نجيب سرور.. ''مجذوب'' الشعر الذي تحدى السلطة
كتبت- يسرا سلامة:
على الحافة بين الجنون والعقل، يقف هو بقلمه شاعرًا وكاتبًا ومسرحيًا، يخرج لسانه إلى السلطة، فيُلقى به بمستشفى الأمراض العقلية، لا يتوقف إبداعه بين الأربعة جدران، فينقله إلى طبيبه داخل ''العباسية''، ليقف ''نجيب سرور'' بين المبدع العبقري، والمجنون النرجسي، والضحية التي قتلها الاستبداد السياسي وقت الرئيس ''جمال عبد الناصر''.
الموهبة لدى ''سرور'' كانت كالجريمة، لا يمكن إخفاؤها، تجلت منذ الصغر، اشتعلت في رأسه وظهرت في كلمات الشاعر ابن العام 1932، وتحدى بها الجميع، بعد أن لحق بكلية الحقوق، ليعزف عنها ويلحق بالمعهد العالي للفنون المسرحية، لاهثًا وراء عشقه لدنيا الفن والتمثيل، وخاصة خشبة المسرح.
تأثر ''سرور'' في بداية تجربته الشعرية بسقوط ضحايا وعمال وقفوا أمام الاحتلال البريطاني لمصر، لكن سخطه على الوضع استمر عقب ثورة 1952، ناقمًا على عهد ''عبد الناصر''، لم يرض عن أي نظام سياسي، ولم يقبله كذلك أى نظام، ليلاحقه بالإلقاء حتفًا في مستشفي المجانين، دون أن يعلموا أنه صاحب لقب ''شاعر العقل''.
''يا حارس السجن ليه خايف من المسجون
هي الحيطان اللي بينا قش يا ملعون
ولا السلاسل ورق ولا السجين شمشون''
ظل ''سرور'' طوال فترة حياته بدون مصدر رزق ثابت، على الرغم من حياة الرفاهية التي تمتع بها أنصاف الموهوبين كما يرى، حتى بعد أن أصبح مديرًا للمسرح القومي، حصل على راتب متواضع دون السماح له بممارسة كل اختصاصاته، بعد أن أرسلت زوجته الروسية استغاثة إلى وزير الثقافة آنذاك يوسف السباعي لخروجه من المصحة، حتى أن ''السباعي'' كتب لـ''سرور'' توصية بالحصول على شقة، لكن تغيير محافظالأسكندرية حال دون ذلك.
''أميات'' هى أبرز ما اشتهر به ''سرور'' شعرًا بين العوام، بعد أن نقم من الفساد المستشري في مصر، والتي كانت قشة البعير في دخوله مستشفى الأمراض العقلية، وكان قد صب اللعنات أيضًا على بعض من شعراء وفناني جيله، أخذوا من أضواء الشهرة مساحة برضاء الحاكم كما رأى، فلم يكن راضٍ عن صلاح جاهين، أو زوجته التي طلقها ''سميرة محسن''، أو حتى عن ألحان عبد الوهاب، ليرى أنها مزيج من ألحان غربية وشرقية.
يقال إنه حين كتب صلاح جاهين''أغنيته الشهيرة ''الحياة بقى لونها بمبي'' قرر ''سرور'' أن يمارس عادته بالانتقاد اللاذع حتى من أقرب الناس إليه، فطلب من جاهين أن يلتقيا في جروبي وبعد أن ضحكا سويا، أخذ نجيب في مفاجئته بلهجة مملوءة بالتهكم وهو يقول ''بمبي يا صلاح؟''، غير أن جاهين ناله التأثر فبكى.
في رحلة الشاعر والفنان ''نجيب سرور''، عراقيل وضعتها يد السلطة في طريقه، فأطلق لسانه وشعره لها؛ يغزل من محنته أدبًا، يضمد من معاناة شاعر مصري، ويغدو ميراثهما بين قصائد وبعض المسرحيات، مثل ''ياسين وبهية'' و ''الذباب الأزرق'' و''آه ياليل ياقمر'' والتي أخرجها جلال الشرقاوي عن رواية ''ميرامار'' للأديب العالمي ''نجيب محفوظ''، لتجعله من رواد المسرح المعاصر.
الفن قسمة ونصيب يعنى النصيب قسمة
قاسمنى بالنكله وادى الإذن للصراف
أهبـش وشيَّل وشِيل وأهجم على اليغمة
ما تخافـش هو اللى فوقك يعنى كان بيخاف؟
حفرت هزيمة يونيو جرح في شخصية ''سرور''، لم تبرح حتى نالت من أعماله شعرًا وأدبًا، ليصدق الشاعر أن ثمة مؤامرة عليه بداية من المخابرات المصرية حتى منافسيه من الشعراء والأدباء، كما أودعه جنون الشعر والفن في مستشفى الأمراض العقلية، حتى مكث فيها إلى أن لاقى حتفه، بعد أقوال غير مؤكدة حول مقتله بداخلها، للتخلص من إزعاجه للسلطات.
لمتابعة أهم وأحدث الأخبار اشترك الآن في خدمة مصراوي للرسائل القصيرة.. للاشتراك...اضغط هنا
فيديو قد يعجبك: