فلسطين في زيارات مصر لأمريكا.. القاهرة تسعى للحل وإسرائيل تنتهك الأرض
كتب- إشراق أحمد وشروق غنيم:
على بعد بضعة كيلو مترات من حدود فلسطين، انفرد الرئيس المصري بنظيره الأردني وثالثهما الفلسطيني، في القمة العربية رقم 28 المنعقدة بمنطقة البحر الميت، أخذوا يتباحثون التنسيق بشأن مبادرة السلام، من أجل الزيارة الأمريكية اللاحقة لكل منهم، والتي تبدأ مع الرئيس عبد الفتاح السيسي بمطلع إبريل، فيما تُواصل نوال تميمي بالضفة الغربية قلقها المعتاد، حتى تعود ابنتها جنى من المدرسة، لتطمئن إلى تجاوزها الحواجز الأمنية الإسرائيلية. يتشتت ذهن الأم بين عودة الإعلام للحديث عن المفاوضات مع إسرائيل، وما تشهده فلسطين وقريتها الصغيرة في لحظتها تلك، فتشيح بتركيزها عن الأول وتقول "المفاوضات بعيدة عن الأرض.. الوضع هون ما اتغير".
تأتي زيارة "السيسي" إلى واشنطن، لتعيد مسيرة اللقاءات الرئاسية بين مصر وأمريكا رغم انقطاعها لفترات، والتي كانت القضية الفلسطينية محورًا أساسيًا بها، إذ يشهد إبريل الجاري أول تواجد لرئيس مصري داخل البيت الأبيض بعد 7 سنوات، بما يعد تمهيد للقاء العاهل الأردني عبد الله الثاني والرئيس الفلسطيني محمود عباس، حول هذا الشأن، ويتزامن ذلك مع إعلان الحكومة الفلسطينية على لسان رئيس الوزراء رامي الحمد الله أن الجانب الفلسطيني مستعدًا لاستئناف العملية السياسية مع إسرائيل.
كانت فترة السبعينيات شهدت ثلاث زيارات للرئيس أنور السادات إلى أمريكا، ارتكزت على إنهاء الحرب مع إسرائيل، ومفاوضات اتفاقية كامب ديفيد، غير أن الاحتلال لم يتوقف عن قضم الأراضي الفلسطينية، فتتذكر "تميمي" غرس وحدات المستوطنة المقابلة لبيوت قرية النبي صالح بعد انتزاع منازل أهلها عام 1976، لتقبع فوق الأنفاس منذ ذلك الحين"بقت 1500 وحدة يعني 3 أضعاف قرية النبي صالح" بحرقة تحصي السيدة الأربعينية عدد المستوطنات.
في الزيارة الحالية يحمل الرئيس المصري لنظيره الأمريكي دونالد ترامب ما آلت إليه قمة "البحر الميت"، من عودة إسرائيل لحدود 67، ووقف الاستيطان، وهو ما سبق أن أقرته مبادرة السلام العربية بالقمة رقم 14 في بيروت 2002، ذلك العام الذي شهد حراكًا كبيرًا بالوضع الفلسطيني، بعد انتفاضة الأقصى، حينها انعقدت الآمال على زيارة الرئيس المصري، محمد حسني مبارك، بنظيره الأمريكي جورج بوش بواشنطن، لكن كل ذلك تلاشى، حين أصدر الأخير بيانًا في 24 يونيو بالعام ذاته، يرفض تأييد إقامة دولة فلسطينية، ما لم يشن زعمائها حربًا على "الإرهاب"، وحينها اعتبر فلسطينيون هذه الكلمة "غطاءً" أمريكيًا دبلوماسيًا للمجازر الإسرائلية.
ويندهش الباحث والمؤرخ الفلسطيني عبدالقادر ياسين للإصرار على تنفيذ بنود المبادرة التي وُصفت بأنها تسعى لـ"مصالحة تاريخية"، فيما يتساءل في تصريحاته لمصراوي "هل الحكام العرب يتجاهلون أن المبادرة العربية قد داسها قبل 15 عامًا، مجرم الحرب شارون، وذلك بعد صدورها بأقل من 24 ساعة، حين اجتاح بقواته الضفة الغربية وحاصر الرئيس الفلسطيني ياسر عرفات"، بينما وقعت في الأول من إبريل في ذلك العام 2002، مجزرة جنين، التي حصدت أرواح 59 فلسطينيًا.
كان "حل الدولتين" ولم يزل المقترح العربي الأبرز المتفق عليه رسميًا مع مطلع الألفينيات، بالمقابل لم تتغير السياسة الإسرائيلية على الأرض، عايشتها "تميمي" منذ أبصرت الحياة في الأرض المحتلة، ومنحتها مصطلحًا يليق بدفاتر المسيسيين وهي ليست منهم "سياسة العقاب الجماعي".
تستمع "تميمي" لترديد ذلك الحل لإنهاء الصراع، تصمت قليلاً قبل أن تندفع قائلة "دولتين إيه اللي بيحكوا عنها.. هاد شيء ميت على الأرض"، يهتز صوتها بمحاولة تخيل الأمر، لم تفكر بذلك من قبل، تنخفض نبرتها بقول "إذا صار هاالشئ قرية النبي صالح راح تكون لـ.." لا تلفظ كلمة "إسرائيل"، فيما تضيف "مش متخيلة دولة بدون ميناء.. بدون حدود.. جدنا كان يحارب وأبونا كان مسجون والأطفال بيعانوا كل يوم.. كيف هاتكون الدولة؟".
مع قدوم أغسطس عام 2009؛ عادت اللقاءت الرئاسية المصرية الأمريكية، بعد غياب 5 سنوات، وتجدد الحديث عن حلول للقضية الفلسطينية، وبعدها بعام انعقد لقاء آخر، لكنه اتسع ليشمل الرئيس الأمريكي باراك أوباما، الرئيس الفلسطيني محمود عباس، رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، وملك الأردن عبدالله الثاني، وأخيرًا الرئيس المصري محمد حسني مبارك.
في ذلك العام 2009، بشهر سبتمبر، كتب مبارك مقالًا بالتزامن مع الاجتماعات، نشرته صحيفة نيويورك تايمز الأمريكية، حمل عنوان "خطة سلام في متناول أيدينا"، قال فيه إن "انخراط الرئيس أوباما في هذه العملية أحيا آمالنا المتعطشة للسلام"، واستمر تأييد الدول العربية للمبادرة الداعية للسلام والتطبيع مع إسرائيل مقابل الانسحاب من الأراضي العربية وحل أزمة اللاجئين، فيما كانت هيئة شؤون الأسرى تحصى مع مطلع هذا الشهر عدد الأطفال الذين يحتجزهم الاحتلال في سجونه، وبلغ حينها 300 طفلًا.
لم تغب القضية الفلسطينية عن الزيارات الرئاسية المصرية، لكن جهاد الحرازين، القيادي بحركة فتح يرى أن دور مصر في الزيارة الحالية يأتي "لتوضيح الرؤية العربية المتفق عليها في القمة الأخيرة خاصة حل الدولتين وضرب الخزعبلات التي تحاول إسرائيل اتخاذها للتهرب من الاستحقاقات المتعلقة بعملية السلام"، مشيرًا إلى أن "السيسي" سيحاول نقل الرسالة المتعلقة بمدى خطورة الإقدام على نقل السفارة الأمريكية إلى القدس "لأن هذا الأمر سيشعل المنطقة بأسرها" بحسب قوله.
دوما كانت أمريكا بموقف الصد والرد؛ ذكر تقرير لهيئة الإذاعة البريطانية BBC بتاريخ 8 أكتوبر 2010 أن "نتنياهو" طالب "أوباما" بالإلتزام بما تعهد به جورج بوش مقابل تجميد الاستيطان لكن الإدارة الأمريكية لم تعترف بذلك، فلم تخرج رغبات أمريكا عن طرح حل في إطار إقليمي تلعب فيه دورًا كبيرًا في الضغط على الفلسطينيين لقبول ما يُعرض عليهم حسب قول محمد المنشاوي، الكاتب المتخصص في الشؤون الأمريكية، الذي يرى أن المعروض الآن أقل من حدود ما قبل حرب 1967.
وأشار "المنشاوي" إلى أن أمريكا دائما ما تَستغل القاهرة وحكامها للضغط على الجانب الفلسطيني، فضلاً عن الضغط الخليجي والأردني وما تمارسه أمريكا ذاتها من ضغط، ومع ذلك "فالقضية لم تُحل ولم يتحرك ملف التفاوض"، فلا نتائج ملموسة حتى اليوم إلا في تقديم المزيد من التنازلات العربية، كما يقول الكاتب المقيم في واشنطن.
ورغم عودة الحديث عن المفاوضات، لكن إسرائيل واصلت المجئ بما لا تتحدث فيه موائد المباحثات؛ أصدرت حكومة نتنياهو قرار بناء مستوطنة جديدة لأول مرة منذ أكثر من 20 عاما، بدلا من المزالة سلفا بالضفة الغربية. كانت تبعد مستوطنة "عمونا" نحو 20 كيلو متر عن قرية النبي صالح، لكن "تميمي" لم تعبأ كثيرًا للقرار "ما في شيء جديد يشيلوا من هون يحطوا هون" تقول بينما تطل من نافذتها على المستوطنة الإسرائيلية القابعة على بعد نحو 500 متر من منزلها، تراها بملء البصر من سطح منزلها "بنشوف أطفالهم يلعبوا ويمرحوا على أرضنا ونحنا ممنوع عنا نبني لولادنا بمكانا لأنها منطقة c، أي منطقة تابعة لإسرائيل".
يعتبر "حرازين"، أن ما تقوم به إسرائيل وقت الحديث عن المفاوضات استمرارًا لمحاولتها فرض سياسة الأمر الواقع، مؤكدًا موقف السلطة الفلسطينية من الترحيب بالتفاوض طالما كان جادً فيما يتعلق بوقف إسرائيل للاستيطان، إذ أن البناء الاستيطاني يقيض فكرة حل الدولتين بحسب قول القيادي بحركة فتح، تلك الفكرة التي يقول المتخصص بالشؤون الأمريكية إن حكومة "نتنياهو" لا تقتنع بها.
تتوسع المستوطنات "كِيف السرطان" بحسب وصف "تميمي"، تنفتح السياج الشائكة حول المستوطنة وتُبنى الوحدات على مساحة أكبر وتنغلق عليها مرة أخرى كأن شئ لم يكن. ما عادت تعول السيدة الفلسطينية على الحديث بشأن موائد السلام، تراها "شئ عم بيصير بدون فايدة، لكن الشعب هو اللي بيدفع التمن"، تتذكر أحمد غزال ذي الـ17 ربيعًا الذي أردته قوات الاحتلال قتيلًا في القدس يوم السبت الماضي؛ حينها أغلق الأمن الإسرائيلي المحال والشوارع المحيطة بالقدس، وذهبوا إلى مدينة نابلس بالضفة الغربية حيث يسكن الفتى لهدم بيته "ويومها الطرق عنا بالنبي الصالح اتسكرت- أغلقت".
خيبات أمل متراكمة في النفوس، في ظل مفاوضات حثيثة، لا تخطو عملية "السلام" قيد أنملة، بينما تنهمر انتهاكات الإسرائليين في حق فلسطين، يرى الكاتب بشؤون أمريكا أن حل الدولتين بعيد المنال طالما كان الموقف الفلسطيني والعربي ضعيف، فيما يعتبر القيادي بحركة فتح أن الفلسطينيين مرضوا بالأمل، فلا محال، في حين يُجزم المؤرخ الفلسطيني بأن العرب واقعين في أوهام الرعاية الأمريكية للسلام، بالوقت الذي تنظر "تميمي" لزيارات الرؤساء على أنها "مجرد رحلات"، فلا نفع إلا بكفاح الشعب كما ترى "وما فيني استنى شيء لا من ترامب ولا غيره".
فيديو قد يعجبك: