إعلان

بالصور- في جنازة "زويل" الشعبية.. حكايات المحبة والبحث عن الشهرة والمال

09:44 م الأحد 07 أغسطس 2016

مدينه زويل

كتب- محمد مهدي ومحمد زكريا:
عشرات الحافلات والسيارات الملاكي تمر سريعًا بطريق الواحات المؤدي إلى مقابر أكتوبر، للحاق بالجنازة الشعبية ومراسم دفن الدكتور أحمد زويل، فيما يقف شاب عشريني على جانب الطريق، ملوحًا بيديه في محاولة لإيقاف أي وسيلة مواصلات تنقله إلى "المدافن" للهدف ذاته، قبل أن تقف سيارة نصف نَقل، تحمله فوق ظهرها، لا يمانع "كله يهون المهم أوصل وألحق الدفنة"، يقولها أحمد سمير الدسوقي، الذي خرج في الصباح الباكر من قريته بالمنوفية لقراءة الفاتحة أمام قبر العالم الكبير وتوديعه للمرة الأخيرة.

1

بالقرب من مساكن عثمان، ترجل "الدسوقي" عن السيارة، مهرولًا باتجاه المقابر، رجال الشرطة في كل مكان، بالزي الأبيض، وزي القوات الخاصة، عربات الأمن المركزي متراصة على جانبي الطريق، فضلا عن مدرعات وسيارتي إطفاء، كلما توغل الشاب ازداد الزحام حتى وصل إلى مدفن دكتور "زويل"، حيث يتحلق حوله المئات من عائلة وطلبة ومحبي العالم الكبير جنبا إلى جنب وسائل الإعلام بكافة أنواعها.

الجثمان يصل داخل سيارة إسعاف، يُنقل إلى مثواه الأخير، حزن يطبق على الأجواء، بكاء ونحيب وصراخ يعلو ويهبط، شباب يرتدون زيًا موحدًا مكتوب عليه "أصدقاء مدينة زويل"، يقيمون سلسلة بشرية تمنع التكدس عند المدفن، يُفسحون المجال لأسرة الفقيد والشخصيات العامة فقط للدخول، يحاول الشاب القادم من سَفر الدخوله لكنه يُمنع "معرفناش ندخل نقراله الفاتحة"، يقف بالجوار، ينهمك في الدعاء "مفيش علاقة شخصية بينا، بس دا راجل وهب عمره ف خدمة مصر والبشرية".

2

على بُعد أمتار من المدفن حافلات تتراص بشكل طولي، مُلصق عليها كلمات ترجع تبعيتها لمدينة زويل للعلوم والتكنولوجيا، ينزل منها عدد من الطلبة، يرتدي كل منهم "تي شيرت" مرسوم عليه اسم وصورة العالم الراحل، فيما كانت الوجوه توحي بحزن الفقد.

"دكتور زويل زرع جوانا رسالة العلم".. يفتتح "محمود" حديثه عن علاقة جمعته بـ"زويل" وقت كان الشاب مديرًا لإدارة المشروعات المركزية بجمعية أصدقاء مدينة زويل، وعندما عرض عليه أحد المشروعات فما كان منه إلا الإنصات والتشجيع، "مشروعه قدر يوصل لـ7000 طالب على مستوى المحافظات ويستفيدوا منه، وحب إن إحنا نكمل في الخطوات الجاية".

وقبل وفاته قرر عالم الكيمياء الاجتماع بالطلاب بمقر المدينة الجديد، قبل أن يصرح -حسب خريج كلية الهندسة جامعة طنطا- أنه معرض للإصابة بأزمة قلبية، ما دفعه لحثهم على استكمال مسيرة العلم التي بدأها بمصر، وكانت الوصية التي حرص "محمود" وزملائه على تنفيذها "الطلاب مصرين إنهم يكملوا المشروعات المركزية، مشروع ذاك ومشروع ساينس، وينزلوا المدارس والجامعات، ويعرفوا الناس بالمدينة ومشروعاتها".

وسط الجموع خرج رجل أربعيني، أسمر الوجه، تعلو جبهته "زبيبة" مميزة، حاجبًا الشمس عن عينيه بصحيفة مهترئة مطبوع عليها صورته واسمه "حسن فهمي"، صاح في الناس "عزاء الدكتور زويل النهاردة بليل في مسجد المشير.. لازم كل الناس تيجي" يلفت الانتباه للحظات قبل أن تبتعد عنه الكاميرات والأعين، فيما يقترب منه أطفال المنطقة لالتقاط صور تذكارية "احنا بنشوفه دايمًا في التلفزيون".

3

حسن فهمي، المشهور بـ "رجل المناسبات"، يتحرك منفعلًا بين مشيعي الجنازة "دي جنازة شعبية.. كان مفروض تلت تربع مصر تبقى موجودة.. زويل قيمة وقامة"، يمر الرجل من أمام كاميرات القنوات فتلمع عيناه، لديه شغف كبير بالظهور، وهو أمر لا ينكره "الظهور محدش يكرهه، وقدام مش بأذي الناس، من حقي أعمل أي حاجة".

يرن هاتف "الدسوقي" يغلقه سريعًا، قبل أن تُسمع نغمته فتؤذي مشاعر الحضور، ينظر إلى المدفن المنقوش في أعلاه اسم العالم الكبير، يستعيد المرة الأولى التي تعرف فيها على "زويل"، من والديه "شوفته في التلفزيون وأنا عندي 9 سنين، وهو بيتسلم نوبل، وعرفت من أهلي إنها حاجة عظيمة"، تعلق الصبي بالرجل صاحب الإنجاز الكبير "خاصة كمان إنه شبه والدي جدًا، هو توفى السنة اللي فاتت" كلما رأه في إحدى اللقاءات الإعلامية يتذكر والده.

على فترات، يتوافد عدد من السيدات المتشحات بالسواد، ملابسهن بسيطة، برفقتهن أطفال صغار، يبتسمون بود شديد، قبل أن يهمسوا للحضور بحاجتهم للمال، يبتعد عنهم البعض، لا ينتبه آخريين، غير أنهم لا يملون من تكرار محاولتهم، من بينهم طفلة لم تتعدَ الـ 12 عاما، تقول إنها علمت من جيرانها في منطقة مساكن عثمان بوجود دفن لرجل مهم "وهيدوا الناس فلوس كتيرة أوي"، لم تنتظر فور سماع المعلومة هرعت إلى المدفن، مُحملة بصرح من خيال عن غنيمة اليوم لكنها هوى "محدش ادانا فلوس، هنستنى شوية يمكن حد يعطف علينا".

4

بعد قليل، يقترب رجل ثلاثيني من السيدات وأطفالهم، يطالبوهن بالابتعاد منعًا لحدوث أزمات مع رجال الأمن "انتوا شايفين الوضع عامل إزاي، ومش عايزين نبوظ المظهر العام"، تنظر له إحداهن شذرا وترد "واحنا مش قد المقام ولا ايه"، يتراجع الرجل موضحًا "مقصدش بس كل اللي هنا قرايب الراجل واللي بيحبوه وانتي شايفة الأمن قد إيه فمش عايزين مشاكل"، تستمع له بضيق قبل أن تخرج من المكان بصحبة رفيقاتها.

عن التواجد الأمني المكثف من قِبل قوات الأمن، يوضح "الميدومي"، المسؤول عن قطاع 17 و18، التي تحوي قبر الدكتور "زويل"، أن رجال الشرطة انتشروا في المكان منذ أيام "جمعوا معلومات عن الناس المسؤولة عن المنطقة وكل المتواجدين فيها"، مضيفًا أنه في الساعات الأولى من اليوم الأحد، حضر إلى المكان قوات العمليات الخاصة وفرق مفرقعات وكلاب بوليسية، قبل أن تظهر سيارات الأمن المركزي والمدرعات "اعتقد دي أمر طبيعي وعملية احترازية لضمان الأمان للجنازة".

5

ساعات قليلة مضت، انفض الجمع أمام بوابات المدفن، ألقى "الدسوقي" نظرة أخيرة نحو القبر ثم غادر "فيه ناس اعتبرت سفري عشانه فضا، بس هو شخصية نادرة ومكنش ينفع أفوت جنازته"، ساد الهدوء من جديد في الأرجاء، فيما جلست سيدة خمسينية على "مصطبة" مطلة على القبر المُزين بالزهور، أخرجت من حقيبتها "مصحف"، وانهمكت في تلاوة أيات الذكر الحكيم، داعية الخالق أن يتغمد الراحل برحمته، قبل أن تستقل سيارتها تاركة "زويل" بين يدي السكون.

6

فيديو قد يعجبك:

إعلان

إعلان