مذبحة بورسعيد: عادت الكرة.. والجماهير "كارت أحمر"
كتب ـ محمد الصاوي:
لم يدر بخلد أي منهم أنها مباراته النهائية في ملعب الحياة، دون سابق إنذار أو راية ترفع لتوضح مدى تسلل الموت إلى أبدانهم. زحفوا وراء عشقهم الأبدي لناديهم، قطعوا مئات الأميال، غادروا الأهل والأحباب على أمل العودة منصورين فرحين، لكن الغدر ترقبهم فكان اللقاء ذهابا بلا اياب.
الاسم مباراة حولت بفعل فاعل إلى "مجزرة"، حملت بين طياتها الموت لشباب في عمر الزهور، وتركت الحزن والغم لذويهم واليأس والفزع لمن نجا، بل لمصر كلها. سنوات ثلاث مرت ومازال الجرح لم يلتأم، لتبقى "أحداث استاد بورسعيد" وصمة في تاريخ الرياضة المصرية ومصر بشكل عام.
المجزرة فضحت ما كان يكمن داخل النفوس الضعيفة ليظهر ما بطن في صدور البعض، حيث تحول الملعب ومدرجاته إلى مقبرة جماعية، وغرفة إعدام لمن يرتدون الأحمر.
الأجواء بطبيعتها كانت متوترة قبل "الماتش" كعادتها عند أي لقاء يجمع الأهلي والمصري البورسعيدي، حيث تبادل الجمهور الشتائم والسباب، وهدأت بمجرد إطلاق الحكم صافرة البداية. شد هنا وجذب هناك تنويه باستخدام العنف حال خسارة الفريق المضيف، سير المباراة كان ينبئ بسيناريو غير محمود العواقب، ولكن في أقسى الاحتمالات لم يكن أكثر المتشائمين يتوقع ما جرى.
إلقاء الشماريخ على الجهاز الفني للأهلي والحكام لم يكن مبررًا كافيا لاستشعار ما سيجري بعدها بدقائق، نزول المشجعين عقب تسجيل كل هدف للمصري لم ينبه العقول الغائبة بأن كارثة تلوح في الأفق.
صافرة الحكم تعلن انتهاء المباراة وبدء مباراة من نوع آخر يسيطر عليها مشهد الدماء ودوي الصراخ، انطفاء الأنوار وإغلاق البوابات الرئسية للاستاد خطة معدة ومنسقة مسبقًا، لتنقلب الامور رأسا على عقب حتى بالنسبة للجماهير الذين آثروا السلامة وتابعوا المباراة من منازلهم، فيلم رعب، هكذا كان حال استاد "المقبرة".
دماء هنا وهناك، يحاول اللاعبون التدخل لإنقاذ ما يمكن إنقاذه، يبكي كل من له قريب او ابن اواخ من الوساوس والشائعات التي تتردد، تتسارع وتيرة الأحداث، آول قتيل، الثاني، الثالث، العاشر... يقفز العدد فجأة لأربعة وسبعين قتيلا من مشجعي الأهلي، صورهم انتزعت القلوب، ليبقى صدى أصوات صراخاتهم تدوي وحيدة في سماء المدينة الباسلة، الجميع يهرول هربا بحياته.
الحياة عادت الى ملاعب الكرة التي تنضح بدماء الشباب، لكن جماهريها لم يعودوا اليها ولن يعودوا كما كانوا، هذه دلالة واضحة تؤكدها كل مباراة فاذا سمح للمشجعين بالدخول يكون العدد ضئيلا، وذلك بجانب الاستنفار الأمني الذي تشهده كل مباراة وان لم يكن الأهلي أو المصري طرفًا فيه، مباراة المصري البورسعيدي والاهلي الاخيرة بملعب الجونة كانت خير شاهد على فتور احوال الكرة في مصر، مباراة بدون جماهير وبدون روح.
العداء بين الجميع اشتعل منذ 3 سنوات ولم يعالج الى الان، عداء الجماهير لبعضها البعض وعداءهم للجهاز الشرطة، وعداءهم لمجالس إدارة انديتهم، باب الكراهية والعنف فُتح ولم يغلق الى الان، ومحكمة النقض لم تبت فى الأمر الى الآن.
لمتابعة أهم وأحدث الأخبار اشترك الآن في خدمة مصراوي للرسائل القصيرة.. للاشتراك ...اضغط هنا
فيديو قد يعجبك: