تحقيق- اللجان الشرعية.. بديل القضاء في سيناء
تحقيق – سارة عرفة وسامي مجدي:
غرفة لا تتعدى مساحتها خمسة أمتار في مثلها، مفروشة على الطريقة العربية، اتخذها صاحبها مكانا لحل الخلافات والنزاعات بين الناس على أساس ما يراه ''شرعية الله''، وأسماها ''دار القضاء الشرعي'' في مدينة الشيخ زويد بشمال سيناء. يجلس الرجل وأمامه منضدة صغيرة ''طبلية'' عليها بعض الأوراق وعقود التقاضي وأقلام كثيرة وأختام تحمل أسماء مثل– حمدين أبو فيصل، قاضي شرعي – هكذا اسمه ولقبه.
البداية
تلك اللجان التي أسستها جماعات سلفية دعوية مثل جماعة ''أهل السنة والجماعة'' السلفية في سيناء، بدأت بلجنة واحدة، وصلت الآن إلى أكثر من 14 لجنة شرعية تغطي سيناء من شمالها حتى جنوبها، بل إنها امتدت حتى الإسماعيلية والسويس وبورسعيد، ومؤخرا القاهرة التي قال أبو فيصل إن هناك وعدا بتأسيس أربعة لجان في مناطق مختلفة بمدينة الألف مأذنة، أولها كان في حلوان.
يقول الشيخ حمدين أبو فيصل، الذي يبدو أنه في أواخر عقده الرابع أو بدايات الخامس، إن الرضا والاختيار أساس عمل اللجان ولجوء الناس إليها، ''فالمتخاصمين يأتون إلينا غير مرغمين وهو على أتم استعداد للقبول بأحكامنا التي لا تتصادم مع أصول الشرعية الإسلامية''
تدعي لجان لتحكيم هذه أن الشريعة الإسلامية التي تستقي تفسيراتها من ''السلف الصالح'' في الثلاثة قرون الأولى لظهور الإسلام، أساس حكمهم، وهم في هذا ينفون تماما أنهم ليسوا دولة ثيوقراطية ''دينية''، ويرون حسب ما يقول أبو فيصل أن ''العودة لأحكام الشريعة الكلية والجزئية أصل لا بد منه لارتباطه بالعقيدة''.
شبه البعض هذه اللجان بالقضاء العرفي على أساس أن كلا الأمرين يعود إلى رضا الناس وليس به نوعا من الرسمية، من هؤلاء المستشار زكريا عبد العزيز، رئيس نادي القضاة السابق، الذي قال لمصراوي إن هذه اللجان مجال عملها القضايا الاجتماعية مثل المجالس العرفية المنتشرة في القرى والريف''.
إلا أن أبو فيصل يرى أن هناك فروقا جوهرية بين اللجان الشرعية والمجالس العرفية المعروفة بـ''القضاء الفرعي''؛ حيث يقول إن القضاء العرفي في سيناء فاسد ومصادم للشريعة؛ حيث يتقاضى المحكمون أموالا ''فيزيتا'' من المتخاصمين، كما أن أحكام القضاء العرفي مخالفة للشريعة الإسلامية، وبه الكثير من الرشاوى والمحسوبيات، حسب قوله.
''الرزقة''
يعتبر البعض مثل الحاج حسن خلف، كبير مجاهدي سيناء، الذي ينتمي إلى قبيلة ''السواركة'' وهي نفس قبيلة ''أبو فيصل''، أن عدم تقاضي المحكمين في اللجان الشرعية أموالا جعل الناس تقبل عليهم؛ عكس المجالس العرفية التي يدفع فيها المتخاصمون ما يسمى بـ''الرزقة''.
ويرفض الحاج حسن هذه اللجان، ويرى أن السلفيين القائمين عليها يحكمون بشيء لا يعرفونه وكثيرا ما يجانبهم الصواب في أحكامهم؛ ''فالحكم بالشريعة يحتاج إلى علماء ثقات''، كما قال لمصراوي. نفس الأمر قاله الحاج عبد الهادي أعتيق، من قرية شيبانة بالشيخ زويد، وإن كان باختلاف بسيط.
يقول أعتيق لمصراوي ''لدي العديد من التحفظات على هذه اللجان من حيث المنهج والأشخاص، ولا ألجأ إليها في أي نزاع أو خصومة.. وأتحفظ على أبو فيصل نفسه رغم أنه من نفس قبيلتي ''السواركة''، فهو ليس لديه من العلم ما يقضي به بين الناس؛ فليس كل من أطلق لحيته وارتدى جلبابا قصيرا صار علما أمور الدين''.
"مجالس الصلح"
ويرى المستشار زكريا عبد العزيز أن هذه اللجان شبيهة أيضا بمجالس الصلح المنصوص عليها في قانون المرافعات وقانون الأحوال الشخصية، فالمادة (64) من قانون المرافعات المدنية والتجارية تنص في جزء منها على تواجد مجلس صلح يتولى التوفيق بين الخصوم، فيما عدا الدعاوي التي لا يجوز فيها الصلح والدعاوى المستعجلة ومنازعات التنفيذ والطلبات الخاصة بأوامر الأداء ويشكل مجلس الصلح المشار عليه برئاسة أحد وكلاء النائب العام''.
يقول عبد العزيز إن الدولة للأسف لم تفعل مجالس الصلح، واعتبر أن هذا خطأ كبيرا منها، وأشار أيضا إلى جلسات الصلح التي تعقدها محاكم الأحوال الشخصية للتوفيق بين الزوجين المتنازعين إعمالا لقول الحق سبحانه وتعالى في سورة النساء آية (35) ''وإن خفتم شقاق بينهما فابعثوا حكما من أهله وحكما من أهلها إن يريدا إصلاحا يوفق الله بينهما إن الله كان عليما خبيرا''.
رهان على الدستور
ورغم عدم الاعتراف الرسمي من قبل الدولة بهذه اللجان وعدم توافر نصوص دستورية وقانونية تؤيد تواجدها، إلا أن جماعة أهل السنة والجماعة تراهن على الدستور الجديد الذي ينص على أن ''الشريعة الإسلامية المصدر الرئيسي للتشريع''، على أساس أن اللجان تعمل في إطار الشريعة وقوانينها الإسلامية، حسب ما يقولون.
يعتبر حمدين أبو فيصل مسألة اعتراف الدولة بهم من عدمه أمر لا يهمهم؛ فهم – بحسب قوله – ''ليسوا في صدام مع السلطات بل إنه يسيرون في مسار متواز معها، من خلال استيعاب الناس وتقليل ذهابهم إلى الشرطة ومن ثم المحاكم والجهات القضائية الأخرى التي تطول فيها مدة التقاضي مما يفاقم من المشاكل''.
وأكد أبو فيصل أن الدولة على علم تام باللجان الشرعية، بل إنها حولت ممثلة في مديرية أمن شمال سيناء ومكتب المخابرات، الكثير من القضايا ذات البعد القبلي إلى اللجان؛ مضيفا أن تدخل اللجان الشرعية في النزاعات والمشاكل مرهون بوجود عواقل وكبار القبائل المؤثرين.
مسألة علم الدولة أكده مصدر في مديرية أمن شمال سيناء، وقال لمصراوي إن هذه اللجان ساهمت بالفعل في حل الكثير من المشاكل بجانب القضاء الفرعي ''العرفي''، موضحا أن ذلك أمرا معتادا في سيناء والمناطق الريفية.
لجوء أجهزة الأمن إلى كبار العائلات والقبائل لحل بعض المشاكل والنزاعات، أكده المستشار زكريا عبد العزيز، مشيرا إلى أن ذلك ''حكمة'' من مأموري مراكز الشرطة الذين لديهم دراية بالعادات والتقاليد في المناطق التي يعملون بها خاصة الريفية.
ورغم أن عبد العزيز رأى تصرف مأموري مراكز الشرطة أمرا جيدا، إلا أنه يعارض بشدة تدخل الدولة في هذه اللجان باي شكل من الأشكال، ويقول ''إذا دخلت فيها الدولة وحازت على الصفة الرسمية فقدت هذه اللجان قيمتها، لأن الخصوم سيشيعون حينها أن الأمر به شيئا من الإجبار، عكس عندما تأتي من الأهل أنفسهم''.
موقف الأزهر
وحول إن كانت اللجان الشرعية تأخذ من الأزهر منهاجا تسير عليه في عملها، يقول أبو فيصل إن مرجعية عمل هذه اللجان الكتاب والسنة بفهم السلف الصالح في الثلاثة قرون الأولى فقط من الإسلام، وشدد على أنه لا يجوز فهم الأمر إلا كما فهمه من عاشوا في تلك القرون أو بغير مدلول لغة العرب، حسب تعبيره.
إلا أن الشيخ أشرف سعد الأزهري، أحد علماء الأزهر الشريف، كان له رأيا مخالفا لأبو فيصل، وأكد أن فكرة اللجان الشرعية تتعارض مع الأزهر من الناحية الدينية والنظام القضائي المصري من الناحية القضائية.
وأوضح الأزهري لمصراوي أن القائمين على ما يسمى بـ''اللجان الشرعية'' غير مؤهلين من الناحية الشرعية ولم يدرسوا بطريقة صحيحة في الأزهر الشريف، مما يجعل أحكامهم غير منضبطة وملتزمة بالمنهج الأزهري المتوارث.
وقال الأزهري ''هذه الجماعات يغلب عليها النظر في الكتاب والسنة النبوية الشريفة مباشرة بلا منهج وبلا فهم وبلا علم''.
وبالنسبة لدور الأزهر المجتمعي في حل الخلافات والنزاعات، قال الشيخ الأزهري إن الأزهر فعلا يشكل لجانا تساعد في ذلك الأمر مثل لجان الوعظ والإرشاد وفروع دار الإفتاء ومجلس البحوث الإسلامية المنتشرة في مختلف المحافظات.
''إلا أن الأزهر الشريف لا يضع نفسه في أي وقت من الأوقات بديلا عن القضاء، الذي إن أراد في نفس الوقت رأيا في مسألة شرعية فإن الأزهر لا يتأخر وفي أغلب الأحيان يأخذ القاضي برأي الأزهر''، شدد الشيخ أشرف.
وأوضح أن الأزهر عليه دورا في إظهار وبيان منهج الأمة الإسلامية، ''لأنه بخروجنا عن المنهج صرنا في فوضى دينية أدت إلى ما نراه الآن''.
وفي معرض تبريره لإنشاء هذه اللجان، قال أبو فيصل إن عدم تطبيق الشريعة الإسلامية كان السبب الرئيس في نشأة اللجان الشرعية؛ إلا أن الشيخ الأزهري فند ذلك الأمر، وأكد على عدم امتلاكهم منهجا دقيقا لفهم الشريعة الإسلامية كما أن شروط الإفتاء والقضاء التي وضعها علماء أصول الفقه، لا تتوافر فيهم، حسب قوله.
كما أن المستشار زكريا عبد العزيز وإن كان مع فكرة لجان الصلح المجتمعية، إلا أنه بدا معارضا لـ''اللجان الشرعية''، وقال إن ''التدين شيء والحكم بالشريعة شيء آخر؛ فليس كل من ترك لحيته وارتدى جلبابا قصيرا ووضع السواك في فمه بات عالما بالدين والشريعة''.
فيديو قد يعجبك: