حلم بمستقبل أفضل.. قصة أصغر ضحايا الهجرة إلى ليبيا
كتبت- رنا الجميعي:
لم يدر بُخلد محمد جمال عبد التواب أن سفره إلى ليبيا يعني الموت، اتخذ قراره بالرحيل حين صارحته والدته "مفيش فلوس عشان تتقدم لبنت خالك"، شجّعه على أخذ قراره عمل شقيقيه مصطفى وفؤاد ببنغازي، يقول ابن عمه رمضان.
انتشل فريق الهلال الأحمر الليبي، فرع طبرق، انتشال 19 جثمانًا لمصريين، جنوب بوابة الـ200 بحوالي 250 كيلومتر، بالقرب من وادي علي داخل منطقة الرمال.
اعتاد جمال على رؤية شباب قريته جمريس بأسيوط يرتحلون إلى ليبيا، يأخذون ما توفرّه الظروف والأهل، غالبًا ما يكون الدافع قويًا كلما كان لهم أقارب هناك، تُشير إحصائيات الجهاز المركزي للتعبئة والإحصاء لعام 2016 أن محافظة أسيوط وصلت إلى الترتيب الأول في الهجرة غير الشرعية.
لم يُكمل الشاب ذو السادسة عشر عامًا تعليمه "طلع من تالتة إعدادي"، كانت رغبته، فالقرية التي وُلد فيها لم تعرف معنى المستقبل "مفيش شغل هنا"، لذا سعى جمال لتعلّم حرفة السباكة، أربع سنوات صار فيها الصبي سباكًا، يخفف ولو قليلًا حمل نفقاته من على ظهر أبيه، الذي يعمل فراشًا بمدرسة، ومازال ضمن مسئوليته ولد وفتاة آخرين "كريم عنده 13 سنة وصفاء 10 سنين".
وجد جمال أن لا مُستقبل في قريته، سيفعل كما فعل الكثير من جيرانه، سيتصرّف في مبلغ من المال يُمكنّه من الخروج، سيلحق باسمه بالنسبة للسلطات "مهاجر غير شرعي"، لكنه سينجو من رحلة اتخذها آخرون بمثل حالته. سيرتحل عبر الصحراء، ويصل إلى الحدود، سيلحق بأخيه وابن عمه الموجودين في بنغازي، صحيح أنهما لا يعملان بوظيفة مرموقة "هما شغالين على الله"، إلا أن السفر أفضل من البقاء، سيعمل كثيرًا، لكن ستظلّ أمنيته بالزواج من ابنة خاله التي أحبّها تراوده، فتُخفف عنه عناء الغربة، لن يبقى كثيرًا "كان عايز يقعد بس سنتين"، سيُجمع المال الذي يؤمن مستقبله، ثُم يعود ليتزوج.
لم تسر الأمور هكذا بالنسبة لجمال "احنا متعودين على إن اللي بيسافر بيوصل، مبيحصلش الكلام دا"، بعد 11 يومًا من سفر جمال عرف والده خبر وفاته عن طريق الإنترنت، يوم الجمعة الماضي، انتشر خبر وفاته ضمن 19 آخرين انتشلتهم فرق الهلال الأحمر الليبي، فرع طبرق، صرّحت الهيئة أنه تم دفن الجثامين في مقبرة جماعية.
حين عرف مصطفى شقيق الشاب بخبر الوفاة، قرر السفر إلى طبرق، إلا أنه اتصل قبلها بأحد الأطباء الذين يعرفهم على مقربة من المدينة للتأكد من مكان جثمان جمال، "الدكتور لقاه في تلاجة المستشفى مش في المقبرة"، بحسب رمضان، اتجه مصطفى وابن عمه إلى هناك لاستلام الجثة "لكن الإدارة قالتلهم يستنوا بكرة عشان النيابة خلصت".
على الجانب الآخر، صرّحت هيئة الهلال الأحمر الليبي أن الجثث في حالة تعفن تام، ورفضت مشرحة مركز طبرق الطبي لاستقبال الجثث لأنها تتسبب في نقل الجراثيم، لا يعلم عبد التواب سبب وفاة جمال، يتلقى إشاعات كثيرة مفادها أنه مات بطلق ناري أو من العطش "بس مش ممكن يموت من العطش، أنا سافرت قبل كدا وعارف محدش بيموت من العطش في أربع أو خمس أيام".
ينتظر الأخ وابن العمّ إلى صباح الغد، كل ما يرغبان فيه هو استلام جثمان جمال، لدفنه في بلدته، لم يتصل أي من المسئولين بأهل جمال، كما يقول عبد التواب، "كل اللي عاوزينه منهم يخلصولنا الإجراءات عشان ندفنه بس".
يُذكر أن السفير خالد رزق، مساعد وزير الخارجية للشئون القنصلية والمصريين في الخارج، أكد أنه تم التعرف على 7 من الجثامين المصريين، كما صرّح على أنه جار الاتصال مع الهلال الأحمر والسلطات الليبية لسرعة نقل الجثامين إلى مصر. أما الهلال الأحمر الليبي فقد صرّح بورود بلاغ بإمكانية 29 جثة أخرى.
فيديو قد يعجبك: