"حياة آيلة للسقوط".. مصرواي يرصد مخاوف سكان 8 بيوت مهددة بالانهيار
كتب – مها صلاح الدين وبيتر منير:
تصوير - احمد جرانة:
"الحياة تحت التهديد الدائم".. هكذا تعيش مئات آلاف الأسر في مصر، في خوف دائم من انهيار 300 ألف منزل آيل للسقوط، وفق إحصائيات جهاز التفتيش الفني التابع لوزارة الإسكان.
"مصراوي" عايش يوما من أيام الخوف المستديم في حياة سكان 8 منازل مهددة بالانهيار في منطقتي عرب الحصن والتل بالمطرية، ورصد محاولات الأهالي للإبقاء على 4 جدران، ليس لهم بديلا عنها.
البيت الأول
رغم تحفظها في البداية الذي بررته بمكوثها بالمنزل وحدها برفقة طفلتيها، إلا أن "زينب" سرعان ما عدلت عن رأيها، وانتهزت الفرصة، لتفرغ ما بداخلها من شكوى من منزلها المكون من 3 طوابق بـ"خرطة أبو ساطل"، بعدما ملأت الشقوق الحوائط، وانتشرت المياه في أرضيته.
انتقلت زينب وعائلتها إلى هذا المنزل منذ 5 سنوات، ترددوا فيها على حى "المطرية" للإبلاغ عن شكواهم، ليكون الرد أن "الأرض مريحة"، وهو ما يجعل المنزل مهددا بالانهيار في أي لحظة، دون اتخاذ أي إجراء.
ووفقا للمواد 90 و 91 من قانون البناء المصري، في هذه الحالة تشكل لجنة مختصة تقوم بمعاينة وفحص المباني والمنشآت، وتقرير ما يلزم اتخاذه للمحافظة على الأرواح وما إذا كانت تستوجب إخلاء المبنى مؤقتاً أو الهدم الجزئي أو الكلي.
"زينب" اشتكينا لحي "المطرية" فقالوا: "الأرض مريحة" والمنزل مهدد بالانهيار ولم يتخذوا أي إجراء
ومن ثم تصدر قراراتها في ذلك، متضمنة المدة اللازمة لتنفيذ الأعمال المطلوبة، وتعتمد القرارات من المحافظ المختص أو من ينيبه خلال أسبوع على الأكثر من تاريخ استلام تقرير اللجنة. إلا أن هذا لم يحدث.
البيت الثاني
استقبلنا "صادق رشاد" في مدخل عقاره الضيق مستطيل الشكل، واصطحبنا وسط الظلام ليرينا سقف شقته المتساقط، والذي اضطره إلى بناء حائط يزيد من ضيق الشقة كي يستند عليه السقف، خوفا من انهيار منزل يأوي ثلاث أسر، غادرته إحداها هربا من اتساع شقوق الحوائط التي تنبئ بقرب انهياره.
"الصرف الصحي لم يدخل المنطقة"، قالها الرجل، مضيفا: نعتمد على "الخزانات" التي أصابتنا المرض، وأدت لتكوم المياه تحت أرضية المنزل، ليتم نزحها كل 3 أيام مقابل مائة جنيه، في كل مرة.
تتهاوى دهانات حوائط الأدوار العليا لمنزل "صادق" باللمس، وتتسع الشقوق بين أركان الحجرات لتكشف عما بداخلها، وهو ما جعل قاطني المنزل لا يرجون من الدنيا، سوى ماسورة صرف صحي تقي منزلهم من الانهيار.
ويرجع مصدر مسؤول بوزارة التنمية المحلية –طلب عدم نشر اسمه– تقاعس الأحياء عن إصدار قرارات الهدم، إلى توقيع السكان إقرارات على أنفسهم، بمسؤوليهم عن عدم تنفيذ القرارات في حال صدورها، خوفا من عدم وجود مأوى آخر.
بينما أقر رئيس حي المطرية السابق، جلال مبارك، بأن منطقة "عرب الحصن" والمناطق المجاورة لها، تحوي أكثر المنازل الآيلة للسقوط، لكونها منطقة أثرية يصعب توصيل المرافق بداخلها.
البيت الثالث
"خايفة البيت يقع بينا واحنا نايمين".. قالتها روان، صاحبة العشرة أعوام بنبرة جادة، تخالف مشاهد اللهو على سلالم منزلهم مع أبناء عمومتها الـ 10، فيما تحاوطهم مياه "الطرانش" الذي تهم نساء المنزل في التخلص منها، بسبب تأخر العامل عنهم.
"روان" -10 سنوات-: "خايفة البيت يقع بينا واحنا نايمين".. و"سيدة" منزلها انهار جزئيا "ولسة عايشة فيه"
تسابق الصغار العشرة في إبداء أسباب خوفهم، متحدثين عن الروائح الكريهة تارة، والهلع من انهيار المنزل تارة أخرى، والتقطت زوجة عمهم الحديث مسرعة، قائلة: "بالله عليكم شوفوا لنا حل في الصرف الصحي، واحنا بعدها هنصلح البيت، بس متقولولناش سيبوه".
لا تستطيع الأحياء حصر المبان الآيلة للسقوط في محيطها، إلا عبر بلاغات المتضررين، وهذا لا يحدث، وفقا لـ خالد عبدالحليم أستاذ السياسات العمرانية بالجامعة الأمريكية، ومدير مرصد وزارة التنمية المحلية السابق، فقرارات الترميم أو الهدم لا تصدر إلا عبر إخطار ومخاطبة ملاك العقارات، إلا أن أغلب العقارات القديمة ملكيتها مشتتة، ناهيك عن عدم اتفاق الملاك مع المستأجرين، ما يعيق سرعة تنفيذ قرارات الإزالة، وأرجع ذلك إلى عدم وعي الدولة وبيروقراطية القانون.
البيت الرابع
"أنا مش خايفة غير إن البيت يقع عليا وأنا نايمة".. قالتها الحاجة نادرة محمد السيدة السبعينية غير مبالية، تطهو الطعام على موقد مقابل حائط يتسلل من بين خطوطه ضوء الظهيرة بغير استحياء، لينذر بانهيار ما تبقى من المنزل المكون من طابق واحد، بعد أن انهارت أولى غرفاته في غياب صاحبته، أثناء سفرتها لبلاد الحجاز لأداء العمرة، بعد وفاة زوجها قبل 5 سنوات.
لا تستطع "الحاجة نادرة" أن تتذكر كم عقد من عمرها قضته في ذلك المنزل، ربما خمسة، بينما يشغلها خوفها على أبنائها الثلاثة وأطفالهم، الذين يعيشون في غرف المنزل الثلاثة.
لا يعتمد رئيس جهاز التفتيش بوزارة الإسكان عبد المنعم صالح، لفظ عقارات آيلة للسقوط، بل يعتبرها عقارات تحتاج إلى صيانة، عبر "الترميم أو الهدم"، بينما يرى أن حالات انهيارات العقارات في زمننا هذا تعد نادرة، وليست يومية كما يحدث في الماضي.
ولهذا قام "مصرواي" بحصر حوادث انهيارات العقارات بشهر مارس الجاري، لنجد أن هناك حادث انهيار عقار بشكل شبه يومي، في مناطق مختلفة من الجمهورية، كما هو مبين في التسلسل الزمني التالي
ووفقا لدفتر احول (مركز بحثي للأرشفة والتوثيق) فان هناك 661 حادث إنهيار عقار في مصر، عبر 181 دائرة قسم شرطة مختلفة بينهم 214 إنهيار كلي و447 جزئي خلال أعوام 2014 – 2016.
وبلغت الخسائر البشرية من 2014 حتى 2016 وفق للتقرير فان هناك 304 حالة وفاة (200 ذكر، 104 أنثى) عبارة عن 207 بالغ و97 قاصر وسجلت 717 إصابة، 1450 أسرة متضررة ولم يتضمن التقرير حالات التدخل المباشر للعنصر البشري مثل الهدم أو التفجير العمد كما لا يشمل حالات التصدع أو ميل أو إخلاء العقار
"تفتيش الإسكان": انهيارات العقارات نادرة.. و"مصرواي" يرصد: انهيار عقار بشكل شبه يومي في مارس
البيت الخامس
"عيالنا مبيزحفوش.. مبينزلوش من على كتفنا إلا لما يمشوا، وأول إمبارح قتلت عقرب تحت رجل ابني".. صرخت "سيدة"، وهي تشير إلى منزلها شبه المنهار، والذي لم يتبقى منه سوى أطلال غرفتين بدون أسقف، من أصل منزل مكون من طابق واحد، تعيش فيه عائلتها مع والدتها، وأسرة أختها.
تتذكر "سيدة" فاجعة انهيار منزلها قبل شهور، قائلة: خرجت وأهلي لقضاء بعض الأغراض، واتصل بي الجيران أخبروني بما حدث لأعود وأجد المنزل أصبح بهذا الشكل، والتقطت والدتها "الحاجة فاطمة" خيط الحديث، بغضب قائلة: "جالنا 100 حد صحافة، ومحدش عملنا حاجة، بس لو كان حد فينا مات كانت الدنيا اتقلبت".
يفسر أمين عام الإدارة المحلية السابق، المهندس محمد عبد الظاهر ما يشوب قانون البناء الحالي من بيروقراطية، قائلا: حينما يقوم أحد المتضررين بإخطار الحي، يتم تشكيل لجنة مكونة من 2 موظفين ومهندس متخصص من كلية الهندسة، ومن ثم يتم منح السكان والملاك مهلة للتظلم، تحسبا لوجود أي أغراض غير شريفة من قبل أي طرف، ومن ثم يحول الأمر للقضاء فيأخذ مجراه، ويصدر قرار قد يعزف السكان عن تنفيذه، فيقوم المتضرر بإعادة الكرة نفسها مرة أخرى.
ويرى عبد الظاهر أن الحل يكمن في توفير بدائل سكن رخيصة، للمنكوبين، حتى نتجنب وقائع تقديم السكان إقرارات على أنفسهم، بعدم الخروج من المنزل على مسؤوليتهم الخاصة.
البيت السادس
لم تحتاج "سميرة سلامة" السيدة السبعينية ممتلئة البنية، سوى أن تسمع عرضنا عليها إبلاغ مسئولي حي المطرية عن حال منزلها، لتصرخ في هلع رافضة ذلك لقصر ذات اليد، قائلة إن المنزل يعيش فيه 35 حفيدا، وجدرانه المشروخة تأوي نومهم الباهت ليلا.
واستشهد رئيس جهاز التفتيش الفني بوزارة الإسكان، عبد المنعم صالح، بموقف "سميرة" قائلا: هناك مشكلة متلازمة بين الملاك والسكان، تتسبب في التراخي عن الترميم أو الإزالة، وهو ما يدفع المتضررون لتحرير محضر عدم تنفيذ، والخوض في إجراءات جنائية عادة ما تطول.
بينما يرصد الباحث في المركز القومي لبحوث الإسكان والبناء، حسام بيطار، في دراسة أعدها عام 2013، بعنوان تقييم الخطورة الإنشائية للمباني القائمة في مصر، أنه لم تعد انهيارات العقارات مقصورة على المساكن القديمة التى تهالكت بفعل غياب الصيانة بل امتدت لتشمل المساكن الحديثة نتيجة البناء العشوائي.
ويتم تحديد خطورة المبنى بناء على عمره، وزيادة الأحمال عن قدرة العناصر الرأسية، ومشكلات التربة والأساسيات، وتدهور العناصر الإنشائية، والقصور في تشييد المبنى.
وأوصى البيطار في دراسته بتقييم الخطورة الإنشائية للمباني، والذي قسمها لمرحلتين الأولى الفحص البصري لمتابعة التشققات والشروخ، والثانية التقييم التفصيلي للمبنى لتحديد درجة وخطورة وامتداد التدهور، وقدرة المبنى على مقاومة الأحمال.
البيت السابع
رغم انعدام الأمل، لم تستطع "الحاجة عفاف" السيدة الخمسينية، التوقف عن الحلم بقرض من الحكومة بدون فوائد، يعينها على ترميم منزلها الذي يأوي 6 أسر، هم أبناؤها وأحفادها، وزوجها السبعيني المريض.
حلم "الحاجة عفاف" قرض بدون فوائد لترميم منزلها الذي يأوي 6 أسر
وترسم الشروخ على جدران المنزل الملونة خرائط غير محببة، تثير سؤال الصغار كلما اتسعت، وتثير تأهب الكبار لمصير مرتقب يستدعي الدموع في عيون "عفاف" لتقول: "مش طالبين نسكن بره، ولا شقق من الحكومة، الأطفال دول لو البيت وقع هيروحوا فين".
وهي لا تعلم أن هذا الحلم حق لها، حيث أن المادة 97 من قانون البناء تنص على أنه: "ينشأ صندوق يتولى الإقراض بدون فوائد لأعمال الصيانة والترميم، وتوفير مساكن بديلة لأصحاب المساكن الآيلة للسقوط".
البيت الثامن
"سايباها على ربنا".. تقولها عائشة التي تعيش بمفردها مع ثلاثة أطفال، في غياب الزوج، داخل منزل تتساقط أجزاء منه بشكل شبه أسبوعي، وهو ما يجعلها تسد حطام شقتها القابعة بالدور الأرضي بمرمات مؤقتة بيديها، حتى لا تصبح دورة مياهها تطل على الشارع.
فيديو قد يعجبك: