''أم محمد''.. المدفن ''بكواتي'' والحال ''على باب الله''
-
عرض 2 صورة
-
عرض 2 صورة
كتبت - إشراق أحمد:
تصوير - يسرا سلامة:
ما بين قوالب الطوب الأحمر المتراصة مكونة شكل محيط غرف متجاورة أو كما يطلق عليها ''حوش'' تختلف مساحتها وأشكالها، والأبواب التي تنغلق عليها، يعتليها لافتات اختلفت هي الأخرى في أسمائها لكن جميعها يسبقها كلمة ''مدفن''، كسا اللون الأصفر الطوب المشكل لتلك الغرفة، والذي بدا حجريًا على عكس مثيله.
بينما امتدت أعمدة خشبية أقرب لجذوع الشجر طولًا وعرضًا؛ مشكلًة سقفًا آخر خلاف سقف الغرفة، أشبه بالمظلة؛ حيث غطته قطع قماش بالية، وأما اللافتة فمنحوتة أعلى باب بني اللون، بدا مرور الزمن على عروقه الخشبية، اعتلاه تلك الكلمات ''أنشأ هذا المدفن إبراهيم بك توفيق 1351ه/1932م ''.
''الميتين تحتنا وإحنا فوقيهم.. ده حالنا''.. قالتها ''أم محمد'' بينما انكبت على ''تقطيف'' عيدان من الملوخية، مفترشًة الأرض جوار زوجها المسن المستلقي على ''مصطبة'' خشبية.
تلك الكلمات التي تلخص بها ''أم محمد''، السيدة السبعينية، حالها منذ أن سكنت ذلك ''الحوش''، في الستينيات ''قبل ما عبد الناصر يموت بسنتين''، والذي لا تعرف عنه سوى أنه بُني قبل أن تسكن به ويملكه صاحب الاسم المكتوب عليه ''من زمان أوي''، كما لم يعد أحد يأتي للدفن أو زيارة الموتى به منذ أن احتضن أسرتها غير ''خدامة كانت بتيجي تعيط وتقول يا سيدي''، لكنها انقطعت هي الأخرى.
من محافظة سوهاج جاءت ''أم محمد''، تزوجت ابن عمها الذي لم يعد يملك سوى الإشارة وبعض الكلمات ينطقها بثقل للتعبير عما يريد، أنهكته الكهولة بالمدفن وضاعف المرض من ذلك ''جوزي مكانش كده، لكن تعب الفترة الأخيرة، عنده القلب ومشاكل في الكبد''.
أمتار قليلة هي مساحة ''الحوش'' الذي تقطنه ''أم محمد'' وزوجها، ونجلها الذي لديه من الأبناء خمسة إلى جانب زوجته؛ تسعة أشخاص يحيط بهم جدران ذلك المدفن، بينما تبقى الساحة الخارجية براح لهم بمجرد أن تغيب الشمس.
بدت حياتهم أشبه بمنزل في إحدى قرى سوهاج؛ حيث حرصت ''أم محمد'' على وجود ''عِشة'' لتربية عدد من الدجاج، وبئر المياه، التي تأتي لهم عن طريق ''حنفية خارج المدفن بتيجي من السيدة نفيسة''، لكن الأمر سيظل مختلفًا؛ ففي الجوار أموات وعربات تأتي محملة بالحزن.
ومع ذلك اعتادت السيدة السبعينية الحياة ولا مانع من إلقائها الدعابة على من تستقبلهم؛ فهي على يقين إن ''إحنا على باب الله''، لم تعد تنتظر شيء من أحد خلاف ''العربيات اللي بتيجي ساعات تدينا نفحات''، وإن كان السكن مطلب يجاهد للبقاء في حياتها.
القلق والخوف لا يبتعد عن حياة ''أم محمد'' وأسرتها ليس لسكنها بين الأموات، لكن من الأحياء يصيبها القلق ''إحنا في حالنا، لكن المنطقة فيها بلطجية بييجوا بليل''؛ فمنطقة المقابر ليست بعيدة عن مرمى الإحساس بالتغيير الذي أصاب العديد من المناطق والأشخاص ''الحال مبقاش زي الأول، حتى الناس بقت خايفة حتى تيجي للميتين بتوعها''.
ولم يعد يفارق ذاكرتها الحوادث التي شهدتها المنطقة خاصة في الوقت الذي كان ''موضوع تجارة الأعضاء ده منتشر''، على حد قولها، كجارتيها التي أعطاهم أحد الأشخاص زجاجة عصير، وكادا أن يفارقا الحياة جراء إصابتهم بتسمم لولا إنقاذ الأهل لهم، حتى أصبحت النصيحة التي لم تعد تفارق حديثها لأحفادها ''متخدوش حاجة من حد''.
لمتابعة أهم وأحدث الأخبار اشترك الآن في خدمة مصراوي للرسائل القصيرة.. للاشتراك ...اضغط هنا
فيديو قد يعجبك: