إعلان

أقباط مصر : نصرتهم ''الملكية'' وظلمتهم ''الجمهورية''

01:10 م الخميس 07 نوفمبر 2013

كتب- محمد منصور:

بنفس الملامح التي ورثوها عن تربة مصر يقفون حول ''عربيات الفول'' ليتناول الإفطار، يشربون المياه عينها، يأكلون الطعام نفسه ويمشون في الأسواق، يتشاجرون ويتصالحون، يبكون ويبتسمون، تحت نفس السماء يعيشون، لا يستطيع أحد أن يفرق بينهم وبين أبناء جلدتهم على مستوى الشكل أو المضمون، فالكل ينخر السوس عظامه وتئن معدته من الجوع، يفرحون بفوز ''منتخب كرة القدم'' بالبطولات ويحزنون عند سقوط الشهداء، منذ أبد الدهر يعيشون مع إخوانهم في الوطن، أقباط مصر، نصرتهم ''الملكية'' وظلمتهم ''الجمهورية''.

محمد علي وإلغاء زي الأقباط

''محمد على'' مؤسس مصر الحديثة، نجح في الوصول إلى هدفه، سار على الدرب فاهتدى، اتبع الرجل الألباني سياسة التسامح وقضى على التفرقة بين المسلم والمسيحي ''لأن كلاهما يستطيعان أن يقدما للبلاد أحسن الخدمات''، عين أقباطا مأمورين للمحافظات، انتشرت روح التسامح في عصره، فقد ألغى الزى المفروض على الأقباط في العصور السابقة.

مشى أولاد محمد علي على دربه، فقام ''سعيد باشا'' بتطبيق الخدمة العسكرية على الأقباط وألغى الجزية وتبعه ''الخديوي إسماعيل'' في سياساته وأصدر مرسوم يبيح لمسيحيّ مصر الترشح لانتخابات مجلس الشورى ثم قام بعد ذلك بتعيين قضاة من الأقباط في المحاكم وطلب رتبة ''الباشوية'' لرجل مسيحي قدم خدمات لدولة مصر في وقتها.

''كانت مصر في هذه الفترة المبكرة تسعى للانفصال عن الدولة العثمانية فاقدم محمد علي على المساواة''، يقولها الكاتب الصحفي صلاح عيسى الذى يؤكد أن تأثر حكام مصر في ذلك الوقت بالثقافة الأوربية دفعتهم إلى إقرار قيم المساواة والعدل التي تخللت الروح المصرية في ذلك الوقت وتشبع منها جموع الشعب المصري – كما يؤكد عيسى – حتى وصلت مصر إلى بدايات القرن العشرين.

وفى العقد الأول من ذلك القرن حدثت انقسامات طائفيه انتهت بمرور الوقت. يقول عيسى ''تبلورت الفكرة الوطنية في بدايات العقد الثاني من القرن العشرين وصولا إلى ثورة19 التي صهرت الوطنية المصرية في بعضها البعض وبرزت الأفكار الليبرالية التي تقدس الإنسان ولا تفرق بين رجل وامرأه أو مسلم ومسيحي''.

قُمص على منبر

برز في ثورة 1919، أكتسب شهرته من الوقوف على منبر الجامع الأشهر في تاريخ مصر، القمص سرجيوس، يخطب في الأزهر. ''عاش الهلال مع الصليب''، شعار هتف به جميع المصلين.

وقف القبطي على المنبر ويشدو لسانه الفصيح بأعذب الخطب، فالمصاب جلل ''مصر'' والحدث ''الاحتلال الإنجليزي''. عاش طوال ثلاث أشهر مرتقيا المنابر مندداً بالإنجليز وأعوانهم في مصر، الجهاد عنوان لا يفرق بين العمائم، بيضاء أو سوداء لا يهم، فـ''مصر'' فوق الجميع.

محاولات الاغتيال جاءت من بنى دينه ''المسيحية'' ولم تأت من ابناء وطنه ''مصر'' حاول ''عسكري إنجليزي'' قتله في ميدان الأوبرا وأنقذه منها ''مواطن مصري''، وقف القمص يقول ''ومتى كنا نحن المصريون نخاف من الموت، دعوه يقتلني ليشهد العالم كيف يعتدي الإنجليز على رجال الدين''، بعد ان ضاق جنود الاحتلال به ذراعا قرروا نفيه مع صديق عمره ''الشيخ القاياتي'' إلى ''سيناء''، فأكدوا بقرارهم هذا مقولة الشعب حينها ''الدين لله والوطن للجميع''.

ويصا واصف يتحدى الملك

المظاهرات تندلع في كل مكان، العام 1930، فقد قرر الملك فؤاد إلغاء دستور 1923 وحل مجلس النواب بسبب خلافات مع ''النحاس باشا''. احتجاجات تتعالى، والشعب يهتف ''يسقط الملك''، وفي الحين الذي حُمل فيه المرشد العام للإخوان المسلمين ''حسن البنا'' على الأعناق هاتفا ''الله مع الملك''، كان شخص يتقدم صفوف النواب محاولا اختراق قوات الأمن التي تحاصر مبنى المجلس، بسيارته يتقدم، يقف كالطود أمام رئيسهم ويأمره بتحطيم السلاسل، أزعن له قائد القوات فقد تعرف عليه منذ وصوله، إنه ''ويصا واصف'' رئيس البرلمان الذى حُل بأمر الملك.

فُتحت الأبواب، دخل ويصا ومن خلفه ''النحاس باشا'' والنواب، وقام بعقد جلسة طارئه رفض فيها قرارات الملك، خرج رئيس البرلمان من مجلسه.

وفى العام 1931 وافته المنية في بيته وسط اتهامات للملك بقتله بالسم، الاف من المسلمين والاقباط التفوا حول بيته يحملون نعشه إلى مثواه الأخير وسط هتافات هادرة ''لن ننساك يا ويصا.. لن ننساك يا محطم السلاسل.. بلغ الظلم لسعد يا ويصا''. رحل القائد تاركا تاريخ ونموذج لوحدة الصف والشجاعة للأجيال التي تأتي بعده.

مادة التربية الدينية والصراع على السلطة

ثورة 1952، تغلغل الإخوان المسلمين في أنحاء الدولة المصرية، فقد ألغى الرئيس الراحل جمال عبد الناصر الأحزاب السياسية في يناير 1953 مستثنيا جماعة البنا، لم يعد ممكنا لأى قبطي الترشح في الانتخابات مادامت لا توجد أحزاب، فقرر عبد الناصر ''تعيين'' أقباط في المجلس الأول بعد إنشاء الجمهورية.

ذلك الأمر الذي يعبر عنه المؤرخ صلاح عيسى قائلا ''المشكلة الأساسية كانت إنهاء مسيرة الديموقراطية المصرية والعدول عن الفكر الليبرالي الذى كان سائدا في مصر منذ عام 1919 حتى 1952 مما دعا المواطنين المصريين للرجوع إلى الجماعات الأولى وبالتالي ساد التشرزم والفرقة وابتدينا نسمع مصطلحات من قبيل صعيدي وبحرواي ومسلم ومسيحي''.

أصطدم الإخوان مع رجال الثورة بسبب التنافس على السلطة، بدأ عبد الناصر في المزايدة على الإخوان وقرر جعل مادة الدين أساسية في مختلف مراحل التعليم وأنشأ جامعة الأزهر على غرار الجامعات العصرية وجعلها مقصورة على الطلبة المسلمين فقط.

وقام جمال الدين حسين بأسلمة برامج التعليم، وبدأت الفُرقة تدب في أوصال الجسد الواحد، أعلن ''أنور السادات'' الذى كان وقتها السكرتير العام للمجلس الإسلامي ''عام1965'' أنه في خلال 10 سنوات سوف ''يحول'' أقباط مصر إلى الإسلام أو تحويلهم إلى ماسحي أحذية وشحاذين.

إيمان الرئيس عبد الناصر بفكرة تأميم الصراع الطبقي أدى إلى تفاقم الأزمات – حسب عيسى – فإغلاق جريدة ''مصر'' التي كانت تتحدث بلسان الأقباط وكانت منبرا لهم ساهم في توجه مسيحي مصر إلى الكنيسة ''كانوا شايفين أنها الأمان بالنسبة لهم وهى اللي ممكن تعبر عنهم بعد إلغاء منابرهم وده الشيء اللي استمر من عهد عبد الناصر لحد وقتنا الحالي''.

ويؤكد عيسى على ان انتماء معظم ضباط مصر ''الأحرار'' في ذلك الوقت لجماعة الإخوان المسلمين ساهم في تفاقم الازمه ''حسين سالم وكمال الدين حسين والشافعي وخالد محى الدين كانوا منتمين للإخوان وده أثر على فكرهم ومكنش فيه ولا ضابط قبطي في الحركة والسبب مجهول، الإخوان هما اللي ابتدوا يزرعوا الفتنة وهما اللي هيحصدوها في الأخر ''.

الرئيس المسلم

توفي عبد الناصر وجاء السادات، الذي أقلقه تصاعد التيار الناصري، فقرر مواجهته الرمضاء بالنار، أطلق على نفسه ''الرئيس المؤمن'' وظهرت ''علامة الصلاة'' في مقدمة رأسه.

أرتمى السادات في أحضان التيار الإسلامي الأصولي وشجع تمويل التنظيمات الإسلامية للوقوف ضد التيارات اليسارية والناصرية ''أنا رئيس مسلم لدولة مسلمة'' أعلنها السادات صراحة، بدأت التيارات ''الإسلامية'' في نشر ثقافة التعصب والكراهية والتكفير فتوالت الأحداث الطائفية بين المسلمين والأقباط.

وقد تبنى السادات كل ما هو ديني لتحقيق أغراضه، وبدأت شكاوى الاقباط في التصاعد، أغتيال القس ''غبريال عبد المتجلي'' كاهن كنيسة التوفيقية بالمنيا كان أول الغيث، حرق الكنائس أصبح في متناول الجميع، عنف طائفي وصل للزاوية الحمراء أستمر ثلاث أيام ونجم عنها سقوط 17 قتيلا و112 جريحا، عزل السادات ''البابا شنودة الثالث'' وحدد إقامته بدير الانبا بيشوي في العام 1981.

أتت الرياح بما لا تشتهى السفن، انقلب السحر على الساحر، قررت الجماعات التكفيرية التي رعاها السادات أن تغتاله، فكان الحادث الأليم ''اغتيال السادات'' وسط قواته بمدينة نصر ''الجماعات الإسلامية معندهاش حاجه أسمها مواطنه''، يؤكد الكاتب الصحفي؛ فايدلوجية هذه الجماعات وعلى رأسها جماعة الإخوان المسلمين لا تؤمن بالتنوع في الفكر ولا في الدين ''الإخوان مثلا عندهم برامج سياسية لا تهتم سوى باتباع الديانات السماوية، يجب أن يهتموا بالمواطن والمواطنة ولا يجوز التمييز بين المصريين على اساس الجنس أو الدين أو النوع''.

مبارك والقديسين

يقف أمام رئيس مجلس الشعب ليحلف اليمين ''أقسم بالله العظيم ان أحافظ مخلصا على استقرار الوطن وسلامة اراضيه''، الرئيس السابق محمد حسنى مبارك يتولى السلطة خلفا للسادات، استمرار الفتن الطائفية كان الطابع المميز، أحداث دامية وقعت بين أقباط ومسلمي مصر، حرق كنائس وأحداث عنف استمرت على مدى 30 عاما قضاها مبارك على كرسي الحكم.

''مفيش حاجه أسمها مسلم ومسيحى'' عباره طالما تشدق بها المسئولين خلال عصر الرئيس المخلوع، انتهت أسطورة ''الهلال مع الصليب'' بتفجير كنيسة القدسيين في اليوم الأول من العام2011، فكان المخاض الذى سبق ولادة ثورة 25 يناير.

''أيد واحدة'' شعار رفعته ثورة يناير المجيدة، مشاهد من الثورة تؤكد التلاحم بين أبناء الشعب الواحد، أقباط يحمون بأجسادهم مسلمين يؤدون صلواتهم، صليب خشبي بجانب مصحف، لقيمات يقتسمها الثوار، غابت ديانة الفرد عن مشهد الثورة وبقى الوطن، رفرفت أعلام مصر عالية، 18 يوما ''مسلم ومسيحي'' في الميدان يتقابلون ويفترقون على حب مصر.

ما بعد ثورة يناير

''تهنئة الأقباط بعيدهم حرام''، بيان خرج من الهيئة الشرعية، إبان حكم الرئيس السابق محمد مرسى، يعلق عليه الكاتب الصحفي طلاح عيسى قائلا ''دي طبيعتهم، مش بيعملوا حاجة جديدة''، مسترشدا بالدستور الذى وضعته الجماعات الإسلامية والسلفية – حسب وصفه – وتم إلغاؤه مؤخرا: ''المادة 33 من الدستور بتقول المواطنون أمام القانون سواء وهم متساوون في الحقوق والواجبات العامة ولا تمييز بينهم في ذلك، على عكس المادة اللي كانت موجودة فى دستور 1971 اللي أهملوا منها عبارة بسبب الدين أو النوع أو الاصل وده بيفسر سياستهم اللي قايمة على التمييز''.

الممارسات القمعية ضد الاقباط بدأت بعد نشوء الجمهورية في مصر – حسب عيسى – الذى يؤكد أن الحل الوحيد هو ''قبول الآخر وترسيخ مفهوم الديموقراطية والحزبية والتعددية بعيداً عن الدولة الثيوقراطية''.

ما بعد 30 يونيو

بعد فض اعتصامي الإخوان المسلمين بمنطقتي رابعة العدوية وميدان النهضة، أصبح المسيحيون ''كبش فداء''، على حد تعبير التقرير الذى نشرته منظمة العفو الدولية مؤخرا.

وجاء في تقرير المنظمة الدولية أن هناك موجة من الاعتداءات غير المسبوقة وقعت على مسيحيو مصر، وقالت حسيبة حاج صحراوي، نائبة مدير قسم الشرق الأوسط وشمال إفريقيا المنظمة العفو ، إنه ''مما يثير القلق العميق أن يكون المسيحيون في مختلف أنحاء مصر هدفاً لهجمات انتقامية رداً على أحداث وقعت في القاهرة، وذلك على أيدي بعض مؤيدي الرئيس المخلوع محمد مرسي''.

وبحسب التقرير، استهدفت الاعتداءات أكثر من 200 من المنشآت المملوكة لمسيحيين، وتعرضت أكثر من 43 كنيسة للتدمير الشامل أو الجزئي، الأمر الذى يؤكد أن كلمات الإدانة الحكومية لا تكفي بل يجب أن تتبعها خطوات ملموسة تشمل حماية للأقليات الدينية وعقوبات فورية حاسمة وصارمة للمعتدين.

 

لمتابعة أهم  وأحدث الأخبار اشترك الآن في خدمة مصراوي للرسائل القصيرة.. للاشتراك ... اضغط هنا

فيديو قد يعجبك:

لا توجد نتائج

إعلان

إعلان