''مصطفي ربابة'' .. عشق الصغر ورزق الكبر
كتبت - يسرا سلامة:
هائمًا على وجه، يسرح سيرًا وسط زحام المدينة، حاملًا بين يديه معشوقته الأولى والأخيرة، اتخذ منها اسما يلحق باسمه ''مصطفي ربابة''، أصوتًا لمعزوفته تدل السائرين عليه وعلى مهنته، يمرح بها بيعًا وعزفًا، يقطع بها الشوارع برفقة صغيرته ''أنغام'' ذي الثلاث سنوات.
لم يعرف ''مصطفي'' الذي تجاوز العقد الخامس من عمره الطريق إلى محافظة القاهرة، لكنه كان عازفًا للربابة في مدينته ببني سويف لفترة تزيد عن العشرين عام، عرفها منذ طفولته، لا يزال ''مصطفي'' متذكرًا أفراح المدينة التي كان يلهو بها، متعلقًا لبه بصوت الربابة في يد الكبار، ومنصتًا لنغماتها كما لم ينصت غيره من الصغار.
''اتعلمتها بالسمع'' .. لم يتدرج ''مصطفي'' في منازل العلم، لكنه يعلم درجات السلم الموسيقي، يسردها كمن ألفها قطعة منه، ''السيكا والنهاوند والربع تون''، يطلق اسمائها على لسانه لمن يسأله، انطلق عاشق الربابة في دروب مهنته بالأفراح والموالد، ''حدانا في البلد الكُبارات هما اللى بيجيبوا الربابة والشعراء''.
لكن مزمار الحي لم يعد يطرب بلدته، وشح الطلب على عازفي الربابة والمرددين للشعر، كان ذلك منذ فترة كبيرة، دفعت الرجل البحث عن رزقه خارج دروب المحافظة، ليدلف مع أسرته وبناته الخمسة إلى قرية أبو النمرس بالجيزة، ليتعلم صنع الربابة للصغار والكبار.
من صفائح علب التونة الصغيرة، يأتي بها من منطقة الزرايب، يشكل أول نواة لربابته الخشبية، ومن بواقي الأخشاب في المناصرة، يشكل باقي جسم الألة الموسيقية، ومن خيوط الكتان المصري، يشدها الرجل على ذراع العزف، دون أن يتركها صماء، ليصبغها بالأحمر والأصفر والبمبى، مستخدمًا بودرة ألوان يأتي بها من ميدان العتبة، لتخرج الربابة في أبهى صورة.
''وحوي يا وحوي'' وغيرها من أغنيات رمضان القديمة تجد طريقها إلى ربابة ''مصطفي''، يجذب بها في الشهر الكريم أذن المارة، ليوقفوه للشراء، بضع جنيهات مقابل ينتظره الرجل العاشق، يفرح به بناته مساء كل يوم، ''عزف الربابة ضنين'' يستطرد الرجل أن العزف على الربابة يحتاج تدريب للمهارة فيه، كما لا يتوقف الرجل عند بيع الربابة، ليعلم الزبون كيف يعزف عليها، ''مرة ناس طلبوني أدي أولادهم حصة''.
لمتابعة أهم وأحدث الأخبار اشترك الآن في خدمة مصراوي للرسائل القصيرة.. للاشتراك...اضغط هنا
فيديو قد يعجبك: