إعلان

الملكة إليزابيث الثانية: تجدد مطالبات أفريقية بالاعتذار عن الاستعمار بعد وفاتها

04:04 م الأربعاء 21 سبتمبر 2022

يقول إم جي موجاليفا إن مستمعيه يريدون اعتذارا من ا

جوهانسبرج- (بي بي سي):

في محطة إذاعية محلية تقع في قلب حي هيلبراو المزدحم بمدينة جوهانسبرغ، يقدم إم جي موجاليفا برنامجا يتلقى مكالمات هاتفية من المستمعين في أعقاب وفاة الملكة إليزابيث الثانية.

يرغب موجاليفا البالغ من العمر 22 عاما في أن يشارك المستمعون بآرائهم حول إرث الإمبراطورية البريطانية، التي كانت تضم جنوب أفريقيا في وقت من الأوقات.

"لقد استعمرنا البريطانيون، و[الملكة] لم تغير مطلقا طبيعة تلك العلاقة"، هكذا قال أحد المتصلين.

"لقد تجاوز الناس هذه الحقبة، والماضي يجب أن يظل في الماضي"، بحسب متصل آخر.

أما موجاليفا نفسه فيريد اعتذارا من الملك الجديد تشارلز الثالث: "غالبية الناس يقولون إن الملكة لم تعتذر - وهذا هو ما كانوا يريدونه منها".

أصبحت جنوب أفريقيا جمهورية عام 1961. حتى ذلك الوقت، ظل الفصل العنصري قانونا على مدى الأعوام الـ 13 السابقة، بما فيها تسعة أعوام كانت إليزابيث الثانية خلالها ملكة على البلاد.

وقد ترك هذا التاريخ الكثير من شباب جنوب أفريقيا في مواجهة مع إشكالية تتمثل في كيفية عقد مصالحة بين الماضي المؤلم والحاضر.

هذا الشعور عبر عنه أيضا الفنانان مزوكسولو "إكس" مايونغو وأديلسون دي أوليفيرا. تركز أعمالهما الفنية على التخلص من إرث الاستعمار.

يقول دي أوليفيرا: "عندما ننظر إلى تاريخ جنوب أفريقيا، فإننا لا ننظر إليه بشكل منعزل..فكل شيء يقود إلى شيء آخر".

وقد أدى ما أخبرته به جدته عن تجربة العيش في ظل نظام التفرقة العنصرية إلى اتضاح رؤيته للتاريخ. يتساءل: "لا يمكنك إزالة آثار الجروح. وكيف يتأتى لك أن تشفي تلك الجروح؟"

لكن كليهما يقول إن هذه اللحظة تمنح فرصة للملك تشارلز الثالث لبناء علاقة جديدة مع القارة.

يقول دي أوليفيرا: "نظرتنا لا يسيطر عليها التشاؤم..نحن نرى أن العلاقة المستقبلية التي بإمكان الملك أن يقيمها مع أفريقيا من الممكن أن تتسم بتحمل المسؤولية، بالجلوس إلى الطاولة وإجراء حوار مع البلدان الأفريقية".

وبسؤالهما عن شكل تلك العلاقة، قال الاثنان إنهما يريدان إجراء حوارات بشأن تقديم تعويضات، وإعادة آثار وإعادة الموارد المعدنية للقارة - على سبيل المثال أكبر ماسة اكتشفت على الإطلاق، والتي يطلق عليها نجمة أفريقيا، هي الآن جزء من جواهر تاج العائلة المالكة البريطانية.

وتتردد المطالبات بتعويض العائلة المالكة البلدان الأفريقية عن الاستعمار في العاصمة الكينية نيروبي.

شهدت كينيا انتقالا للسلطة هذا الأسبوع عندما أدى ويليام روتو اليمين الدستورية بوصفه خامس رئيس للبلاد منذ استقلالها عن المملكة المتحدة عام 1963.

وعلى الرغم من أن التركيز كان بالطبع منصبا على تولي رئيس جديد السلطة، فإن وفاة الملكة تصدرت العناوين الرئيسية لوسائل الإعلام الكينية. كما أدت إلى تجدد الجدل حول علاقة البلاد مع حكامها الاستعماريين السابقين.

يقول نيلسون نجاو البالغ من العمر 30 عاما، بينما يقف أمام مركز موي الرياضي الدولي الذي أدى فيه الرئيس روتو اليمين الدستورية، والذي يضم 60 ألف مقعد: "من المحزن أننا فقدنا نفسا".

"لكن ما فعلوه بالثقافة الأفريقية وبالأمم الأفريقية، بثروتنا وطريقة تنظيمنا لمجتمعاتنا يتطلب حقا أن يعتذروا لنا".

سامي ماسكويا (يسار) ونيلسون نجاو (يمين) يطالبان العائلة المالكة البريطانية بالاعتذار عن الحقبة الاستعمارية

إلى جانبه يقف سامي ماسيوكا، 29 عاما، والذي يومئ برأسه في إشارة على موافقته في الرأي: "لا زلنا نشعر بأننا نعَامل كرعايا وليس كأنداد".

تعود جذور الشعور بالمعاملة كرعايا إلى تجارب تاريخية مؤلمة. فبعد بضعة شهور فقط من اعتلاء الملكة إليزابيث العرش، قوبلت انتفاضة الماو ماو بقمع وحشي، إذ تقول لجنة حقوق الإنسان الكينية إن 90 ألف شخص أعدموا أو تعرضوا للتعذيب أو تعرضوا للبتر والتشويه.

في عام 2013، وافقت حكومة المملكة المتحدة على دفع مبلغ 22.6 مليون دولار أمريكي لـ 5000 مسن كيني كتعويضات عن الإساءات والأضرار التي تعرضوا لها خلال الحكم الاستعماري.

الكثير من الكينيين الأكبر سنا، بعكس نظرائهم الشباب الذين حضروا مراسم تنصيب الرئيس روتو، ينظرون إلى مستعمريهم السابقين بعين الاعتزاز.

كارولين موريغو، التي تقول إن سنها يزيد عن 50 عاما، تخبرنا بأن نبأ وفاة الملكة كان محزنا: "إنها شخص عرفته طوال حياتي. كان شيئا محزنا، ولكن الأجل قد حان. نتمنى كل التوفيق للملك الجديد، الملك تشارلز".

أما ماري موثوني البالغة من العمر 46 عاما فترى أن العائلة المالكة لا تزال تمثل أهمية للكينيين في الوقت الحالي: "سوف يساعدوننا على تحسين اقتصادنا، وتحسين البنية التحتية في بلادنا".

رسائل التعزية الرسمية من مختلف قادة القارة ومسؤوليها تكاد تجمع على إشادتها بعهد الملكة، وسجل التزامها بواجباتها وعلاقتها المستمرة منذ وقت طويل بالقارة. وفي أوغندة، حيث قامت بآخر زيارة لها لأفريقيا لحضور اجتماع قادة حكومات الكومنولث عام 2007، عقد البرلمان جلسة خاصة لتكريمها.

من بين عناصر الإرث الذي تركه الاستعمار البريطاني في أفريقيا هو أن نيجيريا تضم الآن طائفة إنجيلية تعد من بين الأكبر على مستوى العالم. وقد أقامت قداسا لإحياء ذكرى الملكة إليزابيث في أبوجا، والتي قال خلاله رئيس الكنيسة القس علي بوبا لاميدو إن الملكة، بوصفها رئيسة الكنيسة الإنجليزية، كانت أيضا تمثل أهمية كبيرة للطائفة الإنجيلية النيجيرية.

ويقول مراسل لبي بي سي حضر القداس إن الأجواء كانت حزينة، ولكن الكثير من المشاركين لم يرغبوا في تقديم عزائهم بشكل علني - ما قد يعد انعكاسا للجدل المحتدم بشأن إرث التاج البريطاني في أفريقيا.

وبالعودة إلى نيروبي، وبالتحديد إلى مستوطنة ماثاري غير الرسمية، يرى دوغلاس موانغي أنه ينبغي الاحتفاء بالملكة لما قدمته من خدمات للكومنولث الذي ترأسته على مدى 70 عاما. والكومنولث هو منظمة تضم 56 دولة غالبيتها مستعمرات بريطانية سابقة.

في عام 2018، زار موانغي قصر باكينغهام لاستلام جائزة الملكة للقادة الشبان. وقد حصل على تدريب وتمويل من صندوق الملكة المخصص للكومنولث، والذي يساعد المنظمة على دعم الشباب من ذوي المهارات في مجال تكنولوجيا المعلومات. يقول إن الصندوق ساعد أكثر من 14 ألف شخص في ماثارا منذ عام 2014.

يمضي بالقول إن "هذه [الجائزة] منحتنا مصداقية. إننا نتعلم أفضل الممارسات فيما يتعلق بما يحدث عبر أنحاء الكومنولث لنرى كيف يمكننا تحسين نموذجنا. لقد أصبحت جلالة الملكة الراحلة ملكة في سن صغيرة جدا، وكانت تؤمن بالقيادات الشابة".

لكن هذا ليس رأي الجميع. فالسيد نجاو، وهو رجل أعمال، يقول إنه لا يرى كيف يمكن للكومنولث أن يساعده: "من الجنون أننا داخل الكومنولث - أيا كانت ماهية هذه المنظمة. لقد حاولت أن أبحث في كيفية استفادتنا نحن الكينيين من كوننا أعضاء في الكومنولث، ويبدو لي أنه يعود بالفائدة على بضعة قادة، بضعة أشخاص فحسب".

الجدل الذي أعقب وفاة الملكة في القارة إشارة واضحة على أن هناك الكثير من الجروح التي لم تندمل منذ الحقبة الاستعمارية، ويشعر كثيرون الآن بأن هذا هو الوقت المناسب لأن تجري بريطانيا وملكها الجديد محادثات صادقة مع الأفارقة حول كيفية معالجة جراح الماضي المؤلم.

هذا المحتوى من

فيديو قد يعجبك:

إعلان

إعلان