الحقيقة وراء جبل الحلال (فيديو وصور)
كتب - سامي مجدي:
لم تكن الرحلة إلى جبل الحلال شاقة كما تصورت عندما بدأت أخطط لها قبل نحو أسبوعين، فالجبل الذي شببه البعض بجبال ''تورا بورا'' في أفغانستان. ما شاهدته على أرض الواقع يختلف عما تردد وقيل عن الجبل، فالذين قابلتهم من البدو المقيمين في المنطقة حول الجبل.
تنفي قبيلة الترابين التي يسيطر أبناءها على المنطقة الواقع في محيطها جبل الحلال، بشدة وجود أيَّا ممن يطلق عليهم ''الإرهابيين'' أو ''الخارجين على القانون''، في الجبل، ويقول مشايخ من القبيلة إن ما يتردد في وسائل الإعلام بهذا الشأن ''كذب'' و''تضليل''.
ويضيف هؤلاء المشايخ الذين التقيتهم على مدى يوم كامل قضيته في ''بطن'' جبل الحلال وفي قرية ''الغرقادة'' أقرب القرى من الجبل، إن ''الإرهاب الذي تتحدثون عنه هو من صنعة الحكومة التي تستخدم الجبل كفزاعة''.
أحد هؤلاء المشايخ يدعى الشيخ مزعم كان دليلي إلى الجبل الذي تبلغ مساحته نحو 70 كيلومتر مربع، ويمتد من الفالوجة قرب قناة السويس جنوبًا حتى يصل إلى شمال مدينة العريش، ويصل ارتفاعه أعلى نقطة فيه أكثر من 1800 متر من سطح البحر، هو أيضًا الذي ذهب إلى قوات الأمن بعد أن كثر الحديث عن أن الجبل يأوي بين جنباته وفي مغاراته مئات من ''الإرهابيين'' أو الذين يطلق عليهم ''الجهاديين''، وعرض عليهم تفتيش الجبل وإن وجدوا أحد فهذه مسؤوليته.
لم يرد الشيخ مزعم أن يفصح عما تم معه عندما قدم عرضه إلى قوات الجيش والشرطة، وعندما ألححت عليه اكتفى بابتسامة حزينة وقال ''الحكومة هي المسؤولة في الأساس عما يجري في سيناء، وما يتردد الآن سببه ما جرى من مواجهات دامية بين الأمن وقبيلة الترابين في أعقاب أحدث شرم الشيخ وطابا في 2004 و2005''، مشيرًا إلى أن هذه الأحداث وقع فيها أربعة من الترابين (أخَّان له وعمه وابن عمه).
ويشدد الشيخ مزعم، الذي جال بي على مدى أكثر من 5 ساعات في الجبل، على أنه ''لا أحد يقدر أن يمر إلى الجبل دون أن نعلم هويته وسبب مجيئه إلى هنا''، موضحًا أن خطوة الجبل تكمن في وعورة تضاريسه وكثرة الممرات والمغارات به ''حتى أنه يصعب الوصول لأي شخص يختبأ فيه حتى لو بالطائرات''.
الجبل بالفعل يصعب الولوج إليه دون دليل من أهل المنطقة يعرف مداخله ومخارجه، فالطرق كلها شبيهة ببعضها ومن السهل جدًا على أي شخص غريب أن يضل طريقه فيه. كما أن التحرك فيه لابد أن يكون بإحدى طرق ثلاثة، إما سيرًا على الأقدام وذلك متعب للغاية، أو الجمال أو الخيار الآخر وهو الأكثر انتشارًا هذه الأيام فهو استخدام سيارة دفع رباعي كالتي كانت معنا.
أما الشيخ فؤاد سلطان، وهو أيضًا من الترابين، فيؤكد أن الجبل خالي تمامًا من أي شيء، و سكان المنطقة هو المسؤولين عنه ويقول''الجبل محمي بأهله''، مضيفًا أن وزارة الداخلية هي التي صنعت هذا الجبل والآن تستخدمه كشماعة تعلق عليه فشلها، على حد قوله.
وشدد الشيخ فؤاد على أنه لم تتم الاستعانة بمشايخ القبائل والتنسيق معهم في أعقاب مقتل الجنود كان على قوات الجيش والشرطة وبدء العمليات العسكرية المسماة ''نسر''، كما أشيع، وهو يرى أنه كان يمكن استغلال العملية نسر بشكل أفضل من خلال تعيين خفراء من أهل القبيلة على جبل الحلال، فهم أدرى الناس به وبتضاريسه، مشيرًا إلى أنه بذلك تحقق الحكومة مكسبين ''خلق وظائف''، وأن يكون لها عيون في الجبل''- على حد قوله.
خلال تجولي في الجبل لاحظت وجود ما يشبه مزارع صغيرة من شجر الزيتون فسألت الشيخ مزعم عنها فأوضح لي أنهم هم الذين زرعوها على أن تروى بمياه الأمطار، مشيرًا إلى أن عملية استصلاح نصف فدان أرض في الجبل تتكلف آلاف الجنيهات من جلب معدات لتسوية التربة ناهيك عن المياه التي هي ''مشكلة المنطقة الحقيقية''، على حد قوله.
يقول الشيخ مزعم ''نحن نريد توطين البدو في الجبل وذلك لن يتم إلا بحفر آبار حتى يستقروا، ويزرع الأمن في الجبل''، ملفتًا إلى أنه لا توجد أبار في المنطقة حول الجبل والبئر الوحيد يبعد عن قرية ''الغرقادة'' نحو 30 كم، وهو محفور منذ 2002 ليغطي مساحة 30كيلو متر مربع.
الأمر نفسه أكد عليه الشيخ سلطان، وزاد عليه قائلًا ''لا وجود للدولة في حياتنا، فاكتفائنا ذاتيًا والحكومة همشتنا 30 سنة، فالقرية لا يوجد بها وحدة صحية والمدرسة الوحيدة تبعد عن القرية نحو 5 كيلو متر، وهناك مناطق تبعد عنها نحو 20 كيلو متر، كما أن القرية لا يأتيها تموين حتى المصانع القريبة مثل مصنع الإسمنت الذي يبعد عن القرية نحو 25 كم، يعمل به أبناء الوادي ومدينة العريش.
الشيء الأهم من وجهة نظر هؤلاء المشايخ هو مسألة تميلك الأراضي لهم، فلا أحد منهم يملك وثيقة يثبت بها أنه يمتلك أرضه التي ولد وتربى عليها، إلا أنهم يصرون على أنه ''لا أحد يقدر على نزعها منا''.
كما كل البدو الذين قابلتهم سواء في العريش أو رفح أو الشيخ زويد أو الجورة وهم كثر، يعتقد هؤلاء أن إسرائيل متورطة في مقتل الجنود المصريين في رفح، حيث يقول الشيخ سلطان ''بالطبع المخابرات الإسرائيلية لها يد في الموضوع لضرب العلاقة بين مصر وغزة وخلق جو متوتر بين السلطات المصرية وخاصة الجيش وبدو سيناء حتى يتهيأ لها المناخ حينما تقرر دخول سيناء فلا تجد مقاومة''.
ويقر الشيخ سلطان بأن هناك آلاف من الجهاديين منتشرين في جميع أنحاء سيناء، إلا أنه يقول إنهم لم يؤذوا أحدًا من البدو وهدفهم – كما يؤكد – هو مقاومة إسرائيل والتصدي لها حال قررت دخول سيناء مرة أخرى، مشيرًا إلى أن ''إسرائيل تحسب لهم ألف حساب فهم إن كانوا 3 أو 4 آلاف جهادي فهم يعادلون 300/400 ألف جندي إسرائيلي فالجهاديون في نظره يقاتلون من أجل الدين وهذا يجعلهم أكثر شدة''.
ويتخوف الشيخ سلطان من مسألة غلق الأنفاق بين مصر وغزة دون إيجاد بديل، فيقول ''إذا أغلقت الأنفاق فربما يجتاح سكان غزة (2 مليون نسمة) سيناء بحثًا عن الغذاء وقتها لن يجد أهل سيناء ما يأكلونه كما حدث في 2007، حيث شحت المواد الغذائية واختفى الوقود من سيناء''.
وتستخدم الأنفاق في إدخال كل شيء ممنوع دخوله إلى غرة بالطرق الشرعية عبر المنافذ الحدودية مثل رفح وكرم أبو سالم وغيرها؛ حيث تطورت عمليات التهريب لتشمل السيارات ومواد البناء والوقود. وقد أثرت الحملة العسكرية والمداهمات التي تمت للأنفاق في توقف العمل في العديد من الكسارات التي تنتج الرمال والزلط في جبل الحلال، وهي نحو 11 كسارة على امتداد الجبل، كما قال لي الشيخ مزعم.
وشاهدت سيارات النقل ومعدات التحميل وهي واقفة في أماكنها لا تعمل، وقال الشيخ مزعم ''بعد الحملة توقف الحال فالسيارات لم تكن تتوقف عن نقل الزلط والرمال إلى القطاع عبر الأنفاق''.
فيديو قد يعجبك: