''صمود أسطوري يتحدى السجان الإسرائيلي''
غزة – (أ ش أ):
يسطر الأسرى الفلسطينيون ملاحم بطولية ويتحدى صمودهم الأسطوري السجان الإسرائيلي، وتبقى قصة القائد القسامي عبد الله البرغوثي الذى دخل اليوم يومه الأول بعد المائة في الإضراب عن الطعام بمستشفى العفولة علامة مضيئة بين عشرات القصص البطولية لأسرى الحرية بين جدران زنازين الاحتلال.
ويعد البرغوثي صاحب أعلى حكم في تاريخ الحركة الفلسطينية الأسيرة ويقضي حاليا حكما بالسجن لمدة 67 مؤبدا لاتهامه بالمسئولية عن مقتل 67 إسرائيليا في سلسلة عمليات استشهادية نفذت بين العامين 2000 و2003 إبان انتفاضة الأقصى.
والبرغوثي من بين خمسة أسرى يحملون الجنسية الأردنية يعيشون في سجون الاحتلال على الفيتامينات، منذ إعلانهم الإضراب عن الطعام في 2 مايو الماضي، احتجاجا على استمرار اعتقالهم وللمطالبة بنقلهم إلى الأردن لإكمال بقية محكومياتهم استنادا إلى اتفاقات ''وادي عربة'' بين الأردن وإسرائيل، التي تقضي بأن ينقل الأسرى الأردنيون إلى بلادهم لقضاء محكومياتهم هناك، أو إطلاق سراحهم في أي صفقة لإطلاق سراح الأسرى.
الميلاد والنشأة
ولد البرغوثي عام 1972 في الكويت، حيث كانت تقيم أسرته قبل أن تبدأ حرب الخليج التي شارك فيها ضد القوات الأمريكية ولم يكن قد أكمل الثامنة عشرة من عمره، اعتقل على أثرها لمدة شهر، وأفرج عنه بعد نهاية الحرب، وعاد إلى الأردن حيث أقامت العائلة.
وفتح محلا لميكانيكا السيارات التي كانت هوايته، وعندما لم تفلح تجربته العملية في سد الأموال التي استدانها لفتح المحل، سافر إلى كوريا الجنوبية لإكمال تعليمه الجامعي، وهناك بدأ بدراسة الأدب الكوري بعد إتقانه للغة، وانتقل إلى الهندسة الإلكترونية في مجال تصميم وتصنيع الأطباق الفضائية، دون أن يستطيع إنهاءها، وتزوج من إحدى الفتيات الكوريات، ومكث هناك خمس سنوات.
وعاد في عام 1998 إلى عمان ومعه زوجته الكورية ليواصل رحلة التجارة، قبل أن ينفصل عن زوجته لرفضها زواجه الثاني بسبب أمله في إنجاب الأطفال، وتغير مسار حياته وانحنى إلى التدين، وعمل في إحدى شركات تصنيع التلفزيونات كمهندس إلكتروني.
الطريق إلى حماس
واستطاع خلال هذه الفترة الحصول على عقد عمل مع إحدى الشركات الفلسطينية في القدس، وبذلك راح الحلم يقترب أكثر فأكثر نحو العودة للوطن، حيث استقر بقريته ''بيت ريما'' بقضاء رام الله.
ولم يكن عبد الله يحمل بطاقة هوية فلسطينية لأن عائلته كانت قد فقدت المواطنة أثناء وجودها في الكويت، ولكنه استطاع القدوم إلى فلسطين عن طريق تصريح الزيارة.
مهاراته الإبداعية في مجال تصنيع المتفجرات، لم يكن أي من المحيطين به يعلم بها وبعد طول بحث أرشده حدسه لابن عمه بلال البرغوثي -المحكوم عليه حاليا بـ16 مؤبدا- لعلاقته بالعمل العسكري، والذي تفاجأ من قدرته على تصنيع المواد المتفجرة، لينطلق مباشرة إلى مدينة نابلس لإخبار قائده في كتائب عز الدين القسام أيمن حلاوة عن براعته في صناعة المتفجرات.
وطلب بلال من ابن عمه آنذاك الانضمام لصفوف كتائب القسام، ليصبح عبد الله إضافة نوعية لحركة ''حماس''، بإنتاجه العبوات الناسفة والصواعق، إضافة إلى تأسيسه معملا خاصا للتصنيع العسكري في أحد المخازن ببلدته.
''عمليات فدائية''
ونجح عبد الله البرغوثي في تدبير عدد من العمليات الفدائية النوعية التي أثارت الرعب في قلوب الإسرائيليين، ومن بين العمليات التي شارك في التخطيط لها، ''عملية سبارو'' الاستشهادية في 9 أغسطس 2001، انتقاما لمقتل قادة حماس في نابلس جمال منصور وجمال سليم، وعملية الجامعة العبرية، ومقهى ''مومنت''، والنادي الليلي في مستوطنة ''ريشون لتسيون'' قرب تل أبيب والتي قتل فيها نحو 35 إسرائيليا وجرح 370 آخرين.
كما وجهت إليه سلطات الاحتلال تهمة إدخال عبوات ناسفة إلى شركة غاز رئيسية في مدينة القدس المحتلة، وكذلك المسؤولية عن إدخال عبوات ناسفة في من خلال سيارة مفخخة إلى محطة الغاز وتكرير البترول قرب تل أبيب وما يعرف بمحطة ''بي جليلوت''.
وأسفرت هذه العمليات عن مصرع نحو 66 إسرائيليا وإصابة أكثر من 500 آخرين. وقادت الصدفة المخابرات الإسرائيلية الى اعتقاله على غير يقين من هويته في 5 مارس 2003، عندما كان يهم بالخروج من إحدى مستشفيات رام الله، بعد أن أسرع صباحا إلى معالجة طفلته الكبرى ''تالا'' (3.5 سنة) في حينها، عندما فوجئ بالقوات الخاصة تقتحم يديه وتكبله.
ورغم أن أقصى مدة تحقيق مسموح بها قانونيا لا تتجاوز 90 يوما، إلا أن التحقيق المتواصل مع التعذيب استمر معه مدة زادت عن 5 أشهر، حيث اعتقل في مارس وخرج من التحقيق في نهاية شهر أغسطس، وفي نهاية نوفمبر من نفس العام، عقدت المحكمة العسكرية الإسرائيلية جلسة عاجلة نطقت فيها بالحكم النهائي وذلك بـ 67 مؤبدا إضافة إلى 5200 عام ، وهو أعلى حكم ضد أسير فلسطيني.
وعانى البرغوثي في السجن من وسائل تعذيب قاسية أقلها الشبح والحرمان من النوم لفترات طويلة بزنزانته الانفرادية، إلا أنه كان دائما متحليا بالصبر والصمود، وتمكن من انتزاع قرار ''محكمة العدل العليا'' القاضي برؤية ابنته ''تالا'' دون حديث، لكن جهاز ''الشاباك'' رفض تنفيذ القرار.
واعتبارا من 12 أبريل 2012 خاض إضرابا مفتوحا عن الطعام لمدة 28 يوما حتى تحقق مطلبيه المتمثلين بالخروج من العزل الانفرادي والسماح له بلقاء أسرته، حيث تمكنت زوجته وأبناؤه الثلاثة (تالا وأسامة وصفاء) من زيارته ورؤيته والاطمئنان عليه، بعد سنوات من الحرمان، دون أن يستطيعوا لمسه.
ورفضت اسرائيل اطلاق سراح البرغوثي في صفقة شاليط لتبادل الأسرى عام 2011، وتراجعت عن اطلاق سراحه بدعوى أنه ممن ''أيديهم ملطخة بالدماء''.
وكانت حركة حماس وإسرائيل قد توصلتا في 11 أكتوبر 2011 الى صفقة لتبادل الأسرى برعاية مصرية شملت الافراج عن 1027 أسيرا فلسطينيا مقابل إطلاق سراح الجندي جلعاد شاليط الذي كان محتجزا لدى الحركة منذ عام 2006.
ويقبع في سجون الاحتلال الإسرائيلي حاليا نحو 5100 أسير فلسطيني وسط ظروف غير إنسانية ومخالفة للمواثيق الدولية بينهم المئات الذين تعدوا فترة اعتقالهم ربع القرن.
''وضع صحي سيء''
ويرقد الأسير عبد الله البرغوثي في قسم الباطنة في مستشفى العفولة مكبلا بالقيود بيده اليسرى وبقدمه في سرير المستشفى، وهو مقطوع عن العالم الخارجي ويتناوب على حراسته 3 سجانين.
ووفقا لمصادر حقوقية فلسطينية فإن وضعه الصحي سيئ للغاية، بسبب إضرابه عن الطعام فهو مصاب بالهزال وضمور الكبد وانسداد بالشرايين ويعيش على المدعمات من معادن وفيتامينات وماء.
وقالت محامية وزارة الأسرى حنان الخطيب التي زارته مؤخرا في المستشفى إنه يعاني من عدم الشعور في يده اليسرى وعدم القدرة على الوقوف والمشي ويصاب بحالات دوار، وأعراض ومشاكل في الكلى والكبد وأنه يحتاج إلى غسيل للكلى إذا تواصل إضرابه عن الطعام.
وأوضحت الخطيب أن تراكم السموم بالدم دفع أطباء المستشفى إلى سحب ما بين 4-6 وحدات دم من جسده، إضافة إلى معاناته من قرحة بالمعدة وانه فقد من وزنه 30 كجم.
فيديو قد يعجبك: