"هند" وأخواتها.. قصة عائلة واجهت الموت بأتوبيس نويبع
كتب - محمد زكريا:
مساء الثلاثاء الماضي، ودعت "هند علي" الطالبة بكلية الصيدلة أسرتها، اصطحبت صاحبة الـ21 عامًا أخواتها الصغار، سارعت الفتاة للحاق بالحافلة التي تقلهم إلى جنوب سيناء، بينما لاصقت الابتسامة وجوه الشابات الثلاث. فيما كان ينتظرهم مصير مروع، نجوا منه بأعجوبة.
بعد ساعة واحدة من بدء يوم الأربعاء الماضي، تحرك "الأتوبيس" من أمام كلية الصيدلة بجامعة الإسكندرية، في طريقه إلى مدينة دهب بمحافظة جنوب سيناء، فيما يدور بعقل المُسافرين صور مُبهجة تتلاءم مع شواطئ سيناء الساحرة.
الفرحة تغمر جميع الركاب، يتبادل الجمع المُسافر الحديث حول البرنامج السياحي المُتفق عليه مُسبقًا. غير أن تعطل الحافلة بين حينًا وآخر، أدخل القلق إلى قلوب جميع الطلاب "قعدنا في الطريق 17 ساعة رغم أنه بياخد 12 بس".
في الطريق إلى مدينة دهب، الحديث لا ينقطع عن طيلة عدد ساعات السفر، أبلغ أحد الطلاب هند عن "مشكلة في الفرامل بس السواق قاله أنه بيعرف يظبطها"، تحدثت هند مع السائق الذي أخبرها أنه "صاحي بقاله أكتر من 24 ساعة وتعبان"، بعدها قررت بنت الإسكندرية مجالسة السائق من وقت لآخر لضمان سلامة الرحلة.
بعد أن استقرت الرحلة مدة يومين في "دهب"، توجهت الحافلة إلى مدينة نويبع، ظهر يوم الجمعة الماضي "ساعتها كنت قاعدة في الكرسي اللي جنب السواق"، قبل أن تأتيها زميلة "عايزة تقعد مكاني"، فما كان من الطالبة بالفرقة الثالثة بكلية الصيدلة إلا النزول على رغبة زميلتها.
عند مدخل "نويبع"، حل الهدوء داخل أتوبيس الرحلة، دارت الأحاديث بين الطلاب عن أحوال الدراسة بكلية الصيدلة، قبل أن يفاجأهم السائق بطلب مساعدة عاجلة "نَزل الشباب كلهم من الأتوبيس، وبقى يشيل في حاجات ويحط في حاجات، وفي أسلاك بيقطعها، وإحنا مش فاهمين حاجة"، بعدها استكمل السائق طريق الرحلة في هدوء.
عشر دقائق مرت، أبلغت الفتاة -التي بادلت هند مقعدها- زميلاتها، بأنها "سمعت السواق بيتكلم في التليفون وبيقول مش معايا فرامل"، رجفة احتلت جسد هند التي تقول بصوت خافت "ساعتها حسيت أن في مصيبة هتحصل"، وقبل أن تمر ربع ساعة كاملة وقعت الكارثة.
ثوانِ مرت ساعات، الصراخ ضج مقاعد السيارة، زجاج الأتوبيس تهشم بالكامل، نطق الطلاب الشهادة في فزع "الأتوبيس أتقلب مرتين أو تلاتة"، بعدها غابت "هند" عن الوعي تمامًا.
"لقيت نفسي فوق منحدر كبير" تروي الطالبة لحظات الصدمة الأولى، ركض الأصدقاء نحوها في فزع، حاولت الشابة العشرينية التحرك للاطمئنان على سلامة أخواتها "أصحابي منعوني أروح ناحية الأتوبيس، لأن الموتور كان شغال فخافوا ينفجر".
العمل بمحيط الحادث جرى على قدم وساق، ساعد أهالي "نويبع" رجال الخدمة المدنية في السيطرة على الكارثة، في الوقت الذي اطمئنت "هند" على صحة حياة أخواتها.
تم نقل "هند" مع المصابين إلى مستشفى نويبع، في حين تم نقل أخواتها ضمن الحالات الحرجة إلى مستشفى شرم الشيخ. فيما قدرت وزارة الصحة حصيلة ضحايا الحادث بحوالي 9 وفيات و43 مصابًا.
مساء الجمعة نُقلت هند إلى مستشفى شرم الشيخ، احتضنت البنت أخواتها الصغار "لقيت واحدة منهم أيديها مكسورة"، تساءلت عن مصير زميلتها التي بادلتها المقعد بجوار السائق "عرفت إن حالتها حرجة"، تلبس هند حزن شديد، فيما هدأت روحها بدعوات الأخوات للمُصابة.
صباح اليوم التالي، كان وزير الصحة يطمئن على سلامة المصابين، قدم وعده بسرعة نقلهم إلى محافظتهم الإسكندرية، رفض الطلاب خطته المُقترحة "قولنا للوزير إحنا خايفين نركب أتوبيسات تاني"، وبعد وساطات عديدة تم نقل الطلاب بـ"طيارات الجيش".
في الطريق إلى الإسكندرية، بكى الطلاب على زملائهم الراحلين، رفعوا أيديهم بدعوات الشفاء للمصابين "في 3 في شرم الشيخ حالتهم لسة حرجة في غرفة العناية المركزة". وفي الوقت التي لامست عجلات الطائرة الحربية أرض مطار برج العرب بالإسكندرية، دار بعقل الفتاة العشرينية مشاهد الرعب التي زامنت الحادث الأليم.
توجهت هند رفقة الناجين إلى مستشفى سموحة "الاستقبال كان كويس وكل دكتور كان معاه 3 أو 4 ممرضات"، اختلف الوضع تمامًا أول أمس"مكنش في دكاترة نهائي لأكتر من 5 ساعات"، إلى جانب افتقاد المشفى لبعض التجهيزات الطبية الضرورية، وهو ما زاد من معاناة الناجيين.
مساء الأحد، غادرت هند وأخواتها مستشفى سموحة، توجهت الأسرة إلى أحد المستشفيات الخاصة؛ للاطمئنان على ذراع الأخت المكسور. تحمد صاحبة الـ21 عامًا ربها على سلامة حياتها وأخواتها، تقول في أسى "تجربة بشعة، عمري ما هقدر أنساها، هفضل دايمًا فاكرة أن الحياة ممكن تنتهي في لحظة إهمال".
فيديو قد يعجبك: