الدستور في أحاديث "السيسي".. محل "احترام" و"تفاخر" و"تقييد"
كتبت-دعاء الفولي:
على مدار عامين ظل الدستور المصري عقدًا بين الدولة ومواطنيها، لاسيما وقد بلغت نسبة تأييده في الاستفتاء 98.1%. ومنذ توليه المنصب، لم تخلُ بعض لقاءات الرئيس عبد الفتاح السيسي من ذكر للدستور، تارة بالتأكيد على أهميته لتعزيز التجربة الديمقراطية، أو لتوضيح مدى احترام الدولة له، وأحيانًا عن كتابة موادّه بـ"النوايا الحسنة". بينما في المقابل يرى بعض أعضاء لجنة الخمسين، أن سيرة الدستور في أحاديث الرئيس وحدها لا تكفي لتفعيله على الأرض.
حينما كان السيسي وزيرًا للدفاع، تحدث عن الدستور، قبل أيام من الاستفتاء عليه. وذلك في إطار احتفال القوات المسلحة بالمولد النبوي الشريف، قائلًا: "الدستور خطوة على طريق المستقبل لمصر.. أنا مش هقولكم الدستور أمانة في رقابتكم.. أنا هقولكم مصر أمانة في رقابتكم". ودعا السيسي المواطنين إلى النزول للتصويت، ووجّه حديثه للسيدات المصريات اللاتي شاركن في تفويض القوات المسلحة لمحاربة الإرهاب، مُضيفًا: "بقول للست المصرية خدي ولادك تاني وانزلي تاني عشان الدستور.. دي بلدنا مستنيانا".
وأكد السيسي، خلال اللقاء أن الجيش والشرطة هم المسئولون عن حماية المصريين أثناء الاستفتاء، قائلًا: "لا يمكن حد يعوق أو يؤذي حد في محيط اللجان أو خارج محيط اللجان"، ووعد الرئيس، المواطنين بتوفير الحماية والأمان لهم، خاتمًا حديثه بـ"إحنا مستعدين نضحي بحياتنا في سبيل كدة".
"الدستور كُتب بنوايا حسنة، والبلاد لا يمكن أن تُدار بالنوايا الحسنة فقط"؛ كان ذلك جزء من حديث الرئيس، سبتمبر الماضي، خلال افتتاح أسبوع شباب الجامعات. وقد خرجت انتقادات وتساؤلات عديدة بعد ذلك التصريح، ودعا البعض في المقابل لتعديل الدستور، ما يسمح بتوسيع صلاحيات الرئيس.
عقب ذلك اللقاء بأيام، خرج الرئيس خلال الاحتفال بانتصارات أكتوبر، لينفي أي نيّة لتعديل الدستور، قائلًا: "أطالب الجميع بعدم التشكك بأي كلمة أقولها، وعدم فقد الثقة أبدًا، ولا أريد ان يخرج هذا التصريح عن معناه الحقيقي". وأوضح "عايز أقول للمصريين إن محدش هيقدر يعود بيكم للوراء مرة أخرى.. لا رئيس ولا غير رئيس"، واستكمل حديثه بأنه لا أحد يستطيع أن يحتفظ بمقعد الرئيس رغمًا عن إرادة الناس.
تأكيد الرئيس على احترام الدستور، لم يكن كافيًا لبعض أعضاء لجنة الخمسين المشاركين في وضع الدستور؛ إذ قال الفنان التشكيلي محمد عبلة، إن الدستور يتم اختراقه بصور متباينة "أبسطها حبس الأدباء في قضايا النشر"، غير أن تلك المخالفات لم تُفاجئ "عبلة"، فهو يتوقع أن يتم تفعيل الدستور بشكل صحيح عقب عشر سنوات على الأقل "ساعتها ممكن نقدر نقيم الوضع".
على مبدأ عدم تعديل الدستور، شدد الرئيس في حوار لمجلة "جون أفريك" الفرنسية في فبراير المنصرم. فكان رده بخصوص سؤال عن إذا كان سيعدل الدستور للبقاء في ولايته أكثر من 8 سنوات، أن الشعب المصري لن يسمح بذلك، موضحًا: "هو يتسم بالذكاء وبحضارة عريقة... والشعب يعرف جيدًا كيف يختار، فعندما رفضوا مرسي، نزل 30 مليون مواطن للشارع"، حسب قوله.
في نفس السياق أضاف عضو لجنة الخمسين، أن الدستور يقيد صلاحيات الرؤساء بطبيعة الأمر وليس السيسي فقط، لذا فالاختبار الحقيقي له هو تعامله مع تلك المواد التي وافق عليها الشعب، موضحًا أن التاريخ لا يغفر للُحكام اختراق الدستور، حتى لو كان بسيطًا.
في 23 إبريل الماضي، ألقى السيسي خطابًا بدار القضاء العالي، بمناسبة عيد القضاء، ولم يغفل فيه الدستور أيضًا، إذ قال خلال كلمة مكتوبة إن "الدستور المصري يؤسس لدولة القانون القائمة على العدل والمساواة.. حيث جعل الدستور الجميع سواء أمام القانون"، مستطردًا أن الدستور أرسى مبدأ سيادة القانون والفصل بين السلطات، واستقلال القضاء والنيابة العامة، ومُشددًا على أن استقلال القضاء ركيزة أساسية لاستقلال المجتمع، وذلك ما عزّزه دستور 2014، الذي قال عنه السيسي "هو منهجًا للحكم ألتزم وسألتزم به دائمًا عن إيمان ويقين".
من جانبه يرى حسين عبد الرازق، القيادي بحزب التجمع وعضو لجنة الخمسين، أن الدستور لم يتحقق منه شيء إلى الآن، وذلك يرجع بشكل أساسي لعدم قيام مجلس النواب بإصدار قوانين تضمن تنفيذ مواد الدستور، ما يُعتبر مخالفة للدستور وتحجيم لصلاحياته. ويستثني عبد الرازق من المواد غير المُطبقة، المادة المنظمة لانتخاب رئيس الجمهورية والبرلمان، فيما عدا ذلك "فالدستور متعملش منه حاجة".
أول أمس كانت المرة الأخيرة التي جاء فيها الرئيس على ذكر الدستور، خلال حوار أجراه مع الإعلامي أسامة كمال، وأُذيع على التليفزيون المصري وفضائيات أخرى. وجاءت مناسبة الحديث عندما سأله المُحاور عن الإعلام المصري، فقال الرئيس "لازم نعترف إننا احترمنا الدستور.. وسيبنا الإعلام بلا قيادة.. ومفيش دولة في العالم كدة، لكن إحنا حبينا نحترم إرادة المصريين في الدستور وننجح تجربتنا"، وأضاف خلال اللقاء، أنه لن يسمح بإسقاط الدولة فـ"هناك دستور ومؤسسات تستطيع إدارة الأزمات".
يقول عبد الرازق، إن إبراز مدى احترام الدستور في لقاءات الرئيس طوال الوقت أمر جيد، لكن يجب الأخذ بعين الاعتبار أن الرئيس -بحكم الدستور- هو مسئول السلطة التنفيذية، وبالتالي فأي تراخي في تنفيذ الدستور يُسأل عنه السيسي بشكل مباشر، ويضيف القيادي بحزب التجمع، أن ثمة مخالفات صريحة تحدث بخصوص الدستور؛ آخرها عزل وحبس المستشار هشام جنينة -رئيس الجهاز المركزي للمحاسبات السابق- بشكل مخالف للدستور.
فيديو قد يعجبك: