مصراوي يحاور ''أحمد لطفي''.. ''أمين'' خزانة ''مجزرة الدفاع الجوي''
كتبت- إشراق أحمد:
دوي إطلاق قنبلة غاز، نحو بوابة العبور لاستاد الدفاع الجوي، يلقي أحمد لطفي نظرة أخيرة، الحشد المكتظ ينفض جمعه، الخطى تفقد هداها، تفر في فزع عكس اتجاه الدخول، كان بين قلة استطاعت العبور من ''القفص'' الحديدي، وقف على أعتاب المدرج المغلق بابه، خطوات فصلته عن المشهد، ينتهي الحال به على أرض الممر، ما كذب الفؤاد ما رأى، كأنما معركة خلفت وراءها سقوط مقاتلين، لم يبق من أغلبهم سوى حذاء، وعتاد متناثر؛ أعلام بيضاء بخطين حمر، حقائب سقطت من الظهور، هويات شخصية، تليفونات محمولة، مفاتيح منازل أملوا العودة إليها فرحين بانتصار ناديهم. غنيمة باتت متاحة لمن فقد قلبه، العائشون على الأزمة، وقت لا يفكر أحد إلا في الفرار من الموت، غير أن طالب الهندسة ثبت مكانه بعضا من الوقت، محاولا إنقاذ ما يمكن من مقتنيات المشجعين، الذين ولوا هلعا، فتبعثرت أشياءهم.
7 هويات شخصية، محفظتين كاملتين، بطاقة ''فيزا'' وتليفونين، ومفاتيح شخصية، هو ما جمعه طالب الهندسة من ''ممر الموت'' بعد أن تأكد من خلوه من أي شيء آخر مهم. رؤية ''لطفى'' حالات نهب الأشياء الملقاة على الأرض ''عساكر الأمن كانت بتاخد المحافظ اللي موجود على الأرض.. وناس توطي تاخد الحاجة وتمشي''، جعله ينتبه إلى أن ضياع الهوية الشخصية أو الهاتف لأحدهم يعني أنه إن مات بات مجهولا، فحمل عبء تجميع ما يتواجد بالممر، عاونه البعض ممن فضل ألا يتحمل المسؤولية، فأخذوا يبحثوا معه ويعطونه الأشياء.
يرفض ''لطفي'' الظهور، وقبل على مضض وضع اسمه الحقيقي؛ حتى لا يضيع غرضه الأصلي في الوصول لأصحاب الحق، بمن يعتبر دوره مجرد ''ظهور إعلامي''.
من الإسكندرية وفد ''لطفي''، المرة الأولى التي يشهد بها مباراة خارج حدود موطنه، طالما أراد ذلك لكن رفض والده كان حائل، منذ مباراة المئوية والشغف لا ينقطع عن الشاب، يعوض بالذهاب إلى استاد المحافظة، افتقاد رؤية ''الزمالك'' ومتعة التشجيع. قبل يوم من المباراة المنتظرة في استاد الدفاع الجوي، والتي تنفتح لها أبواب المدرجات للمرة الأولى منذ فترة طويلة، ألح طالب ''الهندسة'' على والده للسفر، ''أنا مش راضي لكن لو عايز تسافر سافر'' كلمات قالها أبيه، فكانت بمثابة رخصة للمولع بتشجيع الفارس الأبيض.
في تمام الحادية عشر صباحا استقل ''لطفي'' سيارة ''ترحال'' –الاسم المطلق على أتوبيسات تجمع المشجعين بالمحافظات، الشاب ليس من أعضاء الأولتراس وإن أراد ذلك لكن دراسته وانشغاله بها منعه، لكن تظل رفقتهم الأفضل، الصحبة والغناء معا للزمالك من ناحية، وضمان وجود سيارة تعيدك لمنزلك من ناحية أخرى، بعد رحلة خمس ساعات، وفي تمام الرابعة وعشر دقائق وصل الجمع إلى أرض الاستاد، لتبدأ الجولة الثانية من الرحلة في الدخول.
كان ''لطفي'' بالصفوف المتقدمة قبل أن يشتد الزحام، الذي لم ير له مثيل، الحماس للمباراة الأولى له خارج الإسكندرية عزاءه أمام أي شيء يعكر صفوه، الباب لم ينفتح بعد، ضباط وأفراد الأمن المركزي تظهر على مرمى البصر، كلمة أحد الضباط أثلجت قلب الشاب وغيره من المنتظرين ''الكل هيدخل''، لم يحمل عبء التذكرة التي لا يحملها، فقد أكدت له متابعة الأخبار أن الأبواب مفتوحة أمام الجماهير، وقد سبق له حضور مباراة ''الاتحاد والجونة'' في دوري هذا العام دون تذكرة، فضلا عن رحيل الشابين اللذان يبيعا بعض تذاكر المباراة بعد سماع كلمة الأمن حسب قول طالب الهندسة.
القلب يكاد يبلغ مراده، ''لطفي'' يضع أقدامه على أعتاب ذلك ''القفص'' الحديدي، مسافة يتمنى أن ينالها آلاف من وراءه، لذلك تحمل الزحام ''المكان يساع واحد كان في 20''، 3 بوابات حديد يحيط بها سلك شائك ''مفيش حد خرج منها إلا واتعور''، لا مجال لصد المندفعين، إلا مَن تجاوز ذلك الممر الحديدي، وبلغ حدود الشرطة فتعيده مرة أخرى، البوابة انفتحت قرابة 3 مرات، بالأخيرة عبر ابن الإسكندرية، الوصول إلى الضباط يلوح في الأفق بعد عناء، لا يعني ذلك غير بلوغ الأمل، وقد نشد هدفه بعد تفتيشه، ''محدش كان بيسأل على التذكرة المهم التفتيش'' قالها ابن الإسكندرية، الذي كان بين العابرين قبل سقوط ذلك القفص على من فيه.
باب المدرج في منتصف الطريق حسب وصف ''لطفي''، أمامه وقف بصحبة قرابة 200 شخص ممن تمكنوا من العبور، 10 خطوات في تقدير طالب الهندسة هي ما فصلته عن رؤية الحشود، الساعة السابعة إلا الربع مساءً، الباب مغلق، وعلى مرمى بصره 4 ضباط، أحدهم يملك كاميرا يصور بها حسب قوله، وأخر أطل عليهم من خلف باب المدرج المغلق، مخبرا أن ينتظروا 5 دقائق، غير أن ما التفت الشاب إلى موضع بصره حتى رأى ''فلام'' يشتعل، ثوان وانطلقت قنابل الغاز، حاولوا الدلوف إلى المدرج، لكن أحد الضباط قال ''أمشوا من هنا بدل ما نزعلكم''، تبعه اندفاع عسكري نحوهم حاملا الهراوة وهو يصيح ''مفيش دخول النهاردة''.
إطلاق قنابل الغاز يتوالى، ارتبك الشاب ومن معه، لأي مكان يفروا إليه، والهلع بادي من موقعهم، لم يكن هناك سبيل سوى الجري عكس الاتجاه، نحو نهاية الممر. المكان خالي ولا زال الصوت يطاردهم، إلى أن هدأ، فعاد بصحبة البعض إلى حيث أتوا، ليجد الجثث الملقاة، السيارات ترفض التوقف لحملها لأقرب مستشفى، لا أثر لسيارة إسعاف، إلا بعد وقت، لم ير غيرها، حسب قوله، دون تفكير حلم برفقة البعض الجثث، الدماء تملأ وجه بعضهم، وأخرين انتفخ بشكل مبالغ فيه، والبعض الأخر ''الريم'' يخرج من فمه، لم يستوعب ''لطفي'' وغيره أن مَن يحملوهم ولا يكبرونهم عمرا قد لفظوا أنفاسهم ''متخيلتش الناس تموت من الغاز''، حتى نظرة سائق الإسعاف ولسان حالها ''الناس خلاص ماتت'' لم يدركها حينها.
مر اليوم العصيب، لكن يوم ''لطفي'' لم ينتهِ، هم الشاب على الفور بالكتابة على صفحته بـ''فيسبوك''، عن تلك المفقودات بالأسماء، فتوالت الاتصالات حتى استطاع توصيل أمانة 4 بطاقات و''فيزا''، يتعجب من أمر ''التذاكر'' الذي يردده البعض كسبب لما حدث، ينظر إلى الهويات التي بحوزته، إحداها من شمال سيناء، وأخرى من الغردقة، والبحيرة، ويتساءل كم تكلف هؤلاء للذهاب إلى المبارة ''يعني هيستخسروا تمن التذكرة''.
تابع باقي موضوعات الملف:
شهداء ''الوايت نايتس''.. السلام أمانة للـ''74'' (ملف خاص)
أمام المشرحة.. أي رعب أكبر من هذا سوف يجيء؟
بالصور: أولها ''غربة''.. وتانيها ''تشجيع''.. وآخرها ''عم أمين مات''
بالصور.. حكاية أصغر شهيدة ماتت في حب ''الزمالك''
مرتضى منصور.. صاحب نبوءة الموت المتحقق "بروفايل"
بالصور.. اللحظات الأخيرة في حياة ''محمد صلاح'' شهيد ''مجزرة الأولتراس''
شريف الفقي.. من الزمالك وإليه نعود "بروفايل"
بالصور.. مصراوي يكشف حقيقة وفاة شقيقين في مذبحتي ''بورسعيد والدفاع الجوي''
بالفيديو.. ''ضياء'' شاهد ''ممر الموت'' في مذبحة الاستاد: الله يرحم اللي عاشوا
أولتراس أهلاوي وزملكاوي: سنظل أوفياء لـ''الدم''
التذكرة.. طريقك إلى الآخرة (بروفايل)
بالصور.. هل ارتكب أبناء ''شبرامنت'' مجزرة استاد الدفاع الجوي؟
أحمد الليثي يكتب.. لماذا قتلت الشرطة ''الأولتراس'' في مصيدة الفئران؟
لمتابعة أهم وأحدث الأخبار اشترك الآن في خدمة مصراوي للرسائل القصيرة للاشتراك ...اضغط هنا
فيديو قد يعجبك: