زعيم أهل السنة: اللجان الشرعية بديلة للقضاء.. ولماذا لا نحكم بالقرآن؟
حوار – سارة عرفة وسامي مجدي:
عندما قابلناه في المرة الأولى منذ عدة أشهر في محرابه – دار القضاء الشرعي– كانت اللجان الشرعية مقصورة على مدينتي الشيخ زويد والعريش، وفي مقابلتنا هذه تحدث الشيخ حمدين أبو فيصل، زعيم جماعة ''أهل السنة والجماعة''، عن لجان شرعية في نحو 14 محافظة على رأسها القاهرة، وأشار إلى تمدد اللجان حتى باتت تغطي سيناء شمالها وجنوبها.
وكان أبو فيصل عندما هاتفناه طالبين اللقاء، في العريش في جلسة تحكيم شرعية، انتهى منها بعد المغرب ذهبنا إليه بعدها في الشيخ زويد، استقبلنا وسط رهط من جماعته وبعض المتخاصمين بينهم فلسطيني يريدون أن ''يحتكموا إلى الشرع'' لفض نزاعهم. في الجزء الأول من هذه المقابلة التي تأتيكم على جزأين، يتحدث أبو فيصل عن ماهية اللجان الشرعية وكيف تعمل، وإلى ما تستند في مرجعيتها وموقف الدولة منها وغير ذلك من الأمور؛ فإلى نص المقابلة.
• ما تلك اللجان الشرعية التي تتحدثون عنها؟ وما آليات عملها؟
اللجان الشرعية لفض المنازعات بدأت هنا في سيناء بلجنتين فقط، تطورت بعد ذلك إلى 10 لجان أو أكثر في سيناء، ووصلت إلى محافظات الوادي مثل القاهرة - واحدة في حلوان وهناك وعودا بثلاث لجان أخرى - وبورسعيد والإسماعيلية والسويس.
واللجان ليست سلطة تنفيذية بقدر ما لها من رضا واختيار بين الناس الذين يأتون إليها غير مرغمين طلبا للتحكيم، وهم على استعداد تام بالرضا بالأحكام والالتزام بأداء الحقوق. ومرجعية عملنا الشريعة الإسلامية حيث أحكامنا لا تتصادم مع أصولها كلية كانت أم جزئية.
• ما مدى دستورية وقانونية هذه اللجان؟ وهل الدولة على علم بأمرها؟
بالنسبة لتوافق هذه اللجان مع الدستور والقانون، نحن نراهن على دستوريتها وفقا لنصوص الدستور الجديد الذي ينص على أن الشريعة الإسلامية المصدر الرئيسي للتشريع، ونحن نعمل في إطار الشريعة وقوانينها الإسلامية. أما اعتراف الدولة باللجان من عدمه فليست لدينا مشكلة في هذا الأمر، ونحن لسنا متصادمين مع الدولة في شيء، ونسير في مسار متوازِ. وعملنا يركز على تقليل ذهاب الناس إلى المحاكم أو الشرطة أو الجهات القضائية، من خلال استيعاب مشاكل الناس وحلها في إطار اجتماعي بعيدا عن القوانين والقضاء المدني وأقسام الشرطة، وهذه المشاكل قد تتفاقم من طول مدة التقاضي.
والدولة على علم باللجان الشرعية، واعتقد أن هناك كثير من القضايا ذات البعد القبلي حُولت من الجهات الرسمية خاصة مديرية أمن شمال سيناء ومكتب المخابرات. ومما لا شك فيها أن تدخلنا في القضايا مرهون بوجود عواقل وكبار القبائل المؤثرين.
• وما الفرق بين اللجان الشرعية والقضاء العرفي؟
بداية دعني أوضح أمرا، هو أن ما يحكم فيه بصفة عامة ولا يجاوزه أي قضاء في العالم ينقسم إلى ثلاثة أقسام هي: الدماء، والأموال، والأعراض. وفي سيناء تقاسمت القبائل التحكيم في هذه القضايا، فقبيلة ''بلي'' مختصة بالتحكيم في ''الدماء''، وقبيلة ''السواركة'' مختصة بالأموال، وقبيلة ''المساعيد'' مختصة بالأعراض. ولا يمكن أن تفتئت أي قبيلة على أخرى ويتم توزيع القضايا من قبل مجموعة تسمى ''زريبية''، وهي بمثابة محكمة دستورية وهي من مجموعة من كبار الشخصيات تتفق عليها القبائل.
والقضاء العرفي في سيناء به فساد ومصادمة مع الشريعة، فكل محكم يتقاضى أموالا ''فيزيتا''، وتسمى ''الرزقة''، والأحكام مخالفة للشريعة، مثلا: الشريعة تقول ''البنية على من ادعى واليمين على من أنكر''، والأمر عكس ذلك في القضاء العرفي تماما، وهذا يسبب خلال كبيرا خاصة في قضية اثبات النسب. وهناك أيضا الرشاوي والمحسوبيات.
أما في اللجان الشرعية فنحن نعود إلى أحكام الشريعة، وهذا أصل لابد منه لما له من ارتباط بالعقيدة. والمعروف أن الكنيسة تحكم أتباعها ''المسيحيين''، والتلمود المحرف يحكم أتباعه ''اليهود''؛ فكيف أذن لا يحكم القرآن الكريم أتباعه ''المسلمين؟! والفرق جوهري بين الشرعي والعرفي؛ فالأول يعود إلى الدليل أما الثاني يعود إلى ''الأهواء''.. ''الذين اتبعوا اهوائهم وظلوا السبيلا''. وأريد أن أؤكد أننا لسنا دولة ''ثيوقراطية'' – دينية – على غرار دولة الكنيسة.
• ما مرجعية تلك اللجان؟ هل هي الأزهر الشريف كمصر الدولة؟
مرجعيتنا في اللجان الشرعية الكتاب السنة بفهم السلف الصالح – الذين جاءوا في الثلاث مائة سنة الأولى من الإسلام – مصداقا لقوله صلى الله عليه وسلم: ''خير الناس قرني ثم الذين يلونه ثم الذين يلونه''، والمسألة واضحة لا خلاف عليها؛ حيث هناك دلالات الثبوت وهذه لا مشكلة فيها، والخلاف يكون في الدلالات الظنية، وفي الأخيرة يسعنا ما وسع من حملوا الإسلام لنا.
ومنهجنا مبني على الدليل – الأثر والفهم الصحيح للنصوص – ولا يجوز لنا أن نفهم الدليل بغير ما فسره السلف الصالح في الثلاث مائة سنة الأولى، أو بغير مدلول لغة العرب، وهكذا يكون هناك حرية وسعة، وأعظم شيء أن تنطلق إلى الحرية من أحكام الكتاب والسنة كما طبقها جيل النبي والصحابة بلا خلاف، والرابط بيننا وبين ذلك الجيل هو علماء المسلمين الثقاة، وليس كل من تعمم يطلق عليه عالم. فعلماء السلاطين ضع تحتهم ألف خط وخط، مثل الذين صفقوا ويصفقون لبشار الأسد وهو يذبح الأطفال، وأولئك الذين صفقوا لمبارك طيلة ثلاثين سنة ولو قعدوا 100 سنة سيصفقون له أيضا. والمسألة ليست مرتبطة بالهندام أو الشكل بقدر ما هي مرتبطة بالممارسة الحقيقية للإسلام.
• وماذا عن بقية الجماعات التي تقول إنها تنطلق من مرجعية إسلامية؟
الحكم على الجماعات هذه يكون بمدى اتباعها وتنفيذها لما جاء في الكتاب والسنة من خلال العودة إلى جيل النبي وصحابته، ومن خلالهم نفهم الإسلام. وأي جماعة لا تعود إلى هذا الجيل حتما ستنتهي ويلفظها المجتمع. والجماعات الإسلامية الموجودة حاليا تحمل الخير والشر بجانبه، وما أريد أن أنوه به هو أنه ''لايسمح لكل من هب ودب'' أن يتعاطى مع الشريعة الإسلامية واحتكار الحق لنفسه. حتى نحن كأهل السنة والجماعة حينما تكلمنا مع المرجأة والخوارج ونفاة الصفات وغيرها من الفرق الضالة تعاملنا معهم كأهل قبلة وفي حدود معينة، ولابد أن يستتاب من خرج من الإسلام وارتكب ما حرم الله، وهذه مسألة أخرى مستقرة في الشريعة ولا يجوز وضعها على الهامش كما تحاول الأنظمة العلمانية أن تفعل حتى ينفلت عقد المجتمع وتنتهي الأمة إلى مساحة من عدم احترام الدين والمقدس.
والأساس في الحكم على أي من هذه الجماعات يكون بمدى الاقتراب من الصحابة فكلما كانوا قريبين كلما اقتربوا من الحق، وكلما كانوا بعيدين ابتعدوا عن الحق وابتعد عنهم السواد الأعظم من المسلمين.
• كيف تتعامل مع نزاع أحد أطرافه مسيحي الديانة؟
أنا كقاضي شرعي أتعامل مع المشكلة كمشكلة بشكل موضوعي وليس لي علاقة بما يعتقد الطرفين، وقدوتنا في هذا النبي (ص) حينما جاءه يهودي على خلاف مع مسلم كان يؤدي الصلوات مع النبي ويجاهد ويحج ويصوم، فحكم النبي الكريم لصالح اليهودي لأن الحق كان معه. وهناك فرق بين الخلاف الدنيوي والخلاف العقائدي، وعندما يأتيني مسلم ومسيحي أو مسلم ويهودي على خلاف عقائدي أو فكري أو فيما يخص الكتب السماوية المنزلة، لايجوز هنا إلا أن تقول الحق (مع المسلم) وهذه مسألة واضحة وضوح الشمس.
لكن الخلافات التي تأتينا بين مسلمين ومسيحيين تكون إما خلافات على مال أو دماء أو أعراض وليست خلافات عقائدية أو فكرية؛ فمثلا جاء إلى اللجنة الشرعية في الشيخ زويد مسيحي على خلاف مع مسلم من قبيلتنا ''السواركة'' على قطعة أرض، وكان المسلم يريد أن يأخذ أرض المسيحي مستغلا الانفلات الأمني بعد الثورة، فما كان من المسيحي إلا أن جاء إلينا وقال: ''ياجماعة أنا راض بما تحكمون به ومستعد لتنفيذه''، وعندما وجدنا الحق مع المسيحي أنصفناه وأعدنا له حقه.
حالة أخرى كانت مع الدكتور وديع رمسيس، وهو أحد كبار المسيحيين في سيناء كلها، وكان على خلاف على قطعة أرض أيضا مع مسلمين الذين أطلقوا النار لتخويفه بل اعتدوا عليه، وعندما جاء للجنة الشرعية وقع على صك على بياض وقال: ''أكتب ياشيخ ماشئت وأنا راض بما تحكم به''. أخذنا الصك وكتبناه قبل أن يوقع وأنصفناه في النهاية وأعدنا له حقوقه أيضا.
• وماذا عن المرأة لديكم؟
(ضحك ثم قال) حقيقة المرأة في سيناء بدوية كانت أم حضرية الآن يبحث الرجل عن حقوقه معها، وأكد على ذلك، فالمرأة السيناوية تأخذ حقوقها بالكامل وتقل عن أي امرأة في العالم، وما يقال عن أننا كمجتمع سيناوي نهمش المرأة أمر غير صحيح والحقيقة عكس ذلك تماما، فهي تشارك في الانتخابات وموجودة اجتماعيا في كل الاتجاهات.
أما فيما يخص أهل السنة والجماعة ولجانها الشرعية فعملها الأساسي أن تغذي (تقدم الطعام) اللجنة والتخديم على أعضاءها، وأيضا استقبال النساء والسماع منهن ونقل تفاصيل القضايا إلى القضاة.. وكثير من القضايا تأتي نساء بها، بل إن أغلب المشاكل سببها المرأة.
في الجزء الثاني والأخير من هذه المقابلة يتحدث الشيخ حمدين أبو فيصل عن موقف ''أهل السنة والجماعة'' من الإخوان المسلمين وجماعات الإسلام السياسي الأخرى، والموقف من أنفاق التهريب بين مصر وغزة، وكذلك الموقف من معاهدة السلام بين مصر وإسرائيل.
فيديو قد يعجبك: