"اتعلم حاجة جديدة وساعد الناس".. النور مكانه في "مشكاة"
كتبت-دعاء الفولي:
جلس أربعة أصدقاء يتحدثون عن حلم يبدو بعيد المنال "إزاي نجمع ناس كتيرة في مكان واحد عشان يساعدوا بعض وكل حد عنده خبرات يقدمها؟" ذلك هو السؤال، رغبوا أن يبدأوا مكان يجمع من يشبهونهم، ومن هم مختلفين عنهم بشرط ألا يؤدي الاختلاف إلا إفساد مناخ الحوار، أطلقوا على مشروعهم اسم "مشكاة"، قالوا للسائلين عن نشاطهم، إنهم "مساحة عمل مشتركة" تستخدم أدوات عدة لتقريب الأشخاص من بعضهم، على رأسها الفن.
"كنا عايزين مكان نقعد ونتقبل فيه بعض ونخدم بعض"، قالت شيماء إمام، مؤسسة الفكرة مع شروق غلاب، تريد الفتاتان أن تؤثران على المجتمع من خلال أنشطة "مشكاة"، التي تختلف من شهر للآخر، وتتطوع أحيانا طبقا لرغبات المتابعين على صفحة فيسبوك. بدأ المكان في العمل بيناير الماضي بعد ثلاثة أشهر من البحث عن شقة مناسبة. جلسات الأصدقاء أسفرت عن أفكار كثيرة، غير أنه لم يستمر في المشروع سوى الصديقتان "احنا بننظم إيفنتات وبننضف المكان وبنديره ماديا وبنعمل كل حاجة بإيدنا لأننا لسة بادئين".
بطرق بسيطة استطاعت الفتاتان جمع الشباب "أول حاجة فكرنا فيها هي الأفلام.. ليه منتجمعش ونتفرج على فيلم سوا ونتناقش فيه"، لذا أصبح الخميس من كل أسبوع هو ميعاد مشاهدة فيلم جديد "أحيانا بتبقى أفلام خفيفة لمجرد إن الناس تنسى ضغط الشغل بس"، ومع الأفلام بدأ التفكير في ما قد يحتاجه بعض الشباب ليذهبوا لمشكاة "بدأنا تعليم لغات وبقى عندنا تعليم كمان وبيانو ودروس تفصيل وورشة عن التسويق وورش تانية".
الأمور في "مشكاة" ليست معقدة، فاللغة الإنجليزية كمثال لا يتم تدريسها بطريقة جامدة، بل يجتمع الراغبون مع الشخص الذي سيعطي الدورة ليتبادلوا الأحاديث فقط "حتى إحنا مسمينه نادي الإنجليزي مش كورس"، كذلك فهناك ورشة اليوم الواحد "زي ورشة للعروسة الشراب للبنات الصغيرين أو تصوير أو إزاي تبدأ مشروع خاص بيك"، بالإضافة للأنشطة الثقافية كالندوات، و"قعدة المزيكا" وهي حفلة صغيرة كل شهر يعزف فيها أحدهم على العود ويغني من التراث "فيه ناس ثابتة بتجيلنا كل شهر عشان القعدة دي".
بداخل شقة في حي المنيل، تجري أنشطة "مشكاة"، للمكان روحه التي لا يمكن إغفالها؛ ثمة ورقة مُعلقة بأكثر من غرفة توضح للموجودين قواعد المكان بطريقة خفيفة "الناس متحبش حد يديها أوامر"، كما أن الحميمية هي أكثر ما يحرص عليها صاحبتا المشروع "عشان كدة مثلا احنا معندناش حد بيخدم حد اللي عايز كوباية شاي يقوم يعملها"، غير أن التعليمات صارمة كذلك "مترميش زبالة.. متكتبش على الحيطة..اطفي النور وانت خارج من الأوضة".
أربع غُرف رئيسية هي الحاضنة لأنشطة المكان، أولاهن "الساحة"، وهي أشبه بالمقهى الشعبي، به أكثر من منضدة ومقعد، زير، قُلل، ومفارش عربية، هي غرفة للراغبين في العمل، لكنه لا يتسم بالازدحام كالمقهى.
رغم مساحة المكان الصغيرة، غير أن إمام وغلاب تحاولان استغلاله بطريقة ذكية "في الامتحانات بنقول للناس ييجوا يذاكروا عندنا طول اليوم من 10 الصبح لعشرة بليل ويدفعوا عشرة جنيه"، أما "الساحة" فليست وحدها التي تسع من يريد الهدوء، فُهناك غُرفة مفروشة بالسجاد الأخضر وبها مناضد قصيرة أشبه بـ"الطبلية"، ومخدات للجلوس، أطلقت عليها الفتاتان اسم "العطفة"، إذ يتعين على دالفيها ترك حذائهم في الخارج "عشان الناس تحس إنها في بيتها".
هناك أيضا "المشربية" و"الإيوان"، اللتان تُقام بهما أغلب الأنشطة الجماعية، أما خارج الغُرف فثمة مجموعة من الكتب المُستعملة، والمطروحة للبيع بأسعار زهيدة، ومُلصق كُتب عليها "نفّع وإستنفّع"، أسفله كراسة صغيرة يكتب فيها المترددون على "مشكاة" ما يريدوا أن يتعلموه، وما يستطيعون تقديمه، مع ترك وسيلة لتواصل الآخرين معهم لتبادل الخبرات.
في الأونة الأخيرة بدأ المشروع الطموح يقف على قدميه "لحد قريب كنا بنصرف عليه من جيبنا" على حد قول إمام، غير أن المشاكل المادية لم تنتهِ تماما، فهما تفعلان كل شيء بأيديهما، ولا تستطيعان إحضار من يساعد "لأننا مش هنعرف نديله فلوس"، في المقابل لا يتقبل البعض واقع أن تدير فتاتان مكان متنوع الأنشطة، بجانب عملهما الذي ينتهي في السادسة مساء، إذ تخرجتا في كلية الصيدلة، جامعة القاهرة منذ عامين.
منذ بزوغ "مشكاة" حاولت غلاب وإمام التواصل مع طبقات مختلفة من الشباب، سواء طلاب أو خريجين "نزلنا للجامعات أول ما بدأنا"، ثم اتسعت دائرة المعارف من خلال الأنشطة. نظرات الارتياح والإعجاب بالمكان في أعين من يأتون تستحق الإرهاق والضغط اليومي على الصديقتين "الناس بتقولنا إن المكان فيه روح"، بالإضافة للدعم الذي تتلقياه الفتاتان من الأماكن التي تُقدم خبرات أخرى "بنتبسط إن حد يقولنا إنتوا عندكوا مقر واحنا عندنا حاجة نقدمها فنشتغل سوا"، تشعر إمام حينها "إننا مبننحتش في الصخر لوحدنا وإن فيه زينا كتير عايزين يعلموا حاجة"، الصورة التي رسمتها الفتاتان للمشروع تتسع لأكثر مما تم إنجازه حتى الآن، فصاحبتا المشروع تسعيان للكمال.
فيديو قد يعجبك: