إعلان

داخل فصول محو الأمية.. بدويات سانت كاترين تضئن أنوار العلم

03:51 م الأربعاء 31 مايو 2017

كتبت-رنا الجميعي:

تصوير- روجيه أنيس:

يعتبر التعليم مسار ممتد مدى الحياة، هو ما يُدركه أهل سانت كاترين الآن، ورغم ما يغلب على عدد كبير منهم من أمية، إلا أن الأمر اختلف في السنوات الأخيرة، هو ما جعل هناك إقبالًا من السيدات على فصول محو الأمية، إحدى أنشطة جمعية نواميس للتنمية، وقد بدأ المشروع منذ يناير الماضي.

تستيقظ نادية موسى -عضو المجلس القومي للمرأة- منذ السابعة صباحًا، تقوم بأعمالها المنزلية، تكتب ورقة لطفليها، رباب ومحمد، بخطة المذاكرة، ثُم تذهب، في الثانية ظُهرًا، إلى بيت أخيها سيرًا على الأقدام، يرافقها دفتر الحضور، والأوراق التي تستعين بها في تعليم سبعة بدويات، ينقسم الحضور بين متزوجات وغير متزوجات، تقضي نادية ساعتين بصحبة السيدات، تُعلمهن فيها بنظام CLE "التناول المكثف لاستخدامات اللغة".

undefined

 

لا يتوفر للراغبات في تعلم القراءة والكتابة مكان للدراسة، فتعمل المُدرسات على تأمين جزء من بيوتهن للفصل، تقول نورا مُرتجي، المسئولة بالجمعية، إن عدد الفصول أربعة "بيعلم الستات نادية وصبحية وسيدة وسامية"، فيما ينقسم الأسبوع على ثلاث حصص "الحد والتلات والأربع"، على مدار اليوم تعمل فصول محو الأمية، يبدأ درس صبحية في التاسعة صباحًا، يليها درس سيدة ثم نادية في الثالثة ظُهرًا.

"بيتي مكنش قريب من الستات اللي هعلمهم، فاخترت طريق وسط، ولقيت بيت أخويا أقرب ليهم، كمان مراته بتتعلم معانا".. تقول نادية، سمعت السيدة عن فصول محو الأمية من إحدى معارفها، قررت التقدم برفقة زوجها محمود، وقضت خمسة أيام للتدريب على النظام التعليمي، اختيرت نادية ضمن قائمة تضم 12 اسم "لكن هما اختاروني بعد كدا ضمن أول أربعة، والباقي في قايمة الانتظار"، من بينهم زوجها.

لدى غير المتزوجات شغف أكبر، كما تذكر نادية، "البنات في الأغلب بيكونوا عاوزين يكملوا تعليمهم، ويفتحوا الانترنت ويعرفوا يقروا عليه"، أما السيدات فغاية تعلمهن هو مُتابعة أولادهم وقراءة القرآن، لكن سليمة (38 سنة ومتزوجة) لديها حُلم اكمال تعليمها، شجّعتها نادية على ذلك فتقول لها "أنا شفت في التليفزيون ست عندها خمسين سنة وفي تالتة إعدادي، أيه المشكلة لما تبقي زيها".

بجانب متابعة المتطوع، يقوم مسئولو الجمعية بعمل رحلة للتأكد من سير العملية، في حصة الأحد الماضي جاءت نورا برفقة رئيس الجمعية دكتور "شريف سمرة"، تتأكد المسئولة من دفتر الحضور، ترى كيف تُعلم نادية السيدات، تبدأ الخطوة الأولى للنظام بالقراءة والحساب، ثُم التأكيد على المعلومة بطرق مُختلفة من بينها الرسم، ترى نادية أنه من الأهمية "إن الستات يمسكوا القلم ويرسموا أي حاجة"، تقول السيدة ذلك، وبيديها ورق عليه جبالًا كالمحيطة بهن رسمته طالباتها.

تُحبّ نادية مهنة التدريس، تعرف ما ترغب فيه جيدًا، وحينما جاءتها الفرصة قررت استغلالها بالشكل الصحيح، تسرد نادية "كنت ضمن أربع بنات تقريبًا كملوا دراستهم لحد ثانوي"، لكن الظروف لم تُواتيها حينها لإكمال دراستها الجامعية "كان نفسي أدخل تربية، بس مكنش فيه جامعة قريبة".

منعتها ظروف السفر وتكلفة المصاريف من ذلك "أقرب جامعة كانت في السويس، على بعد خمس ساعات من هنا"، بعد سنين الزواج والإنجاب قررت نادية الخوض في مجال التدريس "بدأت أدي دروس خصوصية، وبعدين جت فرصة فصول محو الأمية".

 

فصول محو الأمية بدويات سانت كاترين

 

في الساحة المحاطة بسياج تُدرّس نادية للسيدات، تجلب كل مُتعلمة كيس داخله كراسة وقلم، يفترشن الأرض، وتدور أكواب الشاي بالورد بينهن، تبدأ نادية في تسجيل الحضور والغياب، فقوة الفصل غالبًا ما تكون 80%، لنظام CLE خصوصية، حيث ينقسم لخمسة خطوات، ولا يجوز تخطي خطوة لحساب أخرى "كنا بنلخبط الأول بينهم، بعد ما بدأنا بشهر جالنا أستاذ شرح لنا النظام تاني"، تعمل الجمعية على تأكيد فهم النظام للمدرسات لذا جاء أحد المتطوعين لتدريبهن مُجددًا، كما تذكر نورا.

من ضمن فتيات فصل نادية، تدرس زينب وسُعاد، لم تُكمل الأولى تعليمها، تركته برغبتها، أما الثانية فأكملت حتى الثانوية العامة، إلا أنها خرجت دون معرفة القراءة أو الكتابة، لكل من السيدتين المتزوجتين وجهة نظر في التعليم بسانت كاترين، تُفسّر زينب سبب الإهمال "المدرسين كانوا بيحاولوا معانا بس احنا مكناش بنحب التعليم"، أما سعاد فتقول "مكنوش بيعلمونا، والإجابة بتكون ادامنا على السبورة في الامتحانات".

أثناء درس نادية تستعد سيدة أخرى لأداء عملها، تُهيأ سامية غرفة المعيشة لقدوم الدارسات، التي تمتلأ بأوراق بيضاء مكتوب عليها الحروف الأبجدية، وأخرى تحتوي على جمل عربية، ترتكن السبورة على الأرض، ومع قدوم الطالبات تبدأ سامية في درس الحساب، وصلت السيدات لمرحلة الآحاد والعشرات، وحل مسألة الجمع.

لا تُحب أم شعبان الحساب، تقول لسامية ضاحكة "ناخد قراءة أحسن"، تكتب في كراستها الأرقام، وتبدأ في الحلّ، لكنّها تجد صعوبة بالغة، تُعطي سامية بعض الوقت للطالبات للحل، بعد انتهاء الوقت تقترب من كل سيدة، تتابع حلها، لا يبلغ التعب من سامية، رغم تكرارها لخطوات الحل، لكل فتاة على حدة، تصل لأم شعبان التي تنتهي عندها الدائرة، تُعلمها وتحل معها كل المعادلات الحسابية.

فصول محو الأمية بدويات سانت كاترين

اختيرت سامية ضمن الأربع سيدات الأوائل، للتعليم بفصول محو الأمية، تقول إن زوجها لم يُثنيها عن العمل، تختلف سامية عن أخريات، يعمل والدها في مجال السياحة، مما مكنها من تكوين صداقات مع سيدات أجانب، وكذلك رؤية أفق مُغاير للكثيرات من بدو المدينة.

تذكر سامية أن تعليم الفتيات في سانت كاترين ليس من المعتاد عليه، "كانت البنات بترعى الغنم بس من 10 سنين بدأت حالة انفتاح"، أحد أسبابها هو دخول التكنولوجيا للمدينة الصغيرة، واحتياج الدولة في وثائقها لأصغر المطالب "على الأقل الواحد لازم يبقى عارف اسمه، فيه ناس اتعلمت مخصوص تكتب اسمها عشان ورق الدولة".

تتمنى أم شعبان إتمام تعلمها القراءة والكتابة "نفسي أقرا القرآن"، تقول إنها بدأت في قراءته من الآن "بعرف فيه شوية جمل"، كما أنها لا ترغب بالشعور بالخجل من أولادها الصغار "ببقى عايزة أعرف لما يسألوني أجاوب".

رغم انتهاء فصول محو الأمية في يوليو القادم، حيث تمتحن الطالبات، إلا أن سامية تأمل في تعليم فصول جديدة، تعرف نادية أن هناك أسماء أخرى على قائمة الانتظار، كذلك شجّع افتتاح فصول محو الأمية للسيدات الرجال "بقوا بيطالبوا يبقى ليهم فصول هما كمان"، وتُفكر نادية منذ الآن في الانضمام إلى هيئة تعليم الكبار التابعة لوزارة التربية والتعليم، فالدراسة هي حُلمها بالحياة "نفسي متكونش فيه بدوية مبتعرفش تقرا".

فيديو قد يعجبك:

إعلان

إعلان