بالصور - مسارات المدينة.. حكايات بتلف شوارع إسكندرية
كتب- أحمد الليثي:
في كل عمل أدبي تقرأه، ربما أقحمت نفسك في التجربة؛ تمنيت لو جلست في مكان استوطنه بطل الرواية، عشت أجواء مماثلة لرحلة البطلة، سرت في شارع التقى فيه شخوص العمل، تلبستك المعاناة، الصراع، جربت تجاربهم، تحدثت بمشاعرهم، نقلت الخيال إلى واقع معاش، تماهى التاريخ مع الحاضر.. 13 سكندريًا خاضوا التجربة، في ورشة عمل استمرت نحو عام كامل، كانت إسكندرية البهية على الورق تجربة إنسانية في شوارع عروس البحر.
في ديسمبر 2014 كانت البداية، حين طلب مركز الجيزويت من الشاعر والأديب علاء خالد عمل حلقات بحثية حول مجلة أمكنة بعد صدور عددها الحادي عشر، وتم الإعلان عن ورشة أدبية تناقش روايتي "ميرامار" لنجيب محفوظ، و"إسكندرية فجر القرن العشرين" ليوسف فهمي الجزايرلي"، "قلنا نمشي ورا الأماكن والحكايات اللي في الروايتين.. ونرد الاعتبار لأشخاص وأماكن محدش اتكلم عنها" يقول خالد، وتم تخصيص شهرين لكل عمل على حدة، قبل أن تطول مدة المسارات إلى ستة أشهر كاملة للعمل الواحد.
"في ميرامار نجيب محفوظ مهتم بتحولات وصراع الأشخاص في لحظة تاريخية، بيفصل الجانب الراقي منها في شخصيات بيجمعهم بنسيون، والعمل التاني لمؤرخ شاف إسكندرية من حواريها وأحيائها الشعبية" تبدأ بها يسرا محمد، عضو الورشة، مشيرة إلى انبهارها بتوثيق الجزايرلي لتفاصيل خاصة جدا عن المدينة الساحلية من الداخل؛ طريقة تندر العوام، شكل الملابس وتطورها، نوعيات ألعاب الصغار في الأزقة، الأكلات الشعبية، كلمات التهاني في الأفراح والمآتم وكذا الأغاني لحظات المطر والنوة. بين حياة ضاغطة وتحولات الناس للأسوأ حول يسرا كانت المسارات تبدل من رؤيتها، خاصة حين سجلت مع فريق العمل معايشتهم بالصورة، وهو ما خرج في نهاية الورشة بمعرض كبير يُشرح مدينة الإسكندر من خلال الأماكن والبشر وتحولاتهم.
لم تقتصر أجواء الورشة عند حدود أعضائها وقيادة الأديب لها، فقد انتقلت أجواء العام الكامل في فيلم توثيقي سجله "كيرلس يوسف" في 40 دقيقة، يوضح رحلة الرفاق في دروب إسكندرية، حالة الود بين أصحاب المسارات كانت جلية، يتحدث كل منهم عن استفادته من الآخر، فيما يؤكد كيرلس أن حالة النقاش التي خلقها خالد كانت السبب الرئيس وراء خروج الورشة بهذا الشكل "نجتمع مرة عند مرسى مراكب أو على قهوة، بقينا نركز في الشوارع وتفاصيل الكتابة على المباني، الورشة خلقت لنا وعي مختلف".
كمصورة هاوية، ودائمة البحث عن إسكندرية وتفاصيلها، كانت نائلة عطية تصنع مساراتها الصغيرة قبل الورشة، تجوب الشوارع، تعني بالتراث المعماري وخطوط السير وتحولاتها "بس الورشة صنعت لي واقع تاني خالص"، تتذكر أماكن لم تتخيل يوما أن تطأها، دوما ما يرهب العامة من يحمل كاميرا، لكن بعد سنة كاملة من الاحتكاك الحقيقي "بقى الموضوع سلس وجميل".
في أول أيام افتتاح معرض الصور وبعد انتهاء الفيلم الوثائقي عن الورشة كان للجمهور كلمته، عقبت إحدى المتابعات للمجموعة "أنا مؤمنة إن السنة دي غيرت فيكوا كتير وخصوصا إسلام"، أومأ الشاب الملتحي برأسه وهو يبتسم، إسلام عثمان الذي لفت أنظار الجميع في بداية لقاءات المجموعة بحديثه الدائم عن الدين وتمسكه برأيه "الاختلاف هو اللي بيصنع الرؤية.. وده كان حاصل طول الوقت.. الموضوع مكنش درس ولا محاضرة، كانت أجزاء من روحنا بتدور في الأماكن وتفاصيلها" يقول إسلام، وفي الخلفية عدد مختار من 3000 صورة هي حصيلة المعرض –ساعدتهم في تجهيزه المصورة سلوى رشاد، فيما يوزع على الحضور نسخ من كتيب صغير يحوي 13 قصة دونها أعضاء الورشة في نهاية المسارات.
أما سارة زهير فقد صنعت عوالم مختلفة بعدسة كاميرتها "قمة المتعة لما تدخل مكان تعرفه بشكل جديد وكأنك أول مره تشوفه"، حلقت المصورة الشابة في أماكن عدة؛ عشش رأس التين، مقعد خال في حديقة منسية، أبواب المنازل العتيقة، المقاهي، سوق الجمعة، شريط الترام، محلات الورد، والصنايعية داخل الورش، الباعة في الأسواق، ووجوه العجائز في المغربية.
"دي معمولة علشاني" هكذا حدثت مي سامي نفسها لحظة قراءة الإعلان عن الورشة، قبل أشهر كانت ميرامار جزء من مناقشتها للماجستير، لذا كانت أولى المتقدمات "كنت حابة أشوف إسكندرية اللي معرفهاش"، يومين أسبوعيا كان اللقاء، كل ثلاثاء تتم النقاشات على دائرة مستديرة –تستمر لنحو 4 ساعات- حول رؤية كل شخص للأحداث والأماكن وتحليله الذاتي، وفي نهاية الأسبوع يقود علاء خالد المسيرة أرضا –في مسار مشابه لما جرى في العمل الأدبي- برفقة أعضاء الورشة "مقابلة أستاذ علاء كانت أهم حدث حصل في 2015.. والمسارات غيرت كتير من طريقة تفكيري" تضيف مي، حلمت الشابة العشرينية دوما بتقديم شئ لمدينتها المحبوبة، لذا أضافت لها الورشة الكثير "روحت أماكن كتير كنت بسمع عنها وبس.. واحتكيت بنماذج مبهرة، كانت تجربة إنسانية بديعة".
فيديو قد يعجبك: