"حور" تموت مرتين.. مرة بالسرطان وأخرى بـ"قرارات الدولة"
كتبت – يسرا سلامة:
روح هائمة، منطلقة، ابتسامتها لا تفارق شفتيها، تنم عن الرضا بعد المرض الذي أحل بجسدها، الدواء عز عليها بعد ان استوطن السرطان بجسدها قرابة ست سنوات، "حور سعيد إبراهيم"، تبلغ من العمر إحدى وأربعين عاما، تسخر من الألم بخفة الدم، ومن المرض الخبيث بالشعر، حتى وافتها المنية الأثنين الماضي، بعد أن رفضت إدارة المجالس الطبية في آخر خطاب لها بتاريخ 23 مايو 2016 ما قدمته حور بطلب للعلاج على نفقة الدولة.
"الرجاء عدم إهدار وقت المجلس في إرسال طلبات غير مستوفاه، الحالة لا ينطبق عليها بوتوكول العلاج المطلوب، تم تشخيصها في 11-2014 تحت العلاج التدعيمي".. هكذا جاء رد المجالس الطبية رسميا في يد المريضة التي تعيش في العصافرة بمحافظة الاسكندرية، كانت آخر ورقة تتشبث بها قبل أن يواريها التراب، انتقلت بها إلى عالم مواقع التواصل الاجتماعي تطلب دعمها من أجل علاجها على نفقة الدولة، لكن القدر كان أسرع من أي استجابة.
"حور" ليست الفتاة الوحيدة التي تعاني من السرطان، وتطلب العلاج على نفقة الدولة من أجل العلاج مرة أخرى، فبحسب "فاطمة الفقي" صديقتها في طريق العلاج من السرطان، وفاطمة مُصابة بسرطان الدم، هناك الكثير من السيدات والرجال يحصلون على "فرصة واحدة فقط" للعلاج على نفقة الدولة من مرض السرطان من خلال الدعم، لكن هذا الدعم يسقط فور أن يعود السرطان مرة أخرى.
تروي فاطمة قصة تعارفها بـ"حور" منذ قُرابة السنة، من خلال الجمعية المصرية لدعم مرضى السرطان، والذي تقدم الدعم النفسي للمرضى، في كواليس لقاء تلفزيوني للقناة الخامسة بمرضى السرطان، لقاء جمع صداقتهما أيضا في الطريق إلى العلاج لمستشفى "أيادي المستقبل" الخيرية، والتي تقدم الدعم ليس للمرضى الفقراء فحسب، ولكن غير القادرين ممن يملكون قيمة العلاج لكن ليس كل القيمة "الجلسة الواحدة بألآفات، والمستشفى بتساعد كل المرضى، أقل جلسة بتوصل لألفين جنيه للمريض الواحد".
تصاحب الفتاتان سويا في المرض وفي العلاج، وأيضا في التوعية ضد السرطان الذي ينهش في أثداء النساء، حيث وزعا سويا الشعار الذي يدافع عن القضية، والمتعارف باللون البمبي، فوفقا لإحصائات عالمية، تصل نسبة الإصابة بسرطان الثدي إلى سيدة من كل 8 نساء على مستوى العالم، وتصل نسبة الشفاء إلى 98% إذا ما تم الكشف المبكر.
حُرمت حور من الإنجاب، كان ذلك سببا لطلاقها الأول، وأصبح السرطان سببا في طلاقها من زيجتها الثانية، عقب عمليتين أزالت منه أجزاء من السرطان، لم تتوقف عن المطالبة بالعلاج حتى أيامها الأخيرة "للأسف الرد جاه بالرفض وكمان متأخر قوي، أنا حاليا باخد علاج بديل لكن مفعوله بطئ جد، بس الشفا في الأول والأخر من عند ربنا وأنا واثقة إنه هايقف جمبي ويشفيني إن شاء الله"، كانت آخر كلمات كتبتها حور في 16 يونيو الجاري قبل وفاتها بثلاث أيام.
"ايه يضمن إنك لما تاخدي العلاج هتخفي؟".. رد آخر ذكرته "فاطمة" لـ"مصراوي" قيل لإحدى مريضات السرطان، بعد الرفض للعلاج على نفقة الدولة، تروي المريضة "الجلسة الواحدة المدعمة على نفقة الدولة تصل إلى 8 آلاف جنيه بالدعم، والتي تصل قيمتها الرئيسية إلى 15 ألف جنيه".
كانت تتمسك حور بالحياة، رغم انتشار مرض السرطان في رئتها ثم إلى الصفائح الدموية، الطبيب "أحمد عبد الرحمن" بالمستشفى الخيري طلب منها نخاع العظام لتحليله، ليُثبت وصول السرطان إلى العظم، وفي شهرها الأخير وصل المرض الخبيث إلى الكبد قبل ثلاثة أيام من وفاتها، وفي أول مارس ذكرت تحاليلها إلى اشتباه في لوكيميا "سرطان الدم".
في أيام حور الأخيرة، وصل الألم إلى مداه، لم تعد تحتمل، ليكتب لها الأطباء على علاج ترامدول لتسكين الألم الشديد بالعظام، تتذكر فاطمة آخر مرة تمسك حور بيديها وتشد عليها من قسوة الألم، ووسط بكائها تقول فاطمة "كانت مش بتتكلم، بتبص لي وشدت إيدي، بعدها بدأت ما تتعرفش على الناس"، عقب الألم الشديد، كان حور تحتاج إلى الدخول للعناية المركزة، لكن المستشفى الخيري الصغير لا يوجد به غرفة للعناية المركزة، صريخ شديد من الألم، وقبل وفاتها بيوم واحد اشتبه الأطباء ببؤرة سرطانية بالمخ.
"نفسي أوصل صوتها، وصوت حالات تانية شبيهة، بتترفض من الحصول على الدعم لإن الحالة متدهورة".. تتحدث المريض بالسرطان "فاطمة" وسط بكائها من قرينات ينتظرن الموت إذا ما لم يتوفر الدعم، ورغم ايمانها بالقضاء والقدر، لا تتفهم المريضة اليقين لدى رافضي العلاج للمرضى، بسبب "تدهور حالتهم"، تقول "ليه المريض يحصل على العلاج مرة واحدة بس طول ما فيه أمل للشفاء؟".
وقال مصدر مسؤول من المجالس الطبية المتخصصة في تصريح لـ"مصراوي"، ردا على حالة حور وغيرها ممن في حاجة للعلاج على نفقة الدولة "لا يوجد قرار أو قانون رسمي يعطي المريض فرصة واحدة فقط، ولكل مواطن العلاج في أي مكان، لكن يختلف الأمر من حالة لأخرى بحسب تدهورها"، بحسب قول المصدر الذي تحفظ على نشر اسمه.
"قاومي".. كانت آخر صورة تركتها حور على صفحتها الشخصية عبر موقع فيسبوك، وبهاشتاج "كلنا حور"، دعم رواد ونشطاء مواقع التواصل الاجتماعي حالة الشابة المتوفاة، لم يتوقف الدعم عقب وفاتها، إذ تحول للدعاء لها، وللمطالبة من الدولة بإعادة النظر في بروتوكول يعطي المرضى بالسرطان فرصة واحدة للعلاج على نفقة الدولة.
فيديو قد يعجبك: