حكاية عم عبده وصلاح مع التكنولوجيا وقطع الأرزاق
كتبت- نيرة الشريف:
''نظرا للتطور التكنولوجي أغلقنا المحل!!'' كانت هذه الجملة التي اختار ''عم عبده'' الرجل الذي تخطي الثمانين عاما أن ينهي بها سنوات طويلة من العمل الشاق، كتب عم عبده جملته تلك علي لوحة كارتون وقام بتعليقها علي كشكه الصفيح الذي قضي فيه سنوات طويلة من العمل في تصليح ''بواجير الجاز''، كان عم عبده يكسب كثيرا من مهنته عندما كان الناس يستخدمون ''بواجير الجاز'' ويعتمدون عليها في حياتهم واستطاع من خلال هذه المهنة أن يتزوج ويفتح بيتا لكنه لم يُرزق بأولاد ... ومع التطور وبدء استخدام البوتاجازات بمختلف أشكالها وأنواعها وماركاتها بدأ استخدام ''بواجير الجاز'' يقل إلي أن وصل لشبه حالة انتهاء تام، فضاق به الحال وأصبح الرزق محدود وتوفيت زوجته وأصبح العمل مش ''جايب همه'' فأغلق المحل الذي يمثل مصدر الرزق الوحيد له لأنه المهنة الوحيدة التي يعرفها ولأن كبر سنه منعه من البحث عن أي فرصة عمل أخرى.. وبعد أن أصبح يحيا بمفرده بلا أولاد ولا مصدر للدخل بدا جيرانه يتولون أمره ويعتنون به وبأمر مطعمه وصحته، كانت هذه قصة عم عبده كما رواها أصحاب المحلات المجاورة لمحله المغلق بأحد الشوارع الضيقة في خان الخليلي.
بينما محمد صلاح-35 سنة- صاحب محل إصلاح بواجير الجاز مازال فاتحا أبواب محله في أحد شوارع حي العتبة معتمدا علي أن هناك كثير من الفقراء الذين لا يمتلكون بوتاجازات ولا يمتلكون سوي ''باجور واحد'' إذا حدث له أي عطل فإنهم يرغبون في إصلاحه لأنه ليس معهم ثمن غيره، ''لسه الفقرا كتير'' هكذا اعتماد صلاح لاستمراره في المهنة التي علمها له والده ولم يعلمه غيرها ولم يجد لنفسه مصدر رزق غيرها، فعمر عملهم في هذه المهنة هو ووالده قد يصل إلي نحو ستين عاما منذ أن كان والده في العشرين من عمره، يعترف صلاح أصبح العمل قليل والرزق أقل، فبعد أن كان محلهم هذا يقوم بإصلاح عشرة وخمسة عشر باجورا يوميا أصبح لا يتردد عليه سوي باجورين أو ثلاث يوميا، ويحصل في إصلاحهم علي ''ملاليم'' -علي حد قوله- ومع ذلك فلا سبيل أمامه إلا أن يستمر ويقبل الدخل الذي يقل يوما بعد يوم، يدرك صلاح أن مصيره هو أن ييأس ويغلق أبواب محله ويذهب ليعمل عاملا في أي محل آخر، فهو يدرك أن هذا اليوم آت رغم عظيم جهده لتأخيره فقط، كل ما حاول صلاح فعله لتأخير حدوث هذا هو أنه أدخل لمحله نشاط بيع أدوات ''الشيشة''، منضدة صغيرة وضع عليها بعض هذه الأدوات لعل بيعها يزيد من دخله قليلا، قال عنها ''غصب عني والله، ماكنتش أحب أعمل كده''. رفض صلاح التصوير قائلا ''مش بحب وجع الدماغ'' لكنه سمح بتصوير منضدة أدوات الشيشة التي وضعها في مدخل محله معللا أنه يريد أن يعرف الناس ما وصلوا إليه.
لمتابعة أهم وأحدث الأخبار اشترك الآن في خدمة مصراوي للرسائل القصيرة للاشتراك ...اضغط هنا
فيديو قد يعجبك: