من دير سانت كاترين.. مصراوي يرصد تاريخ ثاني أكبر مكتبة في العالم
كتبت-شروق غنيم:
تصوير-روجيه أنيس:
تقول الأسطورة إنه في القرن الرابع الميلادي؛ تلّقت الأميرة كاترين صنوفًا مختلفة من التعذيب بتوجيهات الإمبراطور الروماني مكسيمانوس لأنها اتبعّت الديانة المسيحية، حتى لقت حتفها، بعدها عثر بعض البدور على رُفاتها بجانب كنيسة مريم العذراء في جنوب سيناء، ومن وقتها اكتسب المكان اسمًا جديدًا تخليدًا لها، وأصبح في القرن السادس الميلادي يٌسمى دير سانت كاترين.
العديد من الوثائق والمخطوطات المهمة بلغات مختلفة يضمها الدير بين جنباته، داخل مكتبة سانت كاترين، التي تم ترميمها مؤخرًا بعد 10 سنوات من العمل، وتم افتتاحها السبت الماضي من قِبل وزير الآثار الدكتور خالد العناني وعدد من المسئولين. مصراوي تواجد وقت الافتتاح لينقل عبر المختصين تاريخ ثاني أكبر مكتبة بعد الخاصة بالفاتيكان.
ويقول الدكتور خالد عليان، مدير عام آثار سانت كاترين ووادي فيران، في حديثه لمصراوي إن المكتبة تحتوي على أقدم نسخة من الإنجيل المُقدس ويرجع تاريخه إلى القرن الخامس الميلادي، بالإضافة إلى نسخة من العهدة المحمدية، والتي يؤمن فيها الرسول محمد رهبان الدير على حياتهم، ويشير إلى وجود النسخة الأصلية من العهدة في إسطنبول، لافتًا إلى أنه هناك محاولات من جانب وزارة الآثار المصرية لاستردادها.
ويرجع تاريخ إنشاء الدير إلى القرن الرابع الميلادي، وكان يطلق عليه قديمًا دير مريم العذراء، أنشأته الإمبراطورة هيلانا والدة الإمبراطور قسطنطين حتى يتعبّد في الرُهبان، وحاليًا يوجد مكانه كنيسة وادي المقدس طوى، فيما الدير المُنشأ حاليًا يرجع تاريخه للقرن السادس الميلادي وبناه الإمبراطور جستنيان.
ويشرح عليان، أنه تم الإعلان عن كشف "بالم سيست"، وهو عبارة عن مخطوطات من جلود الحيوانات تم الكتابة عليها مرة أخرى بعد غسلها، ويقول إن الدير يضم 600 مخطوط تم كتابتها بنفس الفكرة.
واستخدمت وزارة الآثار تقنية تصوير ديجيتال وأشعة فوق الحمراء، للكشف عن الكتابات القديمة التي تم محوها من المخطوط، بالإضافة إلى الكتابة الحديثة عليه.
وبعد الكشف وجد الأثريون أن المخطوط الأصلي كان باللغة العربية ويعود تاريخه إلى القرن الرابع أو الخامس الميلادي، فيما تأتي الكتابة الحديثة عليه للقرن الثامن أو التاسع الميلادي.
ويضيف عليان أن الكتابات عبارة عن مواضيع ذات طبيعة دينية مثل أناجيل باللغة اللاتينية والعربية، وتوثيق لبعض الأعشاب الطبية وصورها بخصوص بعض الأمراض كتبها الطبيب اليوناني أبو قراط، الذي يُقسِم طلاب كلية الطب المصرية على قسمه أبو قراط مراعاة لآداب المهنة، بالإضافة إلى سِجلات تجارية كان يوثّقها التُجار البدو قديمًا في الدير لثقتهم في رهبانه.
ويقول إن المكتبة ستكون مُتاحة فيما بعد للمتخصصين، أو من تُرشحه جهة علمية للاطلاع عليها.
وداخل كنيسة التجلي، الكنيسة الرئيسية بالدير، يوجد صندوق يحتوي على جمجمة القديسة كاترين بالإضافة إلى الكف اليُسرى مستندة على قاعدة من الذهب ومُطعّمة بمجموعة من الخواتم، فيما يوجد تابوتين من فضة أهدتهم الإمبراطورة الروسية كاترينا إلى الدير تخليدًا لروح القديسة كاترين، لكن لا تحتوي على رُفات القديسة.
ويوجد في سقف كنيسة التجلي فسيفساء صورة السيد المسيح بشكل رئيسي، بالإضافة إلى أيقونة أخرى تمثل سيدنا موسى وهو يتلقى الوصايا العشر، والذي تم الانتهاء من ترميمه والإعلان عن ذلك السبت الماضي.
وتعتبر كنيسة التجلي الكنيسة الرئيسية، ويوجد بها 6 أعمدة على اليمين ومثلهما على اليسار، ويرمز كل عمود لشهور السنة، فيما يوجد تجويف داخل كل عمود ويحتوي على رُفات الرهبان الذين يتوفوا، فيما يوجد داخلها مجموعة من الثريات كانت إهداء من القياصرة الروس، ويوجد مقاعد على اليمين واليسار لأداء الصلوات، وبابين أحدهما يرجه للقرن السادس الميلادي وآخر القرن الثاني عشر.
ويشتهر الدير بالأيقونات ذات المغزى المسيحي والتي يرجع تاريخها للقرن السادس الميلادي وحتى التاسع، مثل أيقونة للسيد المسيح، العذراء، وعدد من الملائكة، كما تضم لوحة سلم السماء، ولوحة لسيدنا موسى وهو يتلقى الوصايا من الرب.
ومنذ 5 سنوات تعمل وزارة الآثار على تسجيل كافة المقتنيات الخاصة بالدير، خوفًا من التلف، مثل الأيقونات، المخطوطات، وكل الإهداءات التي أرسلها القياصرة الروس للدير، إذ يشترك مع رهبانه في نفس المذهب الديني الروم الأرثوذكس.
ويقول عليان إن وزارة الآثار المصرية بالتعاون مع بعثة يونانية اكتشفت حفائر مساكن العمال الذين بنوا الدير التي ترجع للقرن السادس الميلادي، بالإضافة إلى بقايا الحملة العسكرية التي كانت تؤمن الرهبان في فترة من الفترات، لكنه يشير إلى توقف التعاون منذ خمسة أعوام.
فيما يأمل عليان أن يعود العمل على مشروع الكشف عن مسكن العمال والحملة العسكرية، بالإضافة إلى عودة اشتراك الدير في المعارض الخارجية بعدما توقفت منذ عام 2011، عقب ثورة الخامس والعشرين من يناير.
ولايزال الدير محافظًا على عناصره المعمارية، كما أنه يعتبر حصنًا من العصور الوسطى، إذ يعتمد في أسلوب الدفاع على كُرات اللهب، أو رمي السهام. لديه مدخلين أحدها في الجهة الغربية وخاص بالرهبان أو الزيارات الهامة، ومدخل آخر خاص بالسياحة يقع في الجهة الغربية.
كما يوجد به معصرة للزيتون، ويقول عليان إن ما يُميّز الدير عن سائر أديرة العالم، هو وجود جامع بداخله يرجع إنشائه إلى العصر الفاطمي.
فيديو قد يعجبك: