كابوس يهدد "حلم كل بنت".. قصص 3 فتيات عن "زواج" قتل طفولتهن
كتب - محمود عبدالرحمن:
لم تكن تتخيل نهى أحمد، الطالبة بالصف الثاني الثانوي التجاري، أنها سوف تتحمل مسؤولية زوج وأسرة في تلك السن؛ فبعد أن كانت تعيش مُدللة بين أسرتها، لا تفعل شيئًا من الأمور المنزلية، لا تنشغل سوى بالتحصيل الدراسي، تذهب إلى دروسها مع زميلاتها، تراودها أحلام الالتحاق بإحدى كليات القمّة، تحوّل كل ذلك إلى ذكريات جميلة تتمنى الفتاة أن تعود إليها كلما زادت المسؤولية عليها في منزل الزوجية.
"نهى" طفلة تنتمي إلى إحدى قرى صعيد مصر، وهي واحدة من بين 117 ألف طفلة، سبق لهن الزواج، أعمارهن من (10: 17) عامًا وفقاً لبيانات الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء، المعلنة يوم الاثنين الماضي، بمناسبة اليوم العالمي لحقوق الطفل، حيث تجاوز إقليم الصعيد الذي تعيش فيه "نهى" 50% من إجمالي حالات الزواج.
الحكاية بدأت قبل ثلاث سنوات، حين كانت "نهي" في الصف الثاني الإعدادي، تقترب من إتمام عامها الـ15، تقدّم لخطبتها "محمد"، شاب في أواخر العقد الثاني، حاصل على دبلوم صنايع، رفضت الفتاة الصغيرة في البداية حتى تُكمل تعليمها، غير أن ضغوط الأهل كانت كثيرة، لم تستطع الصغيرة أن تقنعهم، فمن العادات والتقاليد لدي كثير من الأسر أن تتزوج الفتاة مبكرًا.
في النهاية، رضخت للضغوط، بعد أن وصل الأمر إلى حد الضرب "ماكنتش عارفة أعمل إيه غير إني أوافق"، فتزوجت الصغيرة بعد مرور عام وانتهائها من المرحلة الإعدادية "المأذون كتب لينا ورقة عرفي، لعدم بلوغي سن الزواج"، وفي يوم الُفرح "ملبستش فستان أبيض، لحسن حد يبلغ علينا وتبقى مشكلة لأهلي وأهله".
مرّت شهور على الزواج، وتقدّم "محمد" زوج "نهى" الذي يكبرها بخمس سنوات لأداء الخدمة العسكرية، في ذلك الوقت ذهبت نهى إلى بيت أهلها، حاولت أن تتابع دراستها، وفي كل مرة تنوي الصغيرة الذهاب إلى مدرستها، حيث تجد نهي في الذهاب إلى المدرسة والجلوس مع أصحابها راحة نفسية فقدتها بعد الدخول في الحياة الزوجية، لكن "حماتي مش عاوزاني أروح المدرسة، بتقولي المدرسة بتضيع الوقت وشغل البيت أهم".
تحكي الصغيرة كيف بدت لها الحياة الزوجية صعبة على سنها الصغيرة "اتحرمت من الحرية، كنت بعمل اللي نفسي فيه كطفلة، بس دلوقتي مش بعرف أروح لأصحابي، ولا بعرف أعمل أي حاجة بسبب أهل زوجي وطفولتي راحت، كان نفسي أدخل ثانوية عامة، وأكون دكتورة بس خلاص أهلي أجبروني أدخل أي حاجة عشان ماحملش جوزي مصاريف كتير"، تتذكر الفتاة عندما ذهبت إلى أمها.
بعد فترة قصيرة من الزواج، لتحكى لها عن سوء معاملة حماتها، جاءت كلمات والدتها عكس ما توقعت الصغيرة، قالت لها الأم "عندها حق هتاخدي إيه من المدرسة.. اسمعي كلامها، واقعدي في البيت".
"أنا لو خلّفت بنت عمري ما هاجوزها بدري كده" تقول نهى منتقدة بشدّة موافقة أهلها على زواجها مبكرًا، فيما تذكر أنها لا تدري ماذا تفعل إن رُزقت بمولود "الطفل اللي هييجي هحس إني هظلمه"، فما زالت خبراتها قليلة.
واحدة من بين 20 فتاة مصرية تتراوح أعمارهن بين 15 و17 سنة، إما متزوجة أو سبق لها الزواج. ووفقاً لبيانات التعداد السكاني الصادرة في عام 2017.
منال محمد تتذكر ما حدث معها قبل 8 سنوات، عندما كانت طالبة بالصف الثالث الإعدادي، تمت خطبتها لزوجها الحالي وجارها السابق، الذي كان يكبرها بـ10 سنوات، تفاجأت الفتاة وقتها بترحيب شديد من أسرتها، رغم رفضها الزواج في هذا التوقيت "كنت مشغولة في الدراسة ومعرفش أي حاجة من مسؤوليات الزوجة"، لكنها في النهاية رضخت للضغوط أهلها، وهي تفكر فيما سيكون عليه حالها في الأيام اللاحقة.
بعد مرور سنة على الخطبة، تزوجت منال وهي في الصف الثاني الثانوي لتشعر بالمسؤولية الصعبة التي تحملتها في أول شهور الزواج، رغم انشغالها بالشهادة الثانوية، لا تجيد الصغيرة عمل وجبات منزلية يومية لزوجها "بقينا بنطلب أكل من بره على طول"، ما تسبب في إثارة بعض المشكلات.
قبل الزواج، اشترط أهل منال، وفق ما تذكر، على زوجها عدم التفكير في الإنجاب إلا بعد حصول ابنتهم على الشهادة الثانوية، وبالفعل حصلت منال على الشهادة لتجول بداخلها فكرة الالتحاق بالجامعة، رفض الزوج الأمر في البداية، ولكن بعد إلحاح وافق، والتحقت بكلية التجارة جامعة القاهرة، غير أنها عانت كثيرًا بسبب حملها "تمنيت إني أكون لسه في بيت أهلي، وأخلص الكلية الأول وبعدين أفكر في الزاوج"، تتذكر عندما كانت تعود بعد يوم دراسي مليء بالمحاضرات "كنت بكون في الجامعة وشايلة هم البيت".
وبعد مرور فترة الحمل وضعت منال طفلها شريف "ماكنتش حاسة إني بقيت أم، ومكنتش حاسة إني هاقدر أتحمل المسؤولية"، لذا أقامت في بيت أسرتها أكثر من شهرين، تساعدها أمها وأخواتها على تحمل مسؤولية الرضيع، انقطعت الفتاة عن الجامعة، لتجد نفسها قد رسبت في السنة الدراسية الأولى لها "لما حسيت بمسؤولية إن عندي طفل ماكنتش بعرف أروح الجامعة، وقلت أكتفي بالثانوية، وأهلي هم سبب فشلي في الكلية"، قالتها بلهجة حزن قبل أن تضيف "كنت فاكرة إني هعرف أكمل وأحقق حلمي وأشتغل في بنك زي البنات اللي بشوفهم بس معرفتش وأهه بقيت ربة منزل".
أبرز العوامل الرئيسية لزواج الطفلات في مصر حددتها منظمة "يونيسيف" في الفقر، والمعتقدات الثقافية التي تعمق التفرقة بين الجنسين، والتسرب المدرسي، في ورقة بحثية بعنوان "القضاء على زواج الأطفال"، وفي أواخر العام الماضي، شدد المجلس القومي للطفولة والأمومة على ضرورة اتخاذ الإجراءات اللازمة للتصدّي لزواج الأطفال، الذي يعرضهم للخطر، مؤكداً على ضرورة إتاحة الفرص الكافية للأطفال للنضوج جسدياً وعاطفياً واجتماعياً. لأن الزواج المبكر يحرمهن من تطوير مهاراتهن وإمكاناتهن المعرفية.
"بسبب أهلي مستقبلي اتدّمر، وأصبحت مطلقة".. بهذه الكلمات تتهم هدى محمد أهلها الذين أجبروها على الزواج من شخص يكبرها في السن والاستمرار معه، رغم الخلافات التي حدثت في فترة الخطوبة، فيما تتمنى أن تعود ثانية إلى "أيام زمان لما كنت في ثانوي قبل ما أتجوز، وأقدر أحدد مستقبلي وما أغلطش نفس الغلط".
"هدى" تقيم بمدنية الأقصر بإحدى مدن الوجه القبلي الذي شهد أعلى نسبة طلاق لزواج الأطفال على مستوى الجمهورية بنسبة تتجاوز 51% بحسب تقرير الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء، الصادر يوم الاثنين الماضي.
وتعود قصة زواجها قبل 4 سنوات عندما كان عمرها 16 عامًا، وتقدم أحد أقاربها الذى كان يكبرها بـ12 عامًا لخطبتها، كانت وقتها طالبة بالصف الأول الثانوي، ورفضت الارتباط بسبب فرق السن، وأنها غير مؤهلة لتصبح زوجة في الوقت الحالي حتى تتمكن من إنهاء دراستها الثانوية والجامعية، لكن أهلها لم يقتنعوا بكلامها حتى لا يفقدوا زوجا ميسور الحال، قد لا يُعوض وفق رؤيتهم، وكسابقتيها رضخت للضغوط.
حصلت الفتاة على الشهادة الثانوية، وتم الزواج، والتحقت هدى بكلية الحقوق، تتذكر "هدى" الخلافات التي نشبت بينها وبين زوجها عندما كان يراها تحمل الموبايل، وتتصفح الفيسبوك لتسأل صديقاتها عن دروسها وأسئلة الامتحانات، دخلت الشكوك إلى رأسه "مرة اتهمني بإني بكلم شباب وبعدها بمسح الدردشة، وكسر الموبايل".
وبعد مرور عامين على الزواج أنجبت "هدى" طفلها الأول "أحمد" رغم رغبتها في تأجيل الإنجاب "مكنتش عاوزة أتحمل مسؤولية طفل في فترة الجامعة علشان هيكون تعب عليا"، وبعد حصولها على ليسانس الحقوق أنجبت ابنها الثاني "مصطفى"، ورفض زوجها أن تعمل بأحد مكاتب المحاماة "مكنش عاوزني أشتغل ولا أحقق حاجة ليا، حسيت إنه امتلاك واستعباد مش زواج".
وصلت الخلافات بين الزوجين لطريق مسدود، بعد أن اعتاد الزوج على ضربها وتعنيفها، فقررت الفتاة الانفصال، ولم تجد الزوجة أمامها إلا المغادرة إلى منزل أهلها، أقنعتهم برفع قضية خلع إذا لم يتم الطلاق بالتفاهم بينها وبين معتز، بعدها دخلت الفتاة في حالة اكتئاب وعزلة عن أقاربها وكل من يحيط بها، ثم حدث الطلاق، تخلصت من "الهم اللي كنت شايلاه، وأول مرة أحس إني بتنفس وعايشة بعد ما اتطلقت".
فيديو قد يعجبك: