إعلان

من التلقين إلى المُتعة.. التعليم على طريقة محمد أنور

01:18 م الثلاثاء 03 أكتوبر 2017

كتبت- دعاء الفولي:

في كل مدرسة له أثر. منذ بدأ محمد فؤاد أنور عمله كمدرس، قرر تغيير مجتمعه المحيط قدر المستطاع؛ هرب من الطرق التقليدية لتوصيل المعلومة، سعى لتبسيط اللغة العربية وجعلها من لحم ودم، جرّب استراتيجيات مختلفة؛ بين التعليم التبادلي، الألعاب التعليمية وغيرها. علم أن صبّ المادة العلمية في رؤوس تلاميذه تخلق أوعية جوفاء، لذا زرع فيهم الاستكشاف والبحث وتطوير الذات.

التنمية البشرية هي كلمة السر التي يُفضلها أنور في الحديث عمّا يفعل، يمزج بين تطوير مهارات طلابه وإعطائهم المادة العلمية "لازم الطفل يحس إنه مشارك في اللي بيدرسه مش مُتلقي وخلاص"، حتى أنه اختار اللغة العربية ليكون قريبا من التلاميذ "لأني بشوفهم كل يوم وأقدر أكون مؤثر في حياتهم".

1

تخرج أنور في كلية آداب قسم تربية بجامعة جنوب الوادي عام 2008، ليستقر في محافظة أسوان ويبدأ حياته العملية. حوالي ست مدارس عمل فيها على مدار مشواره "كنت برصد النواقص في كل مدرسة وأبدأ أبني استراتيجية تفيد الطلاب"، يذكر منها "التعليم التبادلي".

في عام 2014 أراد أنور خوض شيء جديد "قلت للولاد هنجرب نبدل سوا.. انتوا تشرحوا شوية وانا أشرح شوية"، قوبلت الفكرة بالتعجب "بس الولاد حبوها بعدين.. حسوا إنهم بيقودوا الفصل بنفسهم"، مع الوقت أخرج التلاميذ إبداعاتهم، غير أنه لا ينسى روان عماد الدين؛ تلك الطالبة التي جعلها التدريب شخصا جديدا.

2
"روان شاطرة جدا بس كانت منطوية" مع نهاية العام تغير تعامل الفتاة "بقت منطلقة وقائدة وليها أصحاب"، مازال يتذكر كلمات الشكر التي سمعها منها، فيما لم يتوقف الأمر عند ذلك الحد، إذ قدمت بحثا بعنوان "التعليم التبادلي وصناعة القائد" تحت إشراف مُدرس اللغة العربية، وشاركت به في معرض إنتل للعلوم والهندسة المُقام بجامعة مصر للتكنولوجيا عام 2015 "البحث أخد المركز الأول على مستوى الإدارة وبعدين على مستوى المحافظة ثم الجمهورية وأخيرا اترشح عشان ينافس على مستوى الوطن العربي".

3

من مدرسة لأخرى كان مُعلم المرحلة الابتدائية يُطور أفكاره، كما فعل في مدرسة خالد بن الوليد "الولاد هناك مكانوش حابين بيئة التعليم.. محتاجين ينتموا ليها أكتر". بعد بحث استمر لأسابيع، اهتدى إلى فكرة "الألعاب التعليمية"؛ جمع 50 لعبة؛ بعضها من المواقع التعليمية، أخرى من خياله، مستخدما أدوات بسيطة أحيانا في اللعب، أو أدوات أكثر رفاهية أو حتى بلا أدوات، ولم يحتَج أنور لكثير من الوقت كي يتطور أداء التلاميذ.

4

تلك الفكرة لم تكن الوحيدة التي تركها المُعلم الثلاثيني في الطلاب؛ إذ قرأ عن نشاط تفعله مدارس اليابان "إنهم يخلوا التلاميذ يزرعوا شجرة في أول السنة ويفضلوا يراعوها ودة بيحببهم في المدرسة أكتر"، لم يكن تنفيذ الفكرة بحذافيرها مُتاحا، فتحايل عليها أنور، مُنشئا شرطة للمياه في المدرسة "وظيفتهم يحافظوا على استخدام الماية ويوعوا زمايلهم والغريب إن الطلبة كانوا ملتزمين جدا".

5

ظل أنور على عهده بمحاولة تقديم الأفضل "مع الوقت مدير الإدارة طلب مني إني أوصل الأفكار اللي بطبقها لزمايلي من المدرسين". أراد تقديم محتوى بعيد عن الروتين الأكاديمي، أعطى محاضرات عديدة في بعض الجمعيات الأهلية، والمدارس للمعلمين على اختلاف تخصصاتهم "كنت بشرح أفكار مجربها وجابت معايا نتيجة، بحاول أدرب الزملاء إزاي يمارسوا مهنتهم بطرق مختلفة".

6

أدرك المُعلم أن جيل التلاميذ الحالي "مينفعش معاه سبورة وقلم بس.. لازم نلفت نظره ونساعده يتعلم"، فيما اتسعت دائرة نجاحه لتشمل محاضرات أخرى لأولياء الأمور، مُحدثا إياهم كيفية التعامل مع أبنائهم ومحاولة استكشاف ما يريدونه منذ سن صغيرة، وليس ما يختاره الأبوان.

7

خلال سنوات عمله، تم تكريم أنور أكثر من مرة "من الوزارة أحيانا أو معارض العلوم"، لا يقيس مدى نجاحه بالجوائز وإنما باستجابة الطلاب، رغم ذلك لا يخفي سعادته بحصوله على المركز الثاني في مسابقة "أفضل معلم في مصر" التي أقامها الائتلاف المصري للتعليم التابع للمؤسسة الأهلية "مصريون بلا حدود"، والتي تنبع من مسابقة "أفضل معلم في العالم" التي تقيمها مؤسسة "فاركي فاونديشن" البريطانية، برعاية دولة الإمارات ويتم إعلان نتائجها في دبي مطلع عام 2018، حيث يستطيع المُعلم المنافسة تمثيل مصر ضمن الخمسة الأوائل في المسابقة العالمية.

8

لا تخل نجاحات مدرس اللغة العربية من عقبات؛ أهمها الأزمات العامة في كل مدرسة "مشاكل الروتين ونظام التعليم نفسه.. دة بيكلفني جهد أكتر عشان أعالجها وأبدأ أعمل شغلي"، ذلك بالإضافة لضعف التمويل، إذ يتمنى أنور أن يتم مساعدته لتوسيع رقعة التدريس بنفس الطريقة، وإعطاء مزيد من الدورات لزملاء المهنة، كما يأمل أن يتم تفعيل المنتدى التربوي لمعلمي أسوان.

9

"بصفحة على فيسبوك بنحاول فيها ضخ خبراتنا كمدرسين وتبادلها بيننا"، يسعى أنور لفعل ذلك على عدة مستويات؛ بين الأكاديمي والتكنولوجي والتربوي، لكن ينقص المشروع مزيد من الدعم "يبقى فيه مقر للمعلمين يتقابلوا فيه ويعطوا دورات لبعض" وأن يتم الاستعانة بأساتذة من الجامعات "تبقى أفكارنا موصولة معاهم بحيث نطور أدائنا من المرحلة الابتدائية لحد الثانوي عشان نؤهل الطالب يدخل الجامعة".

10

لا يمر يوم على مُدرس اللغة العربية إلا ويسعى لتعلم المزيد، سلاحه التقرب من التلاميذ، لذا حصل على دبلومة في الصحة النفسية من جامعة جنوب الوادي. يوقن أن التعليم ليس أمرا مُملا، بل ساحات متسعة من الفكر والخيال والمعرفة والإمتاع، يُحطم قيود الروتين والتكرار والجمود، يسعى لاستئصال آفة التلقين، وينتظر المزيد من التحديات.

فيديو قد يعجبك:

إعلان

إعلان