إعلان

المنيا.. "عروس الصعيد" على جمر "الفتنة الطائفية" - (تقرير)

11:05 م الإثنين 18 يوليه 2016

المنيا.. "عروس الصعيد" على جمر "الفتنة الطائفية" -

تقرير - مصطفى ياقوت:

باتت محافظة المنيا، مسرحًا للعديد من النزاعات الطائفية، بين مسلمي قراها ومسيحييها، في السنوات الأخيرة، فيما خضبت دماء 116 قتيل والمئات من الجرحى، أراضي المحافظة، في الفترة من من يناير 2011 وحتى منتصف 2015، وفقًا لدراسة نشرتها المبادرة المصرية للحقوق الشخصية بعنوان "في عُرف من؟".

أحداث عدة، مرت على عروس الصعيد، وحفرت في ذاكرتها تاريخًا طويلًا من العصبيات، التي طرحت تساؤلات حول دور الدولة وحكوماتها المتعاقبة في احتواء تلك الأزمات، واختصاص المنيا، بنصيب الأسد منها، والتي شهدت أمس الأحد آخر وقائعها، بتعدي أسر مسلمة بقرية طهنا الجبل، على عائلة اثنين من رجال الدين المسيحي بالعصي والهروات والأسلحة البيضاء، ما أسفر عن وفاة شاب وإصابة 3 آخرين، وفق بيان صادر عن الأنبا مكاريوس أسقف المحافظة.

الباحث ومسئول ملف حرية الدين والمعتقد في المبادرة المصرية للحقوق الشخصية، إسحاق إبراهيم، يرى أن طبيعة سكان المنيا الاجتماعية والاقتصادية، تمثل عاملًا مهمًا في تصاعد وتيرة العنف الطائفي، حيث تعد المنيا من أفقر محافظات الصعيد على الصعيد الاقتصادي، وهو ما دفع العمالة الحرفية للجوء لدول الخليج، ومن ثم العودة بأفكار ومعتقدات مغايرة.

يؤكد إبراهيم، أن دور الجماعات الإسلامية المتشددة، والتي خرج أغلب كوادرها، من رحم عروس الصعيد، كان لهم دورًا كذلك في تضاؤل مساحة التعايش المشترك بين المسلمين والمسيحيين.

ويعد الشيخ إبراهيم زكريا، أحد رموز الدعوة السلفية، والدكتور طارق السهري، وكيل مجلس الشورى في عهد الإخوان، ومحمد طلعت، عضو مجلس الشعب المنحل، أبرز القيادات السلفية بالمنيا.

وانتقد الباحث المتخصص في ملف الحريات، تعامل الدولة مع أحداث العنف الطائفي، مؤكدًا أن الدولة تبعث برسالة للمواطنين تفيد بوجود مواطنين VIP وآخرين مستباحين، واصفًا دور الدولة بالمتواطئ والغير دستوري، خاصة فيما وصفه بمساعدة المتورطين في تلك الأحداث، وتسهيل هروبهم من المسئولية من خلال الجلسات العرفية، حسب قوله.

وشهدت قرية الكرم بمحافظة المنيا، مايو الماضي، واقعة تجريد مسنة قبطية من ملابسها على أيدي عدد من مسلمي القرية، ما دفع الرئيس عبد الفتاح السيسي، لإصدار بيانًا دعا فيه كافة الأجهزة المعنية بالدولة لاتخاذ ما يلزم من إجراءات لحفظ النظام العام وحماية الأرواح والممتلكات فى إطار سيادة القانون، ومحاسبة المتسببين في هذه الأحداث وإحالتهم للسلطات القضائية المختصة.

وأضاف البيان أن "هذه الوقائع المثيرة للأسف لا تُعبر بأي حال من الأحوال عن طبائع وتقاليد الشعب المصري العريقة، والذي أسس الحضارة البشرية وحارب من أجل نشر السلام".

"على الدولة أن تغير رسالتها المقدمة للمواطنين، من خلال معاقبة المخطئ، وأن توضح للجميع أن مراجعة تراخيص دور العبادة ليس من حق المواطنين" يقول إسحاق، والذي أشار إلى ترسيخ التعامل الأمني للتعصب، بتأكيدها الدائم على أن اعتداء مسلمين على منازل أقباط ما هو إلا "شائعات" إعلامية، والتشديد على أن الأمور على ما يرام، حتى وإن كان الوضع غير ذلك، فالجلسات العرفية دائمًا ما تضيع حق المجني عليه، والذي تدفعه الدولة نحو التنازل عن حقوقه لاحتواء الأزمة، ولو شكليًا، وفق قوله.

يختلف معه في الرأي، الخبير الأمني ومساعد وزير الداخلية الأسبق، مجدي بسيوني، والذي يرى أن جلسات الصلح، هي الحل الأمثل لاحتواء الأزمات الطائفية، خاصة في محافظات الصعيد.

في الوقت الذي طالب اللواء السيد جاد الحق، مساعد وزير الداخلية للأمن العام، رجال الداخلية أثناء حضوره الاحتفال بتخريج الفرقة التأهيلية لضباط البحث الجنائي رقم 139؛ أبريل الماضي، تفعيل دور لجان المصالحات للخصومات الثأرية لإنهائها والاهتمام بتنفيذ الأحكام.

"بسيوني" الذي قضى فترة كبيرة من عمله في إحدى محافظات الصعيد، ضرب المثل بـ"لجان المصالحات"، وهي اللجان التي أقامتها وزارة الداخلية في تسعينات القرن الماضي، للتعامل مع الأزمات المشابهة، مطالبًا بإعادتها مرة أخرى، على أن يكون تشكيلها من رجال دين معتدلين، بالإضافة لرؤوس العائلات والقبائل.

يؤكد بسيوني، أن لدى لأقباط شعور راسخ بكونهم أقلية، طغى على أهالي الصعيد في العهود السابقة وجعلهم يستعينون بما يعرف بـ"البدوي"، يعرف مساعد وزير الداخلية الأسبق، والذي شغل من قبل منصب رئيس مباحث سوهاج، مصطلح "البدوي"، وهو المسلم الذي يلجأ إليه أقباط قرى الصعيد لحل نزاعاتهم مع مسلمي القرية، لكونه أحد أكبر مشايخ العائلات المسلمة.

الأنبا مكاريوس، أسقف المنيا، انتقد تصريحات اللواء طارق نصر، محافظ المنيا، عقب واقعة سيدة الكرم، مطالبًا إياه –في تصريحات تليفزيونية- أن يقبل بشفافية، وبنبل ما ستسفر عنه التحقيقات، مؤكدًا أن "نصر" يستبق التحقيقات بتصريحاته التي نفت الواقعة من الأساس.

"رجال الدين، هم الأكثر تأثيرًا على أهالي الصعيد"، يقولها بسيوني، ملقيًا باللوم على الدولة في التعامل مع كل من يتشدد في الرأي من السلفيين، ومن يعتلون المنابر دون وجه حق، لافتًا إلى أن على مراكز الشباب والمنظمات المدنية دورًا هامًا في توعية المواطنين بما لهم وما عليهم، مختصًا بالذكر محافظات الصعيد.

ويؤكد "بسيوني" على أن التدخل الأمني يجب أن يبقى "الكارت الأخير" في حل تلك النزاعات، حيث أن تدخل أجهزة الأمن الوطني وقيادات الداخلية قد يزيد الأمور سوءًا، حال افتقد للحذر والدراسة المتأنية، مضيفًا "أنه على الأجهزة الأمنية أن تعي أن معظم النار من مستصغر الشرر، وأن دورها هو احتواء الأزمة قبيل اشتعالها لا انتظار الكارثة ثم التدخل، يقول بسيوني.

يرى المفكر القبطي، كمال زاخر، في الجلسات العرفية، "عقود إذعان" تجبر المُعتدى عليه بقبول الصلح، تحت ضغط أمني، مؤكدًا أنها السبب الرئيسي في تصاعد وتيرة تلك الأحداث، منذ أحداث الخانكة عام 1972.

"بلد الجن والملائكة" كما يسميها زاخر، تعاني من التناقضات العديدة، حيث تضم المنيا تعداد قبطي هائل، في الوقت الذي تعد موردًا أساسيًا للرموز المتشددة، منتقدًا ما وصفه بتقصير القائمين على المحافظة، غير المبرر، في التعامل مع تلك الوقائع.

ويشير زاخر، إلى وجود بُعد سياسي، وراء تكرار تلك الحوادث في فترة زمنية متقاربة، يهدف إلى النيل من صورة الرئيس عبد الفتاح السيسي، موضحًا أن دعم الأقباط للسيسي في ثورة 30 يونيو، بعد شعورهم بالتهديد من قبل نظام جماعة الإخوان المسلمين، فتح الباب أمام الموتورين لاستهداف العلاقة الجيدة بين الرئيس والأقباط، عن طريق تسارع الأحداث الطائفية، وفق رأيه.

يستند زاخر في رأيه، لكون الرئيس عبد الفتاح السيسي أول رئيس مصري يشهد قداس عيد الميلاد المجيد، العام الماضي، ويلقي كلمة تهنئة لأقباط مصر من جوار البابا تواضروس الثاني، بابا الإسكندرية وبطريرك الكرازة المرقسية.

النائب البرلماني عن مركز المنيا، عثمان المنتصر، يشدد على أن تصاعد وتيرة تلك الأحداث، أمر جديد على المجتمع المنياوي، محملًا المسئولية لـ"أيادِ خفية"، تعبث بمقدرات الوطن، مؤكدًا أن نواب المحافظة سيسارعون بعقد اجتماعًا عاجلًا لاتخاذ خطوات ناجزة بهذا الصدد.

فيما يرى كمال زاخر المفكر والباحث القبطي، أن الحلول تقتصر على المعالجة المدنية، وإعمال القانون، وملاحقة المتورطين بدءًا من التخطيط حتى التنفيذ، وكذا بتر الجذور التي تبث الكراهية، ومواجهة الاختراق الطائفي الذي ضرب المؤسسة الإدارية منذ 60 عامًا.

يشفق النائب البرلماني، على دور الأمن في التعامل مع حوادث العنف الطائفي، "الله يكون في عونهم"، يقولها المنتصر، مشيدًا بجلسات الصلح العرفي، والتي يرى أن نسب نجاحها في حل الأزمات "حسب توفيق ربنا".

ودعا المنتصر، علماء الدين، بالقيام بدورهم المنوط في تثقيف المواطنين، ودعم التحرك الدولي لمواجهة تلك الأفعال، التي وصفها بالـ"غريبة".

فيديو قد يعجبك:

إعلان

إعلان