مبارك.. الديكتاتور حرًا (بروفايل)
كتب-أحمد الليثي ودعاء الفولي:
فرعون موسى لم يكن أسطورة، هو حي في عقول الذين يأتون بعده، يتبعون منهجه، هو الحاكم الظالم، الديكتاتور الذي يدهس قلوب البلاد والعباد بدم بارد، الفرعون دائما له معاونين، وإن لم يقفوا خلفه بشكل مباشر؛ من صمت على ظلمه، من مهد الطريق لبراءته، من خرج يحتفل عقب النطق بالحكم، مخرجا لسانه لأهل الشهداء الواقفين على الجهة الأخرى من الزمن، فقد بعضهم الوعي فزعا على ما حدث.
كان يرتدي نظارات شمسية كعادته، ينظر من أسفلها على الجمع المتجمهر داخل القاعة؛ شعره مصبوغ باللون الأسود، حالته الصحية ''بُمب''، محاميه فريد الديب قليل تعابير الوجه ينظر إلى القاضي محمود الرشيدي الموجود على المنصة بإجلال، داخل القاعة أحد أهالي شهداء ثورة يناير، يبكي في صمت قبل أن ينطق القاضي بالحكم، ومحمد حسني مبارك بينهم لا يبدي فرحا أو حزنا، سنين عجاف مرت منذ أن دخل الرئيس الأسبق في دوامة المحاكم، حتى وصلت مدة محاكمته عن التهم الموكلة إليه لأكثر من ثلاثة أعوام، انتهى الأمر بتبرئته من اتهام تصدير الغاز المصري لإسرائيل وعدم جواز نظر الدعوى الجنائية ضده في قضية قتل المتظاهرين.
من جديد عادت دائرة النفاق، لم تعد الثورة شيئا يَسرُ، فقط باتت مذكورة في مآتم الديمقراطية، توصم بالمؤامرة، يُلصق بصناعها تهم العمالة، أما مبارك وأقرانه فهم حماة الوطن، عتاده الواقف على أمنه، الرافض لبيعه بأبخس الأثمان، لم يقتل يوما بريئا، لم يحنُ على فاسد.
239 قتيلا و1588 مصابا في الثورة المصرية؛ هكذا قال القاضي في آخر جلسة لمبارك وحبيب العادلي ومساعديه، لا يهم العدد طالما النتيجة وبالا على رؤوس المتضررين، الرئيس الأسبق ينظر بتمعن حال نطق الحكم، لا يعلق طبقا لتعليمات القاضي. ''الحمد لله إني عشت لحد ما البلد رجعت''، لا بد أن مبارك ظل يرددها لنفسه بعد أن قالها مرة في الإعلام، لا يعتقد هو أو أبناءه أن يده مست مصر بسوء، هو المغلوب كما قالت عنه صفحة ''انا آسف يا ريس'' على موقع فيسبوك.
لم يشارك يوما في ود إسرائيل اللهم إلا جنازة شيمون بيريز، لم يقطع صلة الأرحام بين جيرانه، لذا أنار منازل الصهاينة فيما كانت ''جحور'' الفلسطينيين معتمة، لم يقل بوجه ضاحك ردا على مواطن يستخدم عبارة في طريقه للعمل ''عبارات من اللي بتغرق دي''، لم يسمح بتزوير انتخابات، فقط كان يعلنها لشعبه ''خليهم يتسلوا''.
لم يغفل الحفاظ عن أرواح أبنائه، بل هنأ شعبه صبيحة عيد الأضحى عام 2002 باحتراق أكثر من 300 مواطن في قطار الصعيد، لم يعر سكان 100 منزل عشوائي أن يقضوا صيام اليوم السادس من رمضان أسفل صخور الدويقة، لم تدهس سياراته جموع المتظاهرين، لم يهنأ أبنائه بنعيم القصور، ولم تضحي زوجته المهيمنة على مقاليد الأمور في حكم مصر، ولم تصوب قناصته رصاصاتها قبل قلوب المحتجين، فقط طلب العفو كي يكمل 6 أشهر باقية في حكمه، لكنه قضى نحو أربعة أعوام مكرما في أجنحة المستشفيات وبات حرا طليقا لا تمسه عين.
''الديكتاتور'' كانت الصفة الملازمة دوما لمبارك عقب خلعه، يرددها الثوار، ومن خلفهم الإعلاميين، يطلقها من انسلخ عن حزبه الوطني، ويلوكها كل من فاته ركاب الثورة، يعلنها فنان يتباكى، ويطلقها جلية لاعب كرة يعدد فساده، فيما مرت الأيام وتبدلت الأمواج فأضحى الرجل ''مباركا''، لا تشوبه شائبة، وباتت الكلمة النهائية في يد الزمن، الذي ضحك في وجهه مرات كي يتلاصق لفظ الحرية بالديكتاتورية في سطر واحد، حين تم الإعلان ''مبارك براءة''.
''ما أريكم إلا ما أرى وما أهديكم إلا سبيل الرشاد''، هكذا ظن فرعون على نفسه دائما، يعثو في الأرض فسادا، يُقتل الأبناء ويستحيي النسوة، عالما علم اليقين أنه يخدم المصريين، يخرج منهم من يعترض على حكمه؛ فينعته بالمجنون، ينظف نفسه من التهم المنسوبة له، كطفل خبيث يرن جرس باب أحدهم ثم يركض هاربا؛ فلا يعلم أحدهم أنه مذنب. ما أبعد المسافة الزمنية بين الفراعين، ما أقرب الأحداث والتفاصيل، ما أهون وجع قلوب المفجوعين على ذويهم، وما أكثر الفراعين في كل زمن.
لمتابعة أهم وأحدث الأخبار اشترك الآن في خدمة مصراوي للرسائل القصيرة للاشتراك ...اضغط هنا
فيديو قد يعجبك: