بالصور- "قرى السيول".. لا تُعرف إلا في الكوارث
كتب- محمد مهدي:
المفاجأة كانت قاسية، في ساعات قليلة أغرقت السيول قرى بسيطة هادئة في محافظات مختلفة، دفعتها إلى مرمى الخطر بغتة، غرقت عن بكرة أبيها دون نجدة، فزع ملأ المكان، هرول البعض أملًا في النجاة، فيما تصدى آخرون بشجاعة للكارثة، أقاموا حواجز، نقلوا الضحايا -22 قتيلا و72 مصاب- أنقذوا ما يمكن لحاقه، قبل أن يظهر المسؤولون ومن بعدهم وسائل الإعلام لإلقاء نظرة على ما جرى معهم ومساعدتهم. عدد من هذه القرى المتضررة لم تحظَ من قَبل بهذا الاهتمام، ويرفض أهلها حصر مشاكلهم في "السيل" فقط.
رأس غارب-البحرالأحمر
بين شوارع مدينة "رأس غارب" بمحافظة البحر الأحمر، يتحرك الشاب العشريني "مُحمد أحمد"، أحد أبناء المنطقة، الحزن لا يفارق عيناه نتيجة لما جرى في المكان "الوضع مأساوي لأبعد الحدود"، بالطبع أفضل من الأيام الماضية، لكن آثار الدمار لم تفارق البيوت والمنشآت، يتعجب من الإهمال الذي حوّل منطقة بترولية تمد البلاد بنصيب كبير من البترول إلى ريشة في مهب السيول.
يقول أحمد-الذي يعمل في إحدى شركات المحمول- إن المنطقة مُعرضة في كل عام لوقوع أزمة، وتم التواصل مع مجلس المدينة قبل وقوع الحادث بأيام لوضع خطة لحمايتهم من مجرى السيل، غير أن المسؤولين لم يستجيبوا لهم مؤكدين أن فترة السيل ستمر دون أزمات.
الهدوء هو سمة المكان منذ أن وعى "أحمد" على المكان، الحياة تدور بالجهود الذاتية، مثل ما حدث خلال أزمة السيول، لم يأتِ إليهم أي مسؤول منذ سنوات عديدة "دي أول مرة نشوف فيها المحافظ"، ولم تقع تحت أنظار الدولة منذ وقت طويل "أنا فاكر إننا انتظرنا المحافظ يفتتح مستشفى عندنا لـ 6 شهور. وفي الأخر مجاش فشغلناه احنا".
البلد الصغيرة، ممتلئة بشركات بترولية حكومية وخاصة، يعمل بها عدد من شباب "رأس غارب"، لكن الأوضاع تأزمت في الآونة الأخيرة بعد تراجع أسعار البترول-وفق محمد- لتضع الشباب وجه إلى وجه مع كابوس البطالة "البلد نايمة، واللي بيتاجر في السوق الدنيا وقفت معاه".
أمام منزله وقف "حسام موسى" بين عدد من رجال "رأس غارب"، عاد توا من منزل والده البعيد عن محيط الحادث بعد أن ترك أسرته هناك خوفًا من تعرضهم لأي أذى، قضى الرجل الأيام الأخيرة بين أبناء المكان يحاولون إنقاذ الوضع بإمكانياتهم المحدودة "اللي ساعد هنا هما أهالي البلد وشبابها وبس، محدش عملنا حاجة" يذكرها الرجل بحزن.
يعتقد حسام أنه كان يُمكن تفادي نصف الخسائر التي وقعت في "رأس غارب" في حالة وجود استعدادات حقيقية من المحافظة والمحليات، وهو ما لم يحدث "لكن كل سنة وأنت طيب هتقول لمين" يُشير إلى الأهالي تقدموا بطلب عام 2014 للمجلس المحلي لتشق مجرى سيل حول البلد لكن لم يتم البت فيه.
ساقلته-سوهاج
الغضب وحده هو ما يتملك الحاج "نور صابر" -صاحب الخمسين عاما- من مركز ساقلته بسوهاج، كلما تذكر الأيام الصعبة التي قضاها مع جيرانه "البلد متدمرة، مكناش عاملين حسابنا. محدش قالنا إنه فيه سيول جايه" يُلقي اللوم على الحكومة التي لم تستعد للحادث أو تنقذهم عند وقوعه "احنا اصلًا معندناش خدمات في البلد من أساسه".
الحاج عبداللطيف فؤاد، صاحب أراضي تضررت من جراء السيول، يجلس بالقرب من أرضه، قلبه يأن من الحسرة، يُدهشه الاهتمام غير المسبوق بقريته-على حد تعبيره- إذ يرى أن المنطقة لم تشهد هذا الحضور من المسؤولين ومحاولة التخفيف على الأهالي من قَبل "يمكن عشان التلفزيون اتكلم عن السيول، فكل محافظ بقى متورط إنه يهتم بالي بيحصل".
ساقلته تعاني من الإهمال -وفق عبداللطيف- لم يُفكر أحد في بناء سدود جيدة بدلًا من الخَربة المتاحة لوقف السيل إن حضر، بعد أن غرقت القرية في عام 1994، وتعرضت للخطر ذاته في 2012 "كان مفروض تتحل المشكلة من وقتها".
لا تقتصر المشاكل في "ساقلته" على وقوع السيل، المرضى يعانون من عدم وجود رعاية صحية كافية "الوحدة الصحية ليها أكتر من 3 سنين مفيش طبيب مُقيم"، بها تجهيزات عديدة لكن عدد الأطباء المختصين غير كافي "فيه أجهزة بس مفيش دكاترة".
يستغرب عبد اللطيف ممن يوجهون اهتمامهم شَطر حادث السيول وفقط، يقول إن "ساقلته" تحتاج إلى مياة نظيفة للشُرب "لو حللت الميه هتلاقيه غير صالحة للاستخدام الآدمي"، يُدلل الرجل على حديثه بأنه المياه تخرج من الصنابير في بعض الأوقات قاتمة اللون.
لا يريد الرجل الأربعيني أن ينتهي ذِكر القرية بعد انتهاء السيول "هنتنسي تاني، والمحافظ جيه عشان الاحتقان لكن مش هيكمل المساعدات"، يريد مساعدة في إصلاح الطرق والصرف الصحي فضلا عن ضرورة وجود نقطة مطافي داخل المكان "المطافي عقبال ما بتجيلنا من المركز بتكون الحريقة بهدلت الدنيا وطفيناها كمان".
عرب مُطير- أسيوط
الوضع لا يختلف كثيرًا في عُرب مُطير بأسيوط، إحدى القرى المتضررة من السيول، المهندس حامد عبدالوهاب، أحد أهالي القرية، يُعدد المشاكل ذاتها المنتشرة لديهم قبل الحادث الأخير "مطافي بعيدة، مية شُرب مليانة أملاح زايده، طُرق صعبة ومفيش مواصلات معتمدة بخط سير".
قبل أن تتوارى القرية من جديد عن الأنظار، يتمنى "حامد" أن تجد الحكومة حلًا للصرف الصحي في عرب مُطير "كلنا شغالينا على الأبيار، ودي بتتحفر وبتوصل للمياه الجوفيه اللي بنشرب منها!"، فضلًا عن البطالة المتأصلة في المكان بين الشباب "مفيش عندنا صناعة ولا وظايف والجزء الزراعي مش كبير" لذلك يلجأ معظم للسفر إلى الخارج.
اختزال مشاكل البلد في السيول فقط، هو أمر يؤلم الأهالي في "عرب مُطير"-بحسب حامد- يرغبون في إزالة أثاره والتخلص من تفاصيله المُرعبة، لكنهم في الوقت نفسه يحلمون بمد يد العون لإنقاذ المكان من عثراته مضيفًا:"محتاجين منظومة متكاملة".
فيديو قد يعجبك: