أن تحرك العملية مئات الشبان ليحملوا البنادق من بعدي".
بالأمس، ترك الشهيد إبراهيم النابلسي رسالة لأبناء فلسطين بعدم ترك البارودة، واليوم أوصى عُدي بحمل البنادق، وغدًا سيكتب شهيدًا وصية جديدة لتضاف لمُسلسل النضال على تلك الأرض.
فيديو قد يعجبك: