عبد الفتاح القصري''.. ابن ''الصايغ'' الذي مات فقيراً !
كتبت - نوريهان سيف الدين:
بعيونه غريبة الشكل، وشعره الأسود الأملس، وقصر قامته، وبعبارته التي خلدتها ذاكرة السينما المصرية ''خلاص.. هتنزل المرة دي''، عاش ''عبد الفتاح القصري'' ملكاً متوجاً على عرش الكوميديا الراقية، ونموذجاً فريداً لم يشابهه فيه أحداً، ورغم أعماله المتعددة في السينما وعلى خشبة المسرح، إلا أنه لم يحقق ثروة مالية ومات فقيراً، لكنه حقق ثروة طائلة من حب وضحكات الجماهير.
''عبد الفتاح القصري'' المولود في 15 أبريل 1905 لأب ''صايغ'' يعمل بتجارة الدهب على أطراف حي الصاغة القديمة بالحسين وحارة اليهود، نشأ ''عبد الفتاح'' في بيئة وفرت له تعليم على مستوى عال، فالتحق بمدرسة رهبان ''الفرير'' بحي الخرنفش، وكان ''نجيب الريحاني'' زميل دراسة له بنفس المدرسة.
أتقن ''القصري'' الفرنسية وقرأ في بعض روايات الأدب العالمي، إلا أن عشق ''التشخيص - التمثيل'' ظل يراوده، حتى التحق بفرق التمثيل الصغيرة في بداية شبابه.
لم تقبل الأسرة أن يكون الابن ''مشخصاتي''، وأعلن الأب أن في حالة عصيان ابنه لأوامره سيحرمه من ميراثه ونصيبه في محل الذهب، إلا أن ''عبد الفتاح'' لم يكترث بالأمر، والتحق بفرقة ''عبد الرحمن رشدي'' للتمثيل وقدم معها بعض العروض، وما أن لمع نجمه في الفرقة حتى التحق بفرقة ''نجيب الريحاني'' ثم فرقة ''إسماعيل يَـس''.
''إسماعيل يَس'' كان رفيق عمره على المستوى الفني والشخصي، وقدما معا على خشبة المسرح وشاشة السينما عدة أعمال منها ''حرام عليك، اسماعيل يس في مستشفى المجانين، إسماعيل يس في متحف الشمع، ليلة الدخلة، حماتي قنبلة ذرية، بيت النتاش، ابن حميدو'' والذي جسد فيه شخصية ''المعلم حنفي شيخ الصيادين ومالك نورماندي 2'' ضعيف الشخصية أمام زوجته المتسلطة، ولا ينسى المشاهد جملته الشهيرة ''أنا راجل وعمر كلمتي ما تنزل الأرض أبداً''، لتنهره وتقول ''حنفي !'' فيرد ''خلاص هتنزل المرة دي''.
أكثر من 60 فيلماً سينمائياً قدمها ''القصري'' خلال رحلته الفنية، لم يجسد فيها مطلقا دور البطولة، بل كان مدرسة فريدة في دور ''السنيد'' والبطل الثاني، وأبدع في لهجته المتميزة ولعب دور الرجل الأمي أو أبن البلد والحانوتي والتاجر، وقدم للمسرح عدة مسرحيات منها ''قسمتي، الدلوعة، الشايب لما يدلع، الجنية المصري، 30 يوم في السجن، حسن ومرقص وكوهين، محدش واخد منها حاجة''.
''المعلم شاهين الزلط''.. كان أخر أدواره عام 1960 في فيلم ''سكر هانم''، وقدم مع الكوميديان الراحل ''عبد المنعم إبراهيم'' ثنائي كوميدي مبدع، و يأتي مشهد تعارف ''المعلم شاهين وفتافيت السكر'' وتصاعد حدة الحوار بينهم كـ''ماستر سين'' للفيلم، وهو يقول لها ''دانا جنب منك أبأه مارلين مونرو''.
النهاية كانت مأساوية على غير المتوقع لنجم عاش حياته يضحك ملايين الجماهير، وعلى عكس الأداء الكوميدي جاء مشهد الختام ''تراجيديا''، فأمام ''إسماعيل يس'' أثناء تقديم إحدى المسرحيات عام 1960، شعر ''القصري'' بإعياء شديد، لكنه تحامل على نفسه ليقدم العرض هذه الليلة، وأثناء العرض ظل يصرخ ''أنا مش شايف'' ويحسبه الجمهور أنه ضمن ''الديالوج''، إلا أن ''إسماعيل'' يفهم الأمر ويسحبه للكواليس، ويصاب ''القصري'' بالعمى، و تتركه زوجته الرابعة بعد أن أخذت ثروته وتزوجت شاب كان يربيه ''القصري'' ويعتبره ابنه؛ حيث أنه لم ينجب طيلة حياته، وعاشت معه شقيقته ''السيدة بهيجة'' ترعاه وتمرضه.
المأساة تفاقمت حين أمرت المحافظة بهدم بيته، ليضطر ''القصري'' أن يعيش في حجرة متواضعة ببدروم منزل قديم في الشرابية، ويصيبه الاكتئاب كما يداهمه مرض تصلب شرايين القلب وفقدان الذاكرة، ويسدل الستار وتنزل كلمة النهاية على حياة ''المعلم حنفي شيخ الصيادين'' في مستشفى المبرة في 6 مارس 1963، ولا يتبع جنازته سوى أسرته و3 أفراد والفنانة ''نجوى سالم''.
فيديو قد يعجبك: