شهادات مرعبة عن معسكر عبودية سيبراني في ميانمار
نايبيداو - (بي بي سي)
سافر "رافي" إلى تايلاند وهو يحلم بحياة أفضل له ولزوجته الجديدة.
وبدلاً من ذلك، وجد الشاب السريلانكي البالغ من العمر 24 عاماً نفسه محاصراً في غابات ميانمار، حيث تعرض للتعذيب لرفضه المساعدة في خداع العُزّاب الأغنياء في عمليات تستهدف الآلاف منهم، تسمى عمليات الاحتيال الرومانسية.
ويحكي رافي قائلاً: "لقد جردوني من ملابسي وأجلسوني على كرسيّ وصعقوا ساقي بالكهرباء. اعتقدت حينها أنها نهاية حياتي".
وتابع: "قضيت 16 يوماً في زنزانة لعدم استجابتي لهم. لم يعطوني سوى الماء الممزوج بأعقاب السجائر والرماد لأشربه".
لكن هذا لم يكن أسوأ ما في الأمر، كما يقول؛ فبعد خمسة أو ستة أيام، أحضروا فتاتين واغتصبوهما بشكل جماعي أمامه.
ويقول رافي: "عندما شهدت ذلك، قلت لنفسي في خوف: ماذا سيفعل بي هؤلاء الناس؟ عندها شككت في أنهم سيسمحون لي بأن أبقى على قيد الحياة".
في أغسطس 2023، قدرت الأمم المتحدة أن أكثر من 120 ألفاً، معظمهم رجال من آسيا، أُجبروا على العمل في مراكز الاحتيال في ميانمار، مثل المركز الذي وجد رافي نفسه فيه.
وتشهد تلك المراكز تدفقا مستمرا للعمال المهاجرين الطموحين من جميع أنحاء العالم.
وتقول السلطات السريلانكية إنها رصدت ما لا يقل عن 56 من مواطنيها محاصرين في أربعة مواقع مختلفة في ميانمار، على الرغم من أن سفير سريلانكا لدى ميانمار، جاناكا باندارا، قال لبي بي سي إنه جرى إنقاذ ثمانية منهم مؤخراً بمساعدة من السلطات في ميانمار.
كان رافي أحد هؤلاء المهاجرين الطامحين، ساعياً خلف وعود بوظيفة في مجال إدخال البيانات، براتب أساسي قدره 370 ألف روبية (أي ما يقدر بـ 1200 دولار).
وقرر رافي المتخصص في مجال الكمبيوتر عدم تفويت تلك الفرصة، التي ستحقق له ادخار مال لم يكن يحلم بالحصول عليه في سريلانكا، التي تعاني أزمة اقتصادية.
وهكذا، حصل على قرض بقيمة 250 ألف روبية (أي 815 دولاراً) ليدفعها لمن جلب له الوظيفة.
وحين وصل رافي إلى بانكوك في أوائل عام 2023، أرسِل على الفور إلى مدينة ماي سوت في غرب تايلاند.
وأوضح رافي: "نقلونا إلى فندق، ولكن سرعان ما سلمونا إلى مسلحيْن اثنين، أخذونا إلى ميانمار عبر أحد الأنهار".
وانتهى الأمر بالمجموعة في مياوادي، البلدة التي كانت مركز القتال الأخير بين النظام العسكري الذي استولى على السلطة قبل ثلاث سنوات، وقوات متحالفة مناهضة للانقلاب.
ومن هناك، وجدوا أنفسهم في معسكر يديره زعماء العصابات الناطقين بالصينية، محاطين بجدران عالية وأسلاك شائكة، مع مسلحين يحرسون المدخل على مدار الساعة.
وأضاف: "كنا مرعوبين. احتُجز نحو 40 شابا وشابة قسراً في المعسكر، منهم سريلانكيون وأفراد من باكستان والهند وبنغلادش ودول أفريقية".
ورغم انتشار مراكز الاحتيال هذه في أنحاء جنوب شرق آسيا، إلا أن لها وجوداً خاصاً في ميانمار، التي توفر مليارات الدولارات لعصابات إجرامية الصينية، ولجماعات مسلحة تمارسها نشاطها في مدن حدودية.
في مركز الاحتيال هذا، كان التركيز على ما تُسمى عمليات الاحتيال الرومانسية. ومن الصعب تحديد تأثيرها على الضحايا، لكن مكتب التحقيقات الفيدرالي كشف في تقرير جرائم الإنترنت لعام 2023، أن هناك أكثر من 17.000 شكوى من عمليات الاحتيال المتعلقة بالثقة أو عمليات الاحتيال الرومانسية في الولايات المتحدة، وبلغ إجمالي الخسائر 652 مليون دولار.
ووفقاً لرافي، فقد أُجبِر هو والآخرون على العمل لمدة تصل إلى 22 ساعة يومياً، مع الحصول على يوم عطلة واحد فقط كل شهر، وطُلب منهم استهداف الرجال الأثرياء، خاصة في الدول الغربية، من خلال إقامة علاقات رومانسية باستخدام أرقام هواتف مسروقة ووسائل التواصل الاجتماعي ومنصات الرسائل.
يبدأ الأمر بالاتصال بالضحايا مباشرة، الذين يعتقدون أن الرسالة الترحيبية الأولى أرسِلت عن طريق الخطأ.
ويقول رافي إن البعض تجاهلوا تلك الرسائل، لكن العُزّاب أو أولئك الباحثين عن الجنس غالباً ما يقعون فريسة ذلك الطعم.
حينها، تُلتقط صور فاضحة لمجموعة من الشابات في المعسكر لإغراء الهدف بشكل أكبر.
وبعد تبادل مئات الرسائل في غضون أيام قليلة، كان المحتالون يحظون بثقة هؤلاء الرجال ويقنعونهم باستثمار مبالغ كبيرة من المال في منصات تداول وهمية عبر الإنترنت.
ثم تعرض التطبيقات المزيفة معلومات كاذبة عن الاستثمار والأرباح.
وأوضح رافي: "إذا قام أحدهم بتحويل 100 ألف دولار، فإننا نعيد إليه 50 ألف دولار، ونقول إن هذا نصيبه من الربح، ما يعطيه الانطباع بأن لديه الآن 150 ألف دولار، لكنه في الواقع لا يسترد سوى نصف مبلغ الأول البالغ 100 ألف دولار، ويترك النصف الآخر لنا".
عندما يأخذ المحتالون أكبر قدر ممكن من الضحايا، تختفي حسابات المراسلة ومواقع التواصل الاجتماعي.
من يقرر عصيان الأوامر أو المواجهة، كما فعل رافي، يتعرض للضرب والتعذيب.
ومع ذلك هناك طرق للخروج: إذا قررت دفع المال.
أحد الرجال الذين فعلوا ذلك هو نيل فيجاي، البالغ من العمر 21 عاماً من ولاية ماهاراشترا غربيَّ الهند، والذي تم تهريبه إلى ميانمار مع خمسة رجال هنود آخرين وسيدتين فلبينيتين في أغسطس 2022.
وقال فيجاي لبي بي سي إن أحد أصدقاء والدته منذ الطفولة وعده بوظيفة في مركز اتصال في بانكوك، مقابل دفع رسوم قدرها 150 ألف روبية هندية (1800 دولار).
وأضاف الشاب الهندي: "كان هناك العديد من الشركات التي يديرها من يتحدثون الصينية، جميعهم محتالون. لقد تم بيعنا لتلك الشركات".
وتابع: "عندما وصلنا إلى ذلك المكان، فقدتُ الأمل. ولولا أن والدتي أعطتهم الفدية، لتعرضتُ للتعذيب كالآخرين".
دفعت عائلة نيل فيجاي للعصابة 600 ألف روبية هندية (أي 7190 دولارا) لإطلاق سراحه بعد أن رفض المشاركة في عملية الاحتيال، لكن بعد أن يشهد العقوبة الوحشية التي وُقّعت على من لم يحققوا الأهداف المرجوة، أو من لا يستطيعون تحمل تكاليف دفع الفدية.
وبعد إطلاق سراحه، ساعدته السلطات التايلاندية على العودة إلى الهند، حيث اتخذت عائلته إجراءات قانونية ضد القائمين على هذا النوع من التوظيف في البلاد.
أما رافي، فقد تنقل بين العصابات خلال الأشهر الستة التي قضاها في ميانمار.
وانتهى به الأمر في الزنزانة بعد مواجهة أدت إلى العراك مع قائد الفريق.
وقال رافي: "أخبرتهم أنني لا أستطيع خداع هؤلاء الناس. وعلى الرغم من أنني لا أملك مالاً، لكنني لم أشعر برغبة في سرقة أموال إنسان آخر حصل عليها بشق الأنفس".
وأضاف: "الفكرة وحدها سببت لي معاناة نفسية كبيرة".
أخيراً، عرض "زعيم العصابة الصيني" على رافي "فرصة أخيرة" للعمل مرة أخرى، كفرصة جديدة بسبب خبرته في برامج الكمبيوتر.
ويقول حينها "لم يكن لدي خيار آخر؛ فقد كان نصف جسدي مشلولاً في ذلك الوقت".
ولمدة أربعة أشهر أخرى، تمكن رافي من إدارة حسابات فيسبوك أُعِدت باستخدام VPN وتطبيقات الذكاء الاصطناعي وكاميرات فيديو ثلاثية الأبعاد.
وفي الوقت نفسه، توسل رافي للسماح له بالذهاب إلى سريلانكا لزيارة والدته المريضة.
ووافق زعيم العصابة على إطلاق سراحه إذا دفع رافي فدية قدرها 600 ألف روبية (2000 دولار) ومبلغاً إضافياً قدره 200 ألف روبية (650 دولارا) لعبور النهر ودخول تايلاند.
فما كان من والديه إلا أن اقترضا المال المطلوب، بعد أن وضعا منزلهما قيد الرهن، وحولا إليه المال، ليعود رافي إلى مدينة "ماي سوت".
وفي المطار، واجه غرامة قدرها 20 ألف بات تايلاندي (550 دولارا)، لعدم حصوله على تأشيرة دخول، فاضطُر والدا رافي إلى الحصول على قرض إضافي.
وقال: "عندما وصلت إلى سريلانكا، كان عليّ دَين قدره 1.850.000 روبية (أي ما يعادل 6100 دولار)".
ورغم عودة رافي إلى دياره، لكنه بالكاد يرى عروسه الجديدة.
وقال في مرارة "أعمل ليل نهار في مرآب لسداد هذا الدين. ولقد رهنا خاتميْ زواجنا لسداد الفوائد".
فيديو قد يعجبك: