زعيم "أهل السنة": الإخوان تنظيم ميكافيلي.. وأنفاق غزة ضرورية لتوصيل السلاح
حوار – سارة عرفة وسامي مجدي:
في الجزء الثاني والأخير من مقابلتنا مع الشيخ حمدين أبو فيصل، الذي يبدو في عقده الرابع أو بدايات عقده الخامس، وتتدلى لحيته حتى صدره، يوضح الرجل رأيه ورأي جماعته ''أهل الكتاب والسنة''، في جماعة الإخوان المسلمين والسلطة القائمة في مصر الآن، وكذلك شعارها الشهير ''الإسلام هو الحل''، الذي قال إنه ''كُشف!''، كذلك موقفه من اتفاق كامب ديفيد ومعاهدة السلام التي وقعتها مصر مع إسرائيل منذ عشرات السنين، وكيف ينظر هو وجماعته إلى الأنفاق الواصلة بين سيناء وغزة؟.. كل هذا يوضحه أبو فيصل في سياق النص التالي:
كيف تنظر جماعتكم إلى الإخوان المسلمين والنظام القائم في مصر الآن؟
أولا جماعة الإخوان المسلمين أمر واقع تصيب وتخطئ، وفي الشأن السياسي تتعامل بميكافيلية – ''الغاية تبرر الوسيلة'' – ويعتريها ما يعتري الساسة، كما أنها بعيدة عن الالتزام بمنهج السلف الصالح والصحابة رضوان الله عليهم، وقد تؤدي السياسة بالإخوان إلى أن ينزلقوا في منزلقات عقائدية تُفسد الدين حال الاستمرار عليها. أيضا الإخوان يفتحون أبواب التعامل مع أهل الباطل كالشيعة وغيرهم من الجماعات التي أجمعت الأمة على أنها مخالفة للنبي صلى الله عليه وسلم، ومنهاجه.
والإخوان المسلمين منهجهم ''إرجائي''، بمعنى أن قضية العمل بالدين ليست هي الأصل؛ فالمهم عندهم هو قول ''لا إله إلا الله محمد رسول الله''، ولا يشترطون أكثر من النطق بالشهادتين. ووفق منهج الإخوان نجد أن من صلى وقام وصام وزكى وتصدق وحج كمن اكتفى بالشهادتين فقط. وهذا انعكس على الواقع في صورة ''الإسلام العلماني''، وتركيا خير نموذج على ذلك.
ماذا عن شعارهم ''الإسلام هو الحل''؟
(ضحك).. هذا الشعار كُشف أخيرا، واتضح أنه ليس هو الحل بالمفهوم الذي كنا ننتظره؛ حيث كنا ننتظر الوفاء بالذي أقسم عليه الدكتور محمد مرسي وهو أن ''مصر ستكون إسلامية الرايات''، إلا أننا وجدناها اقتربت من ''الشيعية'' أكثر.. والمسكوت عنه أكثر وأكثر...!! (ضحك كثيرا بتهكم).
يقال إن هناك اتفاقا بين الجهاديين في سيناء والرئاسة على التهدئة في الوقت الراهن؟
بدايةً الحديث عن اتفاقات بين الرئاسة والجهاديين في سيناء، مخالف للواقع؛ فلا توجد جماعات جهادية في سيناء بمعنى الجماعات الحقيقي، هناك فقط مجموعات على الشبكة العنكبوتية (الإنترنت) وهذه المجموعات ليس لها وجود على أرض الواقع. أنت مثلا تستطيع أن تكّون جماعة بهذا الشكل وتصبح جماعة تكفيرية أيضا. المسألة لابد أن يكون بها موضوعية، فالمعالجات التي تتم في الإعلام لقضايا سيناء، وتعليب الاتهامات لأهلها ونقل صورة أن سيناء أصبحت مثل مالي والأزواد وتورا بورا وقندهار ودولة العراق والرستن وحمص، لا صحة لها على الإطلاق.
صحيح أن هناك واقعا يحتم على كل مسلم يحب النبي ونصرة المستضعفين في الأرض أن يتعايش وبتفاعل مع قضايا المسلمين، ومعروف أن قضية المسلمين الأولى هي فلسطين والأقصى، وهي قضية حق ضائع ووطن مسلوب، وإذا لم يتفاعل المسلمون المحيطون بدولة الكيان الصهيوني مع القضية ويتعاونوا من أجل حلها فلا يمكن أن يطلق علينا أننا من أمة الإسلام.
وبما أن الفروض الشرعية ترتبط بالزمان والمكان بمعنى أنني أعيش في هذا الزمن وقدري أنني ملاصق لدولة الكيان الصهيوني، فموقفي يختلف عن موقف المسلم في اريتريا أو مالي أو في السعودية على سبيل المثال، لأن ترتيب الفرائض يكون على الأقرب فالأقرب حتى يستغرق الأمر الأمة الإسلامية كلها.
لكن مصر بينها وبين إسرائيل معاهدة سلام؟
هذه قضية التعامل معها ينقسم إلى شقين: ''رسمي ممثل في الدولة''، و''أهلي ممثل في الشعب''، وفي كثير من الأحيان يتجاوز الشعبي الرسمي وذلك حسب أهمية القضية. وكامب ديفيد غير ملزمة للمسلمين من الناحية الشرعية؛ لذلك لا يجوز للمسلم أن يسالم عدوا للمسلمين ومحاربا لهم، وللأسف الآية التي يستدل بها علماء السلاطين والأنظمة العلمانية - ''وإن جنحوا للسلم فأجنح لها'' - في غير محلها. اليهود أوقفوا القتال في جبهة سيناء وفتحوا أخرى في لبنان وقتلوا وسفكوا الدماء وأخذوا من الأراضي ما أخذوا في فلسطين. فهل هذا العدو (إسرائيل) جنح للسلم؟، بالطبع لا.
والمفاوضات مع الكيان الصهيوني يتعاطى معها التيار العلماني الذي لا يعتز لا بعقيدة ولا بدين وبالتالي عنده التضحية محدودة، وهذا أدى بنا إلى أن نكون ''كمن عطش فشرب من البحر (المالح)''.
هذه الدولة لا يجوز للمسلمين أن يسالموها بأي حال من الأحوال، لاسيما والسلام - كما يقال - سلام أبدي.. سلام دائم وشامل، والعقيدة المصرية تقول إن حرب أكتوبر 73 هي آخر الحروب، على عكس عقيدة المسلم التي تقول إن المسلم عليه أن يكون دائما تحت السلاح من أجل نصرة المستضعفين وتأسيس العدل والخير في ربوع الأرض.
وإذا كانت الدولة على المستوى الرسمي مكبلة باتفاقيات غير شرعية (كامب ديفيد)، ولنفترض التزامها بها؛ فهل يجوز لآحاد المسلمين وعامتهم الالتزام بها ويشاركوا في حصار المسلمين في غزة من أكبر قوة غاشمة في العالم اليوم. ووفق هذا المنهج إذا وجد فرد أو مجموعة – مهما أطلقت عليهم الدولة وأطلق عليهم المجتمع الدولي من مسميات – يساعدون المسلمين المحاصرين فهم مجاهدين في سبيل الله. وبقتالهم العدو الصهيوني فهم يقاتلون عدوا أجمعت الأمة على كفره ولا يجوز بأي حال من الأحوال السلام معه.
وماذا إذا وجه هؤلاء الأفراد أو الجماعات السلاح إلى الداخل (مصر)؟
أنا لا أعتقد أن هناك جماعات، ونحن لا نتكلم بلسان من يحملون السلاح، وهم يؤكدون أنهم ليسوا ضد الدولة ومؤسساتها، بل ضد الكيان الصهيوني ويقفون في وجهه. وأنا جهزت أبنائي أنه إذا دخل العدو الصهيوني سيناء ألا نبقى على وجه الأرض طالما بقى فيها، وقمة الشر والباطل أن يحارب المسلم الدولة مؤسساتها وأهلها وشعبها، وهذا فساد وإفساد ومن يعتنق هذه العقيدة فهو ليس مجاهدا.
هل أنتم كجماعة مع هدم الأنفاق بين غزة وسيناء؟
الأنفاق هذه ضرورة وجودية لقطاع غزة ولا يجوز هدمها، وهي كانت كذلك في ظل وجود الرباعية الدولية والمراقبة والنظام العلماني الدولي الذي هو مجموعة من اللصوص (هكذا تعبره)، ونحن ننظر إلى القضية على أنها قضية شعب محاصر يعد من أكثر شعوب الأرض كثافة سكانية في المتر المربع، وهم محشورون في سرداب على شريط ساحلي ومحاربين من كل جانب عربا كانوا أم عدوا (إسرائيل). ولو نظرنا غلى القضية من هذا المنطلق واعتبرناه أساسا للتعامل فإنه لايجوز أن نسكت ونحن بجوارهم على ما يُفعل بهم ويمارس ضدهم.
لكن نحن نقول أن الدولة بمسؤولياتها ومبادئها وحضارتها ودينها لابد أن توفر بديلا لهذه الأنفاق، عند ذلك - عند ذلك فقط - يمكن غلقها. وإنني أقول إن كثير مما تحتاجه غزة لا يمكن أن يمر عبر البوابات الرسمية، مثلا السلاح الذي هو ضرورة لأهل فلسطين في مواجهة العدو الصهيوني المدعوم من كل القوى الكافرة في العالم لابد أن يصل لأهل غزة، فليس من الإنصاف أن نسمنهم (نطعمهم) عبر المعابر والبوابات من أجل (طائرات) الأباتشي تقصفهم وتقتلهم. نريد أن نقدم لهم أيضا ما يردع هذه ''الأباتشي''، ورسميا لن يدخل السلاح لذا هناك حاجة إلى الانفاق، وبالمناسبة هذه قضية كان مسكوتا عنها من قبل الدولة في عهد النظام السابق وهذا نحمده له، فرغم أنه كان يحاصرهم إلا أن أنه كان يغض الطرف عن السلاح، وهذا شيء معروف؛ فسلاح غزة وصواريخها التي وصلت تل أبيب التي لم تستطع الجيوش العربية مجتمعة أن تفعلها لم يأت من إسرائيل بل جاء من مصر.
نعود إلى الوضع في سيناء ترى ما سبب الهدوء الأمني؟
هذا الهدوء الأمني في سيناء الذي يختلف بنسبة 80 في المئة عن فترة ما بعد الثورة، بمثابة ثمرة عمل اللجان الشرعية وزيادة الوعي لدى المجتمع السيناوي. هناك شيء من التكاتف والتعاون على وأد الفتن في مهدا. وسيناء لأنها مجتمع ناءٍ ليست مؤثرة سياسيا، وكونها هي البوابة الشرقية لمصر فهي أمنيا ليست متروكة لأهلها فقط يدافعون عنها بل هناك الدولة ومؤسساتها من جيش ومخابرات وخلافه.
ونحن هنا في سيناء تُركنا نُدير أنفسنا بأنفسنا وكانت نسبة النجاح في ذلك نحو 80 في المئة وهو ما سبب الاستقرار الاجتماعي الذي تراه. لكن من الناحية الأمنية الدولة لا زالت تراوح مكانها.
كيف؟
دعني أضرب لك مثلا بقسم شرطة الشيخ زويد، فالمأمور من المفترض أنه من أقرب الأشخاص من الناس في الشارع، إلا أن قسم شرطة الشيخ زويد عبارة عن ''كانتون'' داخل أربعة نطاقات – (مكتب المأمور داخل القسم المدرع المصفح المدجج بالسلاح من حوله كالقنفد، ويحيطه سور، فدبابات ومدرعات)، وهذا نموذج لعودة الأمن في سيناء في أكبر مركز فيها وبه 14 قرية مترامية الأطراف.
وأستطيع أن أقول أن المأمور لا يستطيع أن يخرج من مكتبه، حتى أنه لا يستطيع القضاء على تجارة المخدرات التي على بابه (باب القسم)، وبإمكاني إثبات ذلك. فقط اذهب إلى الشارع المواجه للقسم وستجد نقاطا كنقاط المراقبة تبيع المخدرات في حراسة الشرطة ودباباتها ومدرعاتها!!.
قصدي من هذا، أن المجتمع السيانوي بات يدير نفسه بنفسه ولا حاجة له بالدولة وهنا نموذج ناجح لإحلال الأمن من خلال اللجان الشرعية والشعبية ويمكن تعميمه في بقية أنحاء الجمهورية. (ذكر الشيخ في الجزء الأول من المقابلة أن هذه اللجان انتشرت في كثير من محافظات الجمهورية، بل وصلت العاصمة التي افتتح فيها واحدة في منطقة حلوان).
ماذا عن مشاريع التنمية التي تتحدث عنها السلطة؟
لابد هنا أن نوضح أن الاستقرار ليس معنها استقرارا أمنيا فقط، وأنا قلت وأقول أن النظام السابق - والحالي - كان يعالج كافة مشاكل سيناء معالجات أمنية، وقد تفاقمت كل هذه المشاكل وطفت على السطح بانهيار الشرطة وسقوط أمن الدولة في أعقاب الثورة. كل هذا تبعاته كانت على أهل سيناء والحمد لله قاموا بها.
وللعلم البدوي في سيناء يعيش في الصحاري وليس له مصدر رزق ثابت (وظيفة أو مشروع يدر له دخلا) إلا ما ندر، كما أن الدولة لم توفر لهم المياه حتى يحولوا الصحاري هذه إلى جنان، وهو إن باع أرضه التي لا توجد مياه لزراعتها واشترى سيارة فليس له إلا هي وكوخه، ثم تطلب منه أن يقتات هو وأولاده، وهو على حالته هذه لا تعرف الدولة عنه شيئا، وعندما يسير في طريق الجريمة ربما مرغما من أجل الحياة، سواء تجارة في المخدرات أو السلاح أو البشر، عندئذ فقط تعرفه الدولة وتترقبه وترصد مكالماته ونشاطاته وتضعه على لائحة المطلوبين، وتعتقله وتحاكمه أو لا تحاكمه ثم تودعه في غياهب السجون، وكل هذا يتكلف ملايين الجنيهات - أنا هنا لا أبرر فعله، فهو مجرم في الشريعة وفي القانون -، فلو أن الدولة استثمرت تلك ''الملايين المملينة'' وعملت على وضعها في إطار من إطارات التنمية ما أصبح لدينا هذا الكم من المجرمين، إنما الدولة اتجهت فقط إلى المعالجات الأمنية وعطلت كافة الوزارات والأجهزة إلا وزارة الداخلية فقط.
كل هذا وغيره أدى إلى ما تراه الآن هنا في سيناء، ومع ذلك تغلبنا على جميع هذه الظواهر، وعادت الناس إلى رشدها، ونطمح في أن تدخل سيناء في قطار التنمية وتعالج قضاياها ومشاكلها معالجات حقيقية ومؤسساتيه.
فيديو قد يعجبك: