الفتاة الإيزيدية تروي لمصراوي تفاصيل هروبها من "الاستعباد الجنسي" لدى داعش
حوار- محمد سعيد:
حينما تستمع إليها لا تملك سوى أن تبكي، هذا الشعور الإنساني يتملكك بمجرد أن تروي "نادية مراد" معاناة شعبها والذي يصل تعداده إلى نصف مليون شخص، هذه الفتاة الإيزيدية التي وُلدت في قرية كوجو الواقعه جنوبي سنجار العراقية، تلك المدينة التي تملّكها تنظيم الدولة الإسلامية (داعش) في 3 أغسطس من العام الماضي، وأقدم على ارتكاب فظائع بحق هذه الأقلية، فبعد تجربة أولى لهروبها من جحيم التنظيم الإرهابي والتي باءت بالفشل استطاعت أن تهرب أخيرًا. قد تزول آثار الاعتداء الجسدي عليها بفعل الزمن، ولكن يبدو أن ما تشعر به من آسى و"كسرة نفس" لن يمحوها الزمن، هذا ما عكسه نبرة صوتها وهي تتحدث.
تقول "نادية" في حوارها مع مصراوي، إن "التنظيم الإرهابي تعامله وحشي مع النساء الإيزيديات والأطفال، فهم ينظرون إليهم على أنهم كفار ويعاملونهم معاملة أقل ما يمكن وصفها به هي الوحشية، حيث كشفت كيف استطاعت أن تهرب بعد معاناة انتظرتها في المرة الأولى من محاولة هربها، مطالبة المجتمع الدولي بالتدخل فورًا لإنقاذ الشعب الإيذيدي من حملات الإبادة الجماعية"... وإلى نص الحوار:
من أي مدينة أنت؟ وكم عدد سكانها؟
أنا من قرية كوجو، الواقعة على بعد 10 جنوب مدينة شنكال (سنجار)، كان يبلغ عدد سكان قريتي 1700 شخصًا، ويبلغ عدد سكان الإيزيديين في العراق حوالي نصف مليون شخص، وأغلبهم يقطنون مناطق قضاء شنكال وقضاء شيخان.
صفِ لنا كيف استطاع تنظيم داعش أن يدخل مدينتك؟
أقدم تنظيم ما يسمى بالدولة الإسلامية على مهاجمة القضاء ذات الأغلبية الإيزيدية في الصباح المبكر ليوم 3 أغسطس 2014. حيث سيطروا على أغلب القضاء في غضون ساعات قليلة دون مقاومة فاعلة.
وأتى الهجوم من الجهة الجنوبية للقضاء وسيطروا أولًا على المجمعات والقرى الإيزيدية، من استطاع أن يهرب في الساعات الأولى هرب، ومن لم يستطع الهرب قامت عناصر الدولة الإسلامية بقتل الرجال منهم وأخذ الأطفال والنساء. لا نعرف كم قتلوا، ولكن الأرقام كانت بالآلاف (بحدود ثلاثة ألاف إلى خمسة ألاف)، تم سبي أكثر من 4 آلاف شخصًا من القرى والمجمعات الإيزيدية ما عدا كوجر التي تعرضت إلى أكبر عملية قتل جماعية وراح ضحيها جميع أفراد المجتمع.
أشرحي لنا ما قاله التنظيم حينما تم أسركم؟
عندما قاموا بحاصر قريتنا قالوا لنا إننا يجب أن ندخل الإسلام، واعطوا لنا مهلة من الزمن، قبل انتهاء المهلة أتوا إلينا مرة أخرى وقالوا لنا الدولة الإسلامية قررت أن تفك أسر من لا يريد أن يدخل الإسلام وسيتم أخذهم إلى الجبل، والذي يدخل الإسلام يمكنه البقاء.
جميع أهل القرية قالوا لن نغير عقيدتنا ونريد أن تقوموا بتحريرنا، داعش خدعتنا، ولم يفكوا أسرنا، بل فصلوا الرجال والأطفال الذكور وقاموا بقتلهم، أما نحن النساء فقالوا لنا أنتم غنيمة الحرب وسيتم سبيكم واستعبادكم.
كم عدد من تم أسرهم بالتحديد؟ وهل هم من النساء فقط؟
تم أسر أكثر من 5800 امراة وطفل إيزيدي من الثالث من أغسطس إلى الخامس عشر من أغسطس 2014، أما أغلب الرجال وعددهم عدة آلاف فتم قتلهم على الفور. وهناك أكثر من 3400 امراة وطفل إيزيدي تحت الأسر.
صفِ لنا تعامل التنظيم معك؟ وهل هم فعلًا يؤدون طقوس دينية تدل على الإسلام؟
التنظيم تعامله وحشي مع النساء الإيزيديات والأطفال، فهم كان ينظرون لنا ككفار ويعاملوننا معاملة أقل ما يمكن وصفها به هي الوحشية وأقصى درجات اللانسانية، تعاملهم معنا كمعاملة السيد مع العبد، حيث كان يستغلوننا ويستخدموننا بالشكل الذي وجدوه صحيحًا. كيف تتخيل تعاملهم وهم قاموا بقتل إخواننا وأبائنا أمام أعيننا، وقاموا ببيعنا بين مجاميعهم والتعدي على روحنا وجسدنا كل يوم.
بالنسبة للطقوس الدينية، نعم لديهم إيمان راسخ بأنهم يطبقون الشريعة الإسلامية، هم يعتقدون بأن العالم جميعه يجب أن يكون مسلمًا، وأن نسختهم من الشريعة يجب أن تطبق، إنهم يصلون كثيرًا ويرددون الأناشيد الدينية والحماسية. ولكن تدينهم ليس تدينًا روحياً، هما يعبرون نفسهم وكلاء الله، هم يريدون الشهادة ليحصلوا على الجواري من أجل الجنس، وليس الاقتراب من الله من أجل روحانية الله. إنهم بالفعل تم غسل دماغهم بتفسير معين للدين والقرآن.
كيف هربتي من التنظيم؟ وكم عدد الأسيرات اللاتي استطعن الهروب وكم تبقى لدى التنظيم من اسيرات؟
هروبي لم يكن سهلًا، ليس هناك هروب سهل من التنظيم، فأغلب الإيزيديات الذين يحاولون الهرب يتم الإمساك بهن وتعذيبهم واغتصابهم بشكل وحشي عقابًا لمحاولة الهروب. أنا هربت في المحاولة الثانية وبقدرة الخالق ومساعدة عائلة في داخل الموصل، المحاولة الأولى فشلت وتم وضعي في غرفة لحراس مقر الدولة الإسلامية وتم التعدي على جسديا من قبل ستة حراس لليلة كاملة حتى فقدت الوعي.
قولت أمام مجلس الأمن أنك تعرضتي لإيذاء جسدي شديد، ما تبرير التنظيم ما فعله في الأسيرات من إيذاء؟
التنظيم يقول بإن الإيزيديين هم كفار ويجب قتل الرجال منهم وسبي النساء والأطفال واغتنام الأموال، وأن النساء يجب أن يستخدمن في لهو لعناصر التنظيم، وأن "الشريعة" تعطي لهم الحق في ذلك، هم يعتبرون أن "الكافرة" حقها هو "الاستعباد الجنسي".
في رأيك، ما سبب تمدد داعش في العراق والمنطقة بشكل عام؟
لدى داعش فكر عقائدي جذب مئات الآلاف من الشباب والشيوخ الذين يدعموهم عالمياً، بينهم من أصحاب الشهادات من الأطباء والمهندسين والتقنيين، لديهم آلة إعلامية ومجهزة بالسلاح بشكل كبير، يتدفق المقاتلون الأجانب باستمرار ويلقون تدريبا محترفا. داعش تغسل الأدمغة وتستخدم الدين في ذلك، حتى أهالي المدن التي تسيطر عليها داعش، مئات الألاف، إن لم أقل الملايين منهم يؤيديون وجود داعش وتطبيقهم لهذه النسخة من "الشريعة"، الدعم الشعبي لداعش كان قويا في بداية الأمر ولكن ربما خف من الزمن.
من المسؤول في رأيك عن تمدد داعش؟
الفكر المتطرف هو المسؤول الأول ومن ينمي هذا الفكر في الجوامع والواجهات الإعلامية. الفكر المتطرف مع الأسف شائع في العالم ويتم تغذيته بشكل مستمر بأموال طائلة ومؤسسات دينية كبيرة، هذا الفكر المتطرف يغسل عقول الناس ويخلع منهم الروح البشرية ليصبحوا كالهمج يقتلون ويهتكون اعراض الناس. المسؤول الثاني هو السياسة والفراغ السياسي الذي اعطى للمتطرفين فرصة حتى ينمو بشكل سريع، انا لست سياسية، انا ضحية وما أعرفه أن الذي يحدث ضدي وضد الإيزيديين والإيزيديات شيء لا يقبله الضمير الإنساني.
جمعك لقاء مع وزير الخارجية الأمريكي جون كيري، ما الذي دار بينكما؟
تحدثت للوزير كيري عن قصتي وعن عائلتي وعن مجتمعي الذي تشرد بفعل الإرهاب، قال لي إنه سمع صرختي وكانت مؤثرة وستساعده في المفاوضات مع الدول الأخرى للقضاء على داعش. كان السيد كيري متأثرًا بقصتي وقال سنعمل، ولكن لم يعدني بشيء.
حديثك أمام مجلس الأمن جعل العالم ينتفض، كيف كانت رسائلك في الغرف المغلقة للمثلي دول مجلس الأمن؟
الرسالة هي ذاتها، ما حدث لي وما حدث لمجتمع من نصف مليون شخص في القرن الحادي والعشرين، وما يحدث للمرأة والأطفال من الاغتصاب والتعذيب شيء غير مقبول ويجب أن يتوقف حالا، رسالتي واضحة ومطالبي كضحية ومطالب الإيزيديين كمجتمع تعرض إلى إبادة جماعية أمام مرأة ومسمع العالم واضحة.
طالبت بتحرير المختطفات والأطفال، تحرير قريتي التي لا تزال تحت يد داعش، الإقرار بأن ما حدث للإيزييدين هي إبادة جماعية لإنها بالفعل إبادة جماعية، فتح أبواب العالم لشعبي المشرد الذي فقد كل ما يملك، إنهاء داعش نهاية أبدية، تغير اللغة الدينية في العالم حتى لا يكون هناك تطرف حتى تعيش جميع شعوب العالم بسلام.
كيف ترى تعامل المجتمع الدولي مع التنظيم ؟
التعامل بطيء و16 شهرا قد مرت على ابادتنا والتنظيم لا يزال يسيطر على اغلب المناطق التي سيطر عليها، وهم (أعضاء داعش) لا يزالوا يهتكون شرف الايزيديات وشرف الإنسانية كل يوم، الجهود الدولية لا تكفي ولو كانت هذه الجهود كافية لما كان التنظيم موجودا حتى اليوم.
طالبتي في مجلس الأمن المجتمع الدولي بدحر داعش، هل ترى أن ذلك حُلم سهل المنال؟
أنا أؤمن أن الله أولًا، ومن ثم الضمير البشري، لن يسكت على الجرائم التي ترتكب بحقنا وبحق الجميع. وهذا الحلم يجب أن يتحقق لأن داعش وضعت معنى الإنسانية ذاتها في خطر.
وجهي كلمة الشعب الإيزيدي؟ وكلمة للعالم العربي؟ وكلمة أخرى للمجتمع الدولي؟
هنا أقول لجميع الإيزيديين في العالم، أن الإبادات لا تنهي الشعوب والمجتمعات، وإنما تعطي لها الطاقة لكي تثبت نفسها، أقول لهم تحملوا فنادية مراد لن تسكت عن حقكم، أقول لهم ساكون صوت وجعكم في كل مكان من العالم حتى يتحرك الضمير الإنساني وينصف العالم مجتمعي المضطهد، حتى يعترف العالم بأن ما تعرض له الإيزيديين هي إبادة جماعية ويلتزم المجتمع الدولي على إيجاد الحلول لتحرير المختطفات والأطفال وإنهاء هذه الإبادة التي تستمر إلى اليوم.
لماذا قررتي زيارة مصر؟
الدول الإسلامية هي الأولى بمحاربة الإرهاب، فمصر بلد له التاريخ، وهو مركز من مراكز الفكر الإنساني والإسلامي على حدٍ سواء.
ماذا قال لكي الرئيس السيسي خلال اللقاء الذي جمعكما؟
الرئيس السيسي أدان بشكل قاطع كافة أشكال وصور الإرهاب والممارسات الآثمة التي يقوم بها تنظيم "الدولة الإسلامية" الإرهابي باسم الدين الإسلامي، وأكد وقوف مصر إلى جانب الشعب العراقي وتقديم كافة أشكال الدعم له.
بعد إطلاق سراحك، ماذا تشعرين الآن؟
أشهر إنني أعيش، لا لكي أعيش انا، ولكن لكي أعيد الحياة لمجتمع كامل يعاني، لم أعد أفكر بنفسي، أو لنفسي، كل يوم أفكر كيف نحرر الباقين، وكيف أنقذ أهلي من إبادة جماعية دمرت نسيج مجتمعتي وحولتنا من مجتمع سعيد وبسيط إلى مجتمع مُشرد، يستعبد، يقتل، ويجبر على ترك بيته وعلى ترك دينه.
فيديو قد يعجبك: