"حكايات كل يوم" و"الشاطر حسن".. الموهبة تجتاز الشارع
كتبت – يسرا سلامة:
على مسرح الجيزويت بوسط القاهرة، تسلل ما يقارب من خمسة وأربعين طفلا إلى داخل المسرح، حالة تأهب تشتعل في نفوسهم قبل بدء العرض، جاءوا من شوارع عدد من المحافظات جمعهم القدر، وجمعهم لفظ أطفال الشوارع الموصومين به، غير أن الموهبة كانت تسري في دمائهم، ساقتهم الأقدار لأن يكونوا أبطالا لقصص يحكونها على المسرح، لا تختلف كثيرا عن قصص بطولاتهم في الحياة.
"حكايات كل يوم" و"الشاطر حسن".. مسرحيتان تقدمهما مجموعة من أطفال الشوارع، ترعاهم مبادرة فن وحياة، منسقة المبادرة كارولين كمال تقول إن الفكرة بدأت من جمعيتين لرعاية أطفال الشوارع هما كاريتاس وحرية، يتم دعوة أطفال الشوارع للمبيت بهما، ورعايتهما رعاية كاملة، وتقديم عدد من الأنشطة في داخل جدران الجمعية كانت من بينهما ورش للحكي والفنون المسرحية التي تتلاءم مع مواهبهم الصغيرة.
من الإسكندرية والمنيا وأسيوط والجيزة وغيرها اجتمع الأطفال، كان "رأفت البيومي" واحدا من المخرجين الداعين لإخراج ورشة الحكي لعدد منهم، كان ذلك في نهاية يناير الماضي، من الورشة اصطدم رأفت الدارس للفنون المسرحية بواقع هؤلاء الأطفال، والدراما التي تطغى على حكيهم الواقعي، حتى فكر في أن تصبح تلك الحكايات أساس العرض يحكون فيه حكاياتهم، ويسمى "حكايات كل يوم"، يسردون قصصهم مع الشارع وناسه.
دخول مفاجئ في "حكايات كل يوم"، يشبه تماما مفاجأة أن تصبح ابنا للشارع، قدمه أحد أفراد المسرحية، بالحلوى الموزعة على الجمهور من خلف المسرح الغير، الذي عج بالأطفال والكبار، يبدأ العرض في أطفال الشوارع متجولين بين الجمهور ببضاعتهم، وفي مشهد راقص بأحد أغاني المهرجانات، مجسدا الأماكن التي يجتمع فيها أطفال الشوارع، يبدو العمل مبهجا من المشهد الأول، حتى تتضح الدراما، ويتوقف الزمن لدى هؤلاء الاطفال المختلفون في السن، ويصبح لديهم الفرصة بداخل قطار الجلوس وحكي قصص حياتهم، مآسيهم التي يرونها في الشارع، معاملة الكبار، حنين للأهل، أو خطابات لهم، مع نصائح يحملوها إلى كل أب من زوجة غير حنونة، أو عقاب يستسهله الأهل لعقاب طفل ينفلت بعده إلى الشارع.
"العمل دعوة للتصالح بين أولاد الشوارع والجمهور، يكسر فيها الطفل حاجزا بينه وبين مجتمع أصر أن يراه في حاجة للعطف أو منفورا منه".. هكذا تحكي كارولين عن هدف الاعمال المسرحية المقدمة من هؤلاء الأطفال، والتي تقدم للعام الثاني على التوالي، وقد قدم العرض في الاسكندرية والمنيا، عقب سلسلة ورش فردية متنوعة.
إشارة إنذار يوجهها الأطفال أيضا من خلال عملهم، خاصةً للأسر التي تحضر العروض، هكذا يقول المخرج رأفت عن "حكايات كل يوم"، كما لا يقيم الأطفال وفقا لمعيار فني وتمثيلي، قائلا أن الواقعية هى ما تغلب على تلك الحكايات، مقدمين شخصيتهم الحقيقية إلى الجمهور، ورافضا لوصفهم بأطفال الشوارع، لكنهم أطفال معرضين للخطر، يحلم أن يخرج منهم ذات يوم ممثلا يكسر القواعد النمطية للنجم، ضاربا مثال بالممثل شارلي شابلن، اليتيم المحقق للكوميديا الصامتة، ومنتقدا نماذج سيئة قُدمت عن هؤلاء الأطفال، يسردها أحد الأطفال عن تقليده لمشهد "تثبيت" من محمد رمضان في فيلم الألماني، ليقول رأفت "إحنا اللي بنقدم نماذج سيئة عن سلوك إحنا كمجتمع فرضنا على أطفال معرضين للخطر".
لا يبدو الحكي عن قصة عاشها "علي عادل" أمام الجمهور أمرا سهلا، الأمر وإن كان واقعيا يحتاج فيه إلى بروفة، يقول ابن السادسة عشر عاما أن كل شخص يسرد على المسرح ما بداخله، يحكي تجربته بكل ما فيها، وما يتمنى أن يرسله إلى أبويه أو ذويه من أهله، حرارة في رد الفعل بين تعاطف وتشجيع يراها علي تلمع في أعين المشاهدين بعد العرض، وللعرض أيضا يتنقل "علاء أحمد" -11 عاما- بين بلدته كوم الدكة في المنوفية والعرض، حكائا لتجربته، لم يترك فيها المنزل رغم نزوله الشارع.
وجه آخر يقدمه الباقية من أطفال الشوارع في عرض "الشاطر حسن"، لا يظهرون فيه بوجوههم، لكنهم محركين لعرائس ماروينيت تجسد أحد القصص الخيالية من تأليف صلاح جاهين، وموسيقى وألحان محمد شحاتة، وتصميم عرائس محمد الإيكابي، وتنفيذ عرائس عمر بدران وعلاء فايد، وإخراج وصال عبد العزيز، وتمثيل وتحريك أطفال المبادرة.
القصة الخيالية تنسج من البطل الشاطر حسن والغولة والأسماك التي تتكلم قصة ترسم البهجة للأطفال من جمهور الجيزويت، يتولى الأطفال تحريك العرائس في الظلام، وتظهر الإضاءة تلك العرائس فقط بأشكال ملونة ومبهجة، وبقصة يقول فيها الشاطر حسن أو أحمد محمد أن الحكاية من الخيال، لا يفضل أحمد 14 عاما المسرح على هوايته الأولى كرة القدم، قائلا "بحب نادي سموحة أكثر من المسرح"، يحمل الطفل شكرا إلى المخرج الذي اختاره في أدوار البطولة لمسرحيات عدة وهو المخرج الراحل محمد عبد القادر "اختارني لمسرحية حلمي حلمك واحكي يا مدينة، ومسرحية تحكي قصة طفل البطاطا باسم لما اتقابلنا".
فيديو قد يعجبك: