"سوبر بايك".. حُلم بدأ بمحنة طفل من الزقازيق
الشرقية - ياسمين عزت:
فقد هذا الشاب والديه في سن صغيرة، ليجد نفسه في مواجهة ظروف عصيبة فرضت عليه تحمل المسؤولية. ورغم من حوله من أخوة يكبرونه في العمر، اختار شق طريقه بنفسه، مجتهدًا في العمل ليتمكن من الإنفاق على نفسه ومواصلة تعليمه.
"محمد مصطفى"، أو "مارو" كما يُحب أن يُنادى، ابن مدينة الزقازيق، حوّل محنة اليُتْم هذه إلى منحة، مُطلقًا مشروعًا بسيطًا لتوصيل الطلبات بدراجته الهوائية، ليُصبح فيما بعد نموذجًا للشاب المكافح الذي لا يكتفي بتحقيق ذاته، بل يسعى لتقديم العون لغيره.
في حيّ شعبي بالزقازيق، التقى "مصرواي" بالشاب "مارو" ذي الملامح الطفولية والعيون المليئة بالإصرار. يروي مارو، الذي اختار هذا الاسم لمشروعه الصغير، حكايته قائلًا: "نشأتُ في أسرة بسيطة، وعلّمني والدي منذ صغري الاعتماد على النفس والسعي لكسب الرزق. كانت كلماته بمثابة نبوءة، وكأنه كان يشعر بقرب رحيله".
يسترجع مارو لحظات الفقد الأولى، قائلاً بحسرة: "تُوُفيت والدتي وعمري ست سنوات، وعشتُ مرارة اليُتْم، لكن والدي كان لي خير سند ومعوّض. رغم صعوبة الحياة من دون أم، حرص على تقويتي وتعليمي كيف أواجه مصاعبها".
لم تمضِ سنوات قليلة حتى لحق الأب بالزوجة، ليجد مارو نفسه وحيدًا في مواجهة قسوة الحياة. "بعد وفاة والدي، أدركتُ أنني وحدي المسؤول عن نفسي، فاجتهدتُ في العمل أكثر"؛ يقول مارو، الذي لم يتردد في الالتحاق بشركة لتوصيل الطلبات، ساعيًا لتوفير دخل يغنيه عن سؤال الآخرين.
من رحم تلك التجربة، انبثقت فكرة مشروعه الخاص. يُوضح مارو: "شعرتُ أنني أريد أن أكون صاحب قراري، ففكرتُ في مشروع أستطيع إدارته بنفسي". لم يجد مارو أفضل من استغلال خبرته في توصيل الطلبات، فاستثمر دراجته الهوائية الشخصية، وأضاف إليها صندوقًا خشبيًا متواضعًا صنعه نجار بتكلفة بسيطة، ليُعلن انطلاق مشروعه الفردي "سوبر بايك" لتوصيل طلبات أهالي الزقازيق.
سرعان ما لاقت فكرة مارو استحسانًا من الأصدقاء والجيران، وامتد الإعجاب إلى العملاء الذين تعاملوا معه. شجّعه هذا النجاح على التوسع، فاستقطب عددًا من الشباب، مُنظمًا ساعات عمله من الصباح الباكر وحتى ساعات متأخرة من النهار. ويعتبر مارو أن مواسم الأعياد وشهر رمضان هي فترات الذروة لعمله، حيث يزداد الطلب على خدمات التوصيل.
لم يقف طموح مارو عند هذا الحد، فبعد نجاحه في توصيل الطلبات داخل الزقازيق، قرر أن يُحَوّل مشروعه الفردي إلى شركة صغيرة تضم مجموعة من الشباب في العشرينيات من عمرهم. يقول مارو: "هدفي ليس فقط زيادة دخلي، بل توفير فرص عمل لغيري". يعتمد كل شاب في فريق مارو على دراجته الخاصة، مع إضافة صندوق يحمل اسم "سوبر بايك"، ليُصبحوا فريقًا واحدًا يسعى لتحقيق النجاح المشترك.
"أحلم بأن أمتلك شركة توصيل كبيرة تضم العديد من الشباب الراغبين في فرصة عمل تُدرّ ربحًا دون تكلفة كبيرة وبأقل الإمكانيات"؛ يختتم مارو حديثه بعينين تملؤهما الثقة والتفاؤل، مؤكدًا أنه يواصل دراسته في الثانوية الفنية ويستعد للالتحاق بالجامعة، مُثبتًا أن الإرادة الصلبة والعزيمة الصادقة قادرة على تحويل أصعب الظروف إلى نقطة انطلاق نحو مستقبل مُشرق.
قصة مارو، الشاب اليتيم الذي حوّل دراجته إلى نبض للحياة وفرصة للأمل في الزقازيق، تُلهم الكثيرين وتُذكرنا بأن النجاح الحقيقي يكمن في تخطي الصعاب والإيمان بالقدرة على تحقيق الأحلام.
فيديو قد يعجبك: