''ماركيز''.. العنقاء التي تُبعث من رماد القراء
كتبت- رنا الجميعي:
ينسج عالمًا مليئًا بالتفاصيل والخيالات، يجذب ملايينًا لعوالم رواياته المستندة على قصة حقيقية، وببراعته يحيك من هذه النقطة حكايات يبدو أشخاصها أحياء أكثر من أناس متناثرين بكتاب الواقع، ليصنع اسمًا يعلق بأذهان محبيه هو جابرييل جارسيا ماركيز صاحب رواية مائة عام من العزلة''، الشهير باسم ''جابو''، والذي حاز على جائزة نوبل للآداب في عام 1982.
87 عامًا هو العمر الذي قضاه ''ماركيز'' مطاردًا للحكايات، ليتوقف عن الحياة في يوم السابع عشر من إبريل الحالي، ويصدم ملايين القراء بفجعة موته، ولكنه استطاع زرع بذرة الخيال، الشغف والحب داخلهم الذي لن ينتهي بموت أحد، ويخلق في ثناياهم قصص وشذرات وعوالمهم الخاصة بهم وحدهم، مع قصصه ومقالاته، والتي لربما لو علم بها ''ماركيز'' لكانت مادة لحكيه.
الصدفة وحدها هي التي قادت ''أحمد عاشور'' إلى كتابات ''جابو''، فالفتى الذي يدرس بالمرحلة الثانوية كان نهمًا للقراءة، ويداوم على الذهاب إلى مكتبة بعينها، وفي ذات مرة سأل المسئول بالمكتبة عن الروايات المُترجمة، ليشير إليه بالقسم الخاص للمترجمات، ومع البحث التقطت عيناه مطبوع بدار الهلال يحمل عدة كتابات لماركيز منها؛ المجموعة القصصية ''ليس في بلدتنا لصوص''، ورواية ''الأم الكبيرة'' ''بدأت أبحث عنه من وقتها''، ليُصبح الشاب السكندري محبًا للكاتب الكولومبي، ويعكف على قراءة رواياته.
التقاط الحكاية من الواقع وتحويلها ل''أدب نقي'' هو ما جذب ''عاشور'' لروايات ''ماركيز''، والتي ظلت ''مائة عام من العزلة'' هي روايته المُفضلة له، وقد أخذ من اسمها واقعًا له، ليقضي أسبوعًا كاملًا مع الرواية في عزلة.
بالنسبة ل''عاشور'' فوفاة الكاتب لا تكون بخبر إعلان موته، ولكنه بتوقفه عن الكتابة ''ماركيز بقاله كام سنة مُعتزل''، فصاحب رواية ''الحب في زمن في الكوليرا'' أعلن توقفه عن كتابة الروايات في عام 2006.
بدأ ''أشرف عصام'' قراءة روايات ''جابو'' بسبب ترشيح أحد الأصدقاء لاسم ماركيز، ليظل من وقتها قارئًا مُخلصًا لصانع الحكايات ''بدأت برواية مائة عام من العزلة، لكن لسوء الترجمة اتجهت لرواية الحب في زمن الكوليرا، وبقت أقرب رواية ليا دلوقت''.
تحسس ''عصام'' خطاه في روايته التي أصبحت مفضلته، ويستطيع صاحب جائزة نوبل على اجتذاب الشاب العشريني لعالم رواية ''الحب في زمن الكوليرا''، فقد ارتكز ''ماركيز'' في روايته على أن أعراض الحب والكوليرا متشابهان، إلا أن مرض الكوليرا يُمكن الشفاء منه ''ودي من أكتر المعاني اللي رسخت في دماغي''.
وبُهت ''عصام'' بالرواية التي تحكي قصة البطل الذي أحب فتاة ولكنها انفصلت عنه، ليدخل بعدها في دوامة من العلاقات النسائية لم يخرج منها سوى وهو على أعتاب الشيخوخة ''كمية الشخصيات اللي مر بيها بطل الرواية متنوعة وميقدرش يعمل التنوع دا إلا شخص تعايش مع ناس كتير من ظروف وبيئتا مختلفة''، فالخيال وحده لا يُمكن أن ينتج قصصًا مثل هذه، يقول ''عصام''.
الحكم النهائي على كاتب بأنه بارع أم لا، لم يستطع أن يستنتجه ''عصام'' سوى بمطالعة أكثر من عمل له ''وقتها كانت رواية الحب في زمن الكوليرا إشارة ليا إنه كاتب هيعمر معايا شوية''، ليقرأ بعدها رواية ''قصة موت معلن'' التي يبلغ عدد صفحاتها مئة، وصُدم من بداية الرواية وهي النهاية في نفس الوقت ''كان تحدي إني أكمل رواية أنا عارف نهايتها من أولها''، وبالرغم من ذلك استطاع أن يُكمل الرواية باستمتاع خالجه في تفاصيلها.
في العمل الثالث الذي قرأه ''عصام'' تعمد أن يبطئ بقراءة الرواية لينهل منها على مهل، ستة شهور هو الوقت الذي أخذه في قراءة ''مائة عام من العزلة'' ''عشان تفضل في إيدي أكبر وقت ممكن''، هي من أكثر الروايات التي استمتع في قراءتها الشاب العشريني، ف''حرفنة'' ماركيز وقدرته على تشكيل مدينة كاملة والحكي عن عائلة ذات أربعة أجيال، والأبعاد المشتركة بين كل جيل، والصفات المتوارثة من جيل لآخر والتي تظهر في طريقة التعامل كل شخصية بالرواية، هي نقرات السحر التي اجتذبته ليُكمل الرواية.
الشغف هو الذي يحرك أبطال ''جابو'' كما يرى ''عصام'' وهو ما شده أيضًا لتتبع روايات صاحب الواقعية السحرية، ليصطدم بخبر وفاته، وهو ما لم يتمناه، فقد رغب بمئة عام لصاحب نوبل يكون فيها وفير الصحة ''بس مش في عزلة''.
لم يُمثل ''ماركيز'' بالنسبة ل''زهراء مجدي'' القاعدة الأساسية في عالم الكتاب والقراء، أنه الكاتب وهي القارئة، لكنه كان صديقًا لها، جمعتهما ظروف متشابهة ''البيئة الصعبة والعالم التالت ومثقفيه''، حتى الثورة التي مرت بالفتاة العشرينية مرور الكرام، عبر عنها ''جابو'' بسطور قليلة في سيرته الذاتية التي نشرها عام 2002 ''عشت لأروي''.
البداية كانت مع سماع اسم الكاتب في فيلم ''السفارة من العمارة'' وبالرغم من البداية الغريبة إلا أن اسم ''ماركيز'' حين اكتشف ''زهراء'' أنه اسم كاتب حقيقي ولم يكن خيالًا، وقعت بيديها روايته التي كانت بمثابة افتتاحية لعالم صانع الحكايات لها وهي ''ذكرى غانياتي الحزينات''.
وتكشّف لها من خلال سيرته الذاتية أن عالم ماركيز الحقيقي هو أعظم من أعماله، لأنه بالفعل قابل كل الشخصيات التي كتب عنها والحكايات التي رواها، ليصبح اسمه متفردًا في عالم الواقعية السحرية.
سور الأزبكية كانت النقطة التي علم من خلالها ''محمد جمعة'' بروايات ''ماركيز''، فالتقطت عيناه روايات بعناوين براقة مثل ''خريف البطريرك''، ''مائة عام من العزلة''، و''حب في زمن الكوليرا''، ليعرف أن كاتبها هو شخص واحد هو جابرييل جارسيا ماركيز.
وينطلق من معرفته بالاسم منذ ثلاث سنين، ليقرأ له الرواية الوحيدة التي مر عليها ''جمعة'' وهي ''قصة موت معلن''، الرواية التي لم يتعد صفحاتها المائة بُهت بها الشاب العشريني، ليقول ''وحده ماركيز الذي يستطيع كتابة رواية من مائة صفحة''.
التلذذ بحكاية الرواية التي كان من الممكن أن ينهيها ''جمعة'' في ساعة واحدة، أخذت منه أكثر من ليلة ليرتشف منها باستمتاع، وألهمته الرواية من بعدها بكتابة القصص.
لم يُكمل ''جمعة'' سوى هذه الرواية، لينشغل في تفاصيل الحياة والتي لا يليق معها أن يقرأ رواية لماركيز دونما تفرغ منه بالكامل، لذا لم يقرأ له حتى الآن بعدها سوى بعض المقالات والقصص التي أدهشته مثل القصة التي تحكي عن شاب انتحر من الدور الرابع عشر وأثناء قفزه من علِ وجد بالأربعة عشر طابق أناس وحكايات تستحق منه الحياة إلا أن تلك الثواني لم تُسعفه ليرى الكثير، وهوى ليموت بحسرته.
ظلت مكتبة ''جمعة'' خالية من كتب ''ماركيز''، فحينما رغب في شراء أعماله الكاملة، وكان قراره نهائيًا بالفعل، لكنه تراجع في الدقائق الأخيرة، حيث راوده اعتقادًا بأن أعمال ماركيز لا يُمكن أن توضع على الأرفف دون قراءة ''لازم أتفرغ له''.
لم يتفاجأ ''جمعة'' بخبر موته، فقد مهدت له الإشاعة التي جرت منذ سنتين بوفاة صاحب المائة عام من العزلة، حديث وفاته الآن، ولكن مَنيّة ''ماركيز'' ليست كباقي البشر في اعتقاد الشاب العشريني، الذي يرى أنه كما قال على لسان أحد أبطاله ''لم يكن بشرًا ليموت''، فسيرة ''ماركيز'' سوف تُبعث كالعنقاء من رمادها وتظل حية بقلوب الملايين التي تولدت داخلهم جرثومة الحكي.
لمتابعة أهم وأحدث الأخبار اشترك الآن في خدمة مصراوي للرسائل القصيرة.. للاشتراك...اضغط هنا
فيديو قد يعجبك: