"التهجير" في الأحكام العُرفية بكفرالشيخ.. دوافعه ونتائجه
كفر الشيخ - إسلام عمار:
بعد حكم جلسة عُرفية بالتهجير على أسرتين من عائلة "الزويكي" وتغريمهما، مليوني و150 ألف جنيه، بإشراف الأجهزة الأمنية، في محافظة كفرالشيخ، عادت أزمة "العرفي" و"القانوني" إلى الواجهة.
وكان رب إحدى الأسرتين المحكوم عليهما
بالتهجير، قال لــ"مصراوي" إن الحكم ظالم، مستنكرًا الحكم على أفراد لم
يرتكبوا جريمة ولم يُشاركوا فيها، في الوقت الذي أصدر القضاء حكمًا على الجاني
بالفعل.
إذ جاء حكم الجلسة العرفية بعد أن قضت محكمة
جنايات كفرالشيخ "الدائرة الأولى"، برئاسة المستشار بهاء الدين المري،
رئيس المحكمة، والدائرة، قضت بمعاقبة، المتهم الرئيسي في الواقعة، المدعو
"أيمن عبدالباسط إبراهيم الزويكي"، 36 سنة، عامل، ويقيم بنفس القرية،
حضوريًا، بالأشغال الشاقة المؤبدة، لاتهامه بارتكاب واقعة قتل 3 أشخاص، والشروع في
قتل الرابع، في أحداث هذه المشاجرة.
ووقعت الجريمة يوم 11 سبتمبر 2016، بقرية محلة
أبوعلي، دائرة مركز شرطة دسوق، بوقوع مشاجرة، بين أسرتي براغيت، والزويكي،
بالأسلحة البيضاء، والشوم، والعصي، أسفرت عن مصرع كل من حسني عبده يوسف براغيت،
وحسني السيد أحمد براغيت، وإبراهيم محمد علي الدسوقي النجّار، وإصابة حسام حسني
عبده يوسف براغيت، نجل المجني عليه الأول.
"ليس لها سند قانوني مطلقًا".. هكذا بدأ مصدر قضائي، رفض نشر اسمه، وأوضح أن ما يصدر من أحكام في الجلسات العرفية، خاصة ما يتعلق بالتهجير القسري، مُدان بكل أشكاله، ومن حق الصادر ضدهم مثل هذه الأحكام أن يرفضوها.
وأضاف المصدر القضائي، أن الجلسات العرفية تجرى لتقريب وجهات النظر فقط، للصلح بين الخصوم، ونبذ الخلافات والعنف، موضحًا أن ما يصدر عنها لا يُعد أحكامًا، بل قرارات، وهي غير ملزمة أمام القضاء، ولا تستند إلى أي أساس قانوني.
وتابع "إن هذه القرارات تُنفذ بالتراضي بين طرفي النزاع، ومع ذلك فهي غير ملزمة أمام أي جهة رسمية، ومن حق الأفراد ألا يلتزمون بها"، لافتًا إلى أن التهجير القسري يُعد انتهاكًا لحقوق الإنسان.
"قرار التهجير في الأحكام العرفية، حقن للدماء ووأد للفتنة وتجنب للثأر".. هكذا قال محمد أحمد المسيري، أحد أشهر رموز التحكيم في الجلسات العرفية، بمحافظة كفرالشيخ، والمحافظات المجاورة، لـ"مصراوي".
وأكد
"المسيري" أن قرار "التهجير" في الأحكام العرفية، مفهومه
الحقيقي في الجلسات الخاصة التي يصدر من خلالها هذه الأحكام العرفية "التغريب"، فيقضى به في
قضايا "القتل" الناتجة عن مشاجرة، بين العائلات، وغالبًا ما يحدث ذلك،
في القرى، أو في قضايا "زنا المحارم"، ويكون ملزمًا على الصادر بحقه هذا
الحكم تنفيذه، خلال فترة شهر كحد أقصى، وفي حالة عدم التنفيذ، يصدر ضده عقوبة
الشرط الجزائي.
وأوضح
أن الصادر بحقه مثل هذا الحُكم يُلزم بتنفيذه، وفي حالة عدم التنفيذ، يعرض نفسه
لعقوبة مالية، تتمثل في تطبيق الشرط الجزائي، والذي يُحدد قيمته اللجنة المنتدبة،
من الجهات الأمنية، للتحكيم بين طرفي النزاع، من خلال إقراره في محضر الجلسة
العرفية، وهذا المحضر يجري إثباته في محضر شرطة، ويكون مسؤولًا أمام القانون، حسب
كلامه.
وأشار "المسيري" إلى أن حكم "التهجير" ليس تقليلًا من الصادر بحقه، لثبوت أنه المخطئ، ويستحق العقاب عن ذلك، بل إنه رحمة، ورأفة به، ووأد للثأر منه، وحقنًا للدماء بصفة عامة، ونشر للأمن، والطمأنينة، بين المتخاصمين، فرغبة الانتقام، غريزة مصاحبة للإنسان، لافتًا إلى بيع ممتلكات الصادر ضدهم الحكم، لبيعها ولا يُبخس حقهم.
بينما قال مصدر أمني بمديرية أمن كفر الشيخ،
رفض نشر اسمه، إن الجهات الأمنية، تلتزم تمامًا بما تسفر عنه الجلسات العرفية، في
المحافظة من قرارات، وخاصة القرارات المتعلقة بقضايا القتل، والمشاجرات، فأغلبها
تنتهي بالتصالح، وإنهاء الخلافات، سواء بصدور أحكام "تهجير" أو غير ذلك.
وأوضح
المصدر إنه الهدف من الجلسات العرفية يتحقق، أيًا كان الحكم، وهو الأمان
والطمأنينة، ونبذ العنف، ووأد المشاكل، والأهم أن يكون ذلك برضا الطرفين
المتخاصمين، ولهذا تكون الأجهزة الأمنية ضامنة للجلسة وأحكامها، حفاظًا على الأمن.
من الجانب القانوني، قال صبري عتمان، المحامي، إن قانون العقوبات في قضايا الدم مثل القتل، أو في ضرب أفضى إلى موت، يمنح الصلاحية، للجهاز الأمني، متمثلًا في قياداته، في المكان الذي حدثت فيه الواقعة، أن يُرحّل، القاتل، أو من له صلة به، والترحيل، معناه التغريب، وهو ما يسمى "التهجير" في الحكم العرفي.
وأكد "عتمان" أن "التهجير" يشترط أن يكون في مكان آمن، حفاظًا على حياة الصادر بحقهم، الحكم، وغرضه، حفظ الأمن، والابتعاد عن إراقة الدماء، التي تنتج من الثأر، ممن لديه حقوق لدى من صدر بحقهم الحكم العرفي، موضحًا أنه عاصر، وعمل في عدة قضايا، من هذا النوع.
ومن جانب آخر قال الدكتور عبدالسلام كمال الدين، عضو جمعية العاملين بالأمم المتحدة، إن توقيع قرار الحكم العرفي "التهجير"، لا يتعارض تمامًا، مع حقوق وواجبات، الصادر ضده هذا الحكم، ولا يعد انتهاكًا لحقوق الإنسان، بحكم إن العُرف عامل، في معظم دول العالم، وخاصة في الدول العربية.
وأكد أن القانون الدولي نفسه، يوجد به بعض الأعراف والإعلانات، التي تُعامل معاملة الاتفاقيات والمعاهدات، وعلى سبيل المثال الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، الصادر بتاريخ 10 / 12 / 1948، يوضح أن قرار الحكم العرفي "التهجير"، صادر من العُرف، والعُرف فوق القانون، وميزته عزل الجاني عن المجني عليه، وواجب تنفيذه، لأنه يحقن الدماء.
فيديو قد يعجبك: