جربت تشتغل عسكري مرور؟
كتبت – يسرا سلامة:
من أمام كلية الفنون التطبيقية بالقرب من حرم جامعة القاهرة، كان "أسامة هشام"، طالب الثانوية العامة، يحرك بيده الإشارة لوقف حركة السيارات، بالتنسيق مع زميل آخر له، يعرف أنه حان موعد فتح الإشارة، ويقلد تماما إشارات عسكري المرور، وتسمح للسيارات بالمرور من أمامه، معرفا نفسه بابتسامة مجرب "إحنا أصدقاء المرور".
تجربة "أصدقاء المرور" أطلقتها وزارة الشباب والرياضة في محافظة الجيزة لأول مرة بالأمس، بعد أن تم تقديم التجربة سابقا في محافظة الإسكندرية والإسماعيلية، تستعين المحافظة بالتنسيق مع مديرية الشباب والرياضة بها بعدد من الشباب من الثانوية العامة والجامعة، وفقا لمدير مديرية الشباب بالمحافظة أحمد صالح، فإن عدد الشباب والفتيات يصل إلى 50، يتم تقسيمهم إلى فترتين؛ الأولى من التاسعة صباحا إلى الثانية، والأخرى من الثانية إلى السابعة مساءا.
شباب المبادرة.. "استبن"
من داخل الجوالة في مديرية محافظة الجيزة، سنحت الفرصة لـ"أسامة" للدخول لهذه المبادرة، تدريب خضع له جميع الزملاء في الإدارة العامة لمرور الجيزة، استمر يومين، تعرف فيها الشباب على قواعد العمل كعسكري مرور، كانت نقطته محلا لتفتيش من وزارة الداخلية في أول يوم، بعد لقاء المجموعة بالمحافظ خالد زكريا العادلي، الذي قدم لهم الدعم بأن يستمع لمقترحاتهم أثناء التدريب وبعد انتهاءه، يذكر من النصائح التي أخذها ألا يحدث الناس بعصبية، والتنبيه أن مشاعر السائقين تحت درجات الحرارة الزائدة والزحام تحتاج منه –كعسكري متدرب- ألا ينفعل.
"أنا استبن".. يقولها أسامة ضاحكا، وواصفا لحاله مع عسكري المرور الأصلي في الإشارة، لا يعتبر الشاب أن وقوفه بجانب العسكري نوعا من التحدي لوظيفته الأصلية، بل يتعلم منه، وأيضا فرصة لأن يعطي له قسطا من الراحة، "ساعات بيكون في وقت تبديل فترات بين العسكري وزميله، إحنا بنساعدهم".
"وديتوا العساكر فين؟"
حالة من الإيجابية رصدها "أسامة" لدى الركاب، لكن عدد قليل من قائدي المركبات كانوا يبدون استغرابا من موجود مدنيين وليسوا شرطيين يؤدون تلك المهمة، الأمر الذي قاله أيضا الطالب بالفرقة الأول لكلية الحقوق "ياسر محمد"، مضيفا أن عدد من الركاب كان استغرابهم يبدوا في أسئلة مثل "وديتوا المرور فين؟" أو "هى العساكر فين؟" أو "أنتوا إزاي مدنيين وبتنظموا المرور؟".
يجد ياسر أن هذا التدريب فرصة لمعرفة كيف ينظر الناس لرجل المرور، يقول "وأنا دايما بكون راكب بتضايق لو الإشارة قفلت عليا.. لكن لما وقفت مكان عسكري المرور حسيت بالتعب اللي بيحسه"، ليضيف الشاب أن صورة لرجل الشرطة –حتى في إشارة المرور- لم تكن مائة بالمائة إيجابية بعد ثورة يناير، ساعات الحر والزحام وألم القدم كما يقول "أسامة" من تجربة أول أيام عسكري مرور، لا تخلُ أيضا من خبرات تعلموها من ضباط المرور في المنطقة.
لا يعتبر ياسر تلك التجربة تؤثر على الدراسة التي ستبدأ خلال أيام، يقول أن دراسته في الجامعة نظرية، وأن الشهر الأول مفتوحا للأنشطة الطلابية، بجانب أن ذلك التدريب جزءا من خدمة المجتمع وتنميته، وهو ما تعلمه كقائد لفريق الكشافة في مديرية الشباب والرياضة بالجيزة، كما لم تكن أيضًا عائقا لأسامة الذي بدأ دروسه الخصوصية، قائلا "الدروس أغلبها بالليل، والتدريب في النهار".
التدريب في "دنيا العساكر"
الزحام الذي يشتد في ساعات متتالية على محافظة الجيزة في بعض المناطق، ليس بعيدا عن الشباب، الثلاثة من سكان مدينة الهرم، ويشعرون أن الزحام يحتاج إلى نظام، يقول الطالب بالثانوي، والمشارك في المبادرة خالد محي إنه لا يهم من ينظم عسكري أو متدرب، "المهم النظام موجود"، رغم الإرهاق الذي بدا عليه، إلا أن حالة من الخبرة عن "دنيا العساكر" قد نمت خبرتها له عقب ساعات من التدريب.
يرى خالد التجربة كواجب وطني، وخدمة اجتماعية يقدمها الشباب لبلادهم في إجازة الصيف، يمزح عند سؤاله عن الحر في الشارع قائلا "كله عشان مصر"، يرى أن حركة الشارع المزدحمة لا يمكن أن تترك لعسكري مرور واحد في إشارة النهضة، والتي تتقاطع فيها ثلاثة اتجاهات للسير، يردف خالد أن حيوية الميدان تفرض عليهم في التدريب التركيز، والتوازن بين تلك الاتجاهات الثلاثة، وألا يترك اتجاه يقف طويلا على حساب اتجاه آخر.
لا يتوقف مكان التدريب على ميدان النهضة بالمحافظة، لكنه أيضا بميادين الجيزة ومصطفى محمود والكيت كات وحديقة الأورمان والشهيد عارف وتقاطع لبنان مع شارع شهاب وأمام ديوان عام محافظة الجيزة، حيث أكد محافظ الجيزة أنه لمس اهتماما واضحا من هؤلاء المتدربين، مؤكدا وفقا لبيان صادر من المحافظة أنه سيكون لهم دور مهم في الحركة المرورية.
إشارات ضوئية أم "حمل ع العسكري"؟
الزي الموحد الذي يرتديه الشباب كان أيضا محط تساؤل من الركاب، يقول خالد إن أحدهم تسأل "هو لبس الشرطة اتغير ولا إيه؟"، تعليقا على الكاب الأزرق والبنطلون الجينز والقميص اللبني الذي يرتديه الشباب، بالإضافة إلى اقتراحات يتمنى الشباب أن يسمعها المسؤولين بالمحافظة، مثل تشغيل الإشارات الضوئية، والتي لا تعمل، معتمدين على حركة "أشرجي المرور"؟.
يؤكد المتحدث باسم محافظة الجيزة أسامة الخطيب أن المبادرة تهدف لتدريب الشباب، ولتشجيعهم على الخدمة المدنية، في مقابل أجر رمزي بقيمة 20 جنيها لليوم لكل شاب، مضيفا أن فترة التدريب ستستمر شهرين، بجانب توطيد علاقة الشباب بالشارع، وهو ما أكد مدير المديرية على فكرة التلاحم مع الناس، وأن يكون هؤلاء الشباب وسيطا بين المواطن والشرطة المصرية.
الحماسة تتحدى الخبرة؟
الأمر لم يكن تحدي لـ"حامد" عسكري المرور ابن الواحدة والعشرين عاما، تعرف على الشباب ووجد أنهم يملأوهم حماسة للعمل، لم يحتملوا إجهاد النهار والزحام وأصوات الكلاكسات، لكنهم "هيتعودوا على الموضوع في التدريب"، ويساعد الشباب "حامد" في تطبيق القانون داخل الإشارة.
"محتاجين توجيهات كتير".. هكذا كان تعليق مساعد الشرطة مصطفى عبد اللطيف، والموجود بالإشارة بزيه الرسمي، وموجها الدعم لعساكر المرور، بين تقطيعات لاسلكي يحمله، يذكر أن الحماسة –بطبيعة الحال- أكثر من الخبرة، مضيفا أن الركاب والسائقين لم تعتاد أن يوجه لهم الإشارات شخص مدني، مضيفا "إحنا عينا عليهم"، كما أن العربات التي تكسر الإشارة يساعدون في نقل أرقامها إلى الدفاتر في يد الضباط.
استمع عبد اللطيف إلى الشباب منذ بداية التدريب، مضيفا أن المقترح بتشغيل الإشارات الإلكترونية كان أحد ما قاله الشباب، مردفا أن الإشارات تعمل في المساء، لكن "بتريح بالنهار"، بالإضافة إلى أن الزحام يفضل أن يعمل العساكر حتى لا تطيل الإشارات من وطأة الزحام على مناطق أخرى.
فيديو قد يعجبك: