على بعد 70 كم من القدس.. كنائس فلسطين تؤذن بأيدي "لينا"
كتبت-إشراق أحمد:
لم تزر فلسطين قط. لكن حال المُهَّجرين، لم تنقطع لينا أبو جرادة عن أرض الأجداد، ومِثل المقيمين اتخذت لها سلاحا للمقاومة، لذا حينما أعلنت إسرائيل عزمها إقرار قانون لمنع الأذان في القدس وأراضي 48، واحتجت الكنائس الفلسطينية على ذلك بإعلاء الأذان، امسكت الفتاة العشرينية جهاز الكمبيوتر الخاص بها، ورسمت ما استشعرته، لتشارك الجموع الغاضبة من تعسف الاحتلال، عابرة برسمها نحو 70 كيلو متر، من عمان حيث تقيم، إلى القدس عاصمة الوطن المستعصي عليها بلوغه.
مأذنةُ مسجدٍ بوجه حزين، يكتم علم إسرائيل أنفاسها، بينما يحكم ربطه رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، فيما يجاورها قبة كنيسة، ارتسمت وجه التحدي وهي تصيح "الله أكبر"... ذلك الرسم الذي نشرته أبو جرادة يوم السبت المنصرف. "بعد ما شفت تصميم وعزيمة الشعب الفلسطيني قررت أعمل شيء" قالت الفتاة الفلسطينية المقيمة بالأردن، معبرة عما تابعت من أخبار الالتفاف ضد ذلك القانون بإعلان كنائس فلسطين التضامن مع المسلمين.
كان الكنيست الإسرائيلي قد شهد الأحد المنصرف 13 نوفمبر الجاري، موافقة اللجنة الوزارية الإسرائيلية لشؤون التشريع على مشروع قانون منع الأذان عبر مكبرات الصوت في مساجد القدس وأراضي 48 المحتلة، بزعم أنه "يزعج المواطنين الإسرائيليين ويسبب أذىً بيئيًا". وهو ما أثار غضبا داخل فلسطين، بلغ ذروته مطلع الأسبوع الحالي، مع إعلان أطراف من الحكومة الإسرائيلية التمسك بعرض القانون على الكنيست للموافقة عليه ومن ثم إقراره.
الثلاثاء المنقضِ عرفت أبو جرادة نبأ الإقدام على منع الأذان، تابعت ردود الفعل "وكِيف المسيحيين حكوا راح نأذن من كنائسنا"، تشبعت بقراءة التعليقات والمقاطع المصورة المرتبطة بذلك، ثم عزمت الرسم. منذ الصباح حتى مساء ذلك اليوم عكفت على اللوحة.
في المرحلة الثانوية عرفت الفتاة طريقها إلى تخصيص الرسم من أجل القضية الفلسطينية، وبالسابق كانت ترسم المناظر الطبيعية وغيرها، لكن معلمة لها التفت إلى موهبتها، وشجعتها على المشاركة في مسابقة تُخصص كل عام للرسم عن فلسطين تسمى "ملتقى القدس"، حينها فازت رسمتها بالمركز الثاني. "حسيت وقتها كم قيمة الفن وكيف اقدر ارسم أشياء مهمة" قالت أبو جرادة بينما تستعيد لحظة توسم معلمتها بأنها ستصبح من الفنانين الفلسطينيين العظماء.
واصلت أبو جرادة تنمية شغفها بالرسم، حفظت تاريخ تهجير عائلة أبيها من يافا عام 1948، وإقامتها في نابلس حتى عام 1967، ثم الهجرة إلى الكويت، حيث التقى أبيها بوالدتها المهجرة عائلتها هي الأخرى من جنين، لتستقر الأسرة في الأردن بعد حرب الخليج، ومنها إلى أمريكا ثم عمان مرة أخرى. صحبت "لينا" فلسطين كرفيق عمر، وحينما حثها زملاء الجامعة على إظهار موهبتها، أنشأت صفحة لرسوماتها على فيسبوك عام 2013، وضخت فيها ما ينبض عن الأرض التي لم ترها إلا بالصور.
الانتفاضة، ذكرى النكبة، صابرا وشيلا، الأسير محمد القيق، مقاطعة إسرائيل، طفل الدوابشة وحرق أسرته.. نماذج عديدة لرسوم طالبة الهندسة، منها ما بلغ صيته حد النشر في المواقع الصحفية، لكن تقنية رسم منع الأذان جاءت مختلفة "هاد أول رسمة ارسمها ديجيتال" قالت أبو جرادة، موضحة سبب استغراقها يوم كامل حتى خروج الصورة.
استغنت الفتاة عن الورق الأبيض للمرة الأولى، امسكت جهاز "التابلت" الخاص بها، ولم تغادره إلا بانتهاء الرسم، وإضافته إلى صفحتها الخاصة على فيسبوك، ثم نامت واستيقظت مغادرة مباشرة إلى جامعتها.
ساعات قليلة انتشر بها رسم الفتاة الفلسطينية. انشأ الرافضون لقانون منع الأذان هاشتاج "لن تسكن المآذن" واقترنت به صورة أبو جرادة، فضلا عن نشر شخصيات عامة لها، واتخذها بعض الفلسطينين صورة لهوية صفحته على فيسبوك "لما روحت الجامعة أصدقاء حكوا لي رد الفعل وهاد بسطني وأذهلني" كذلك عرفت أبو جرادة تبعات رسمتها.
لمست الفتاة العشرينية اختلاف في رسم منع الأذان دون غيره من رسوماتها المتناولة للشأن العربي أيضا "الناس دوغري تفاعلت"، وهو ما وجدته تحقيق لما أرادت إظهاره عن "كِيف الشعب الفلسطيني واحد والمحبة بين المسيحيين والمسلمين ما بتلاقيه بكل مكان وهو شئ لازم نقتدي فيه لأنه بالوقت الحالي الشعوب العربية في كتير أشياء بتقسمها".
تعتري أبو جرادة السعادة، في كل مرة يصلها رد إيجابي عن رسوماتها لفلسطين، فالرسم بالنسبة لها "المقاومة الوحيدة اللي بقدر اعملها من هون" حسب وصفها. تستشعر أهمية ما تفعل خاصة حين يراسلها أجانب، لم يكن يعلمون شيئا عن القضية الفلسطينية أو عندما يخبرها أحدهم أن رسمها غير وجهة نظره أو أضاف له إحساس مختلف.
يزيد عزم الفتاة مع كل لوحة، لتحقيق حلمها بأن يصبح الرسم مهنتها، وتجوب البلدان لعمل معارض بكل العالم تحكي فيها عن قضية فلسطين، وتصبح من الملهمين المقاومين بالرسم كما قالت، لكن هذا يسبقه حلم لا يفصله سوى أمتار. تتمنى فلسطينية الهوية لو استطاعت يوما رسم المسجد الأقصى وبحر يافا. أن تراهم مرأى العين وليس من خلال صور "يعني أكبر حلم هو أني أزور فلسطين".
فيديو قد يعجبك: