كيف تحول أهل الحرانية إلى فنانين عالميين؟.. زوجة "رمسيس ويصا" تروي (حوار)
حوار- محمد مهدي:
تصوير- جلال المسري
أحلام كبيرة للفنان والمعماري رمسيس ويصا واصف، بدت لمن حوله "جنونية"، لكن أول من آمن به زوجته السيدة "صوفي حبيب جورجي" التي شجعته حينما اقترح عليها شراء قطعة أرض في منطقة نائية بالجيزة لبدء مشروع فني بأيدي هواة من بسطاء قرية الحرانية، قبل أن تتحول التجربة إلى صرح كبير واسم مميز في عالم النسيج المصري والعالمي.
مصراوي التقى السيدة التسعينية داخل منزلها بالحرانية، تحدثت عن الجانب الإنساني في شخصية الزوج، كيف بدأت علاقتهما، ماذا قالت له حينما أخبرها بأحلامه الفنية، تعاونها معه في مشروعه بالحرانية، دورها في إتمام التجربة، وسِر نجاح الحلم وتحوله إلى حقيقة واستمراره لأكثر من نصف قَرن.
-بداية.. قصة زواجكما لم تكن اعتيادية، كيف بدأ الخيط الأول للعلاقة؟
كان صديقًا لوالدي، يكبرني بنحو 10 أعوام، طلب الزواج مني فقررت أن أتعرف أولًا على أخلاقه وطباعه، أمضينا نحو عامين نلتقي ونتحدث حتى شعرت بأننا سنصبح سعداء معًا، وحين تزوجنا رفضت أن أسكن بعيدًا عن أسرته "حبيت أخته ووالدته كانت سيدة حكيمة وطيبة" اقترح بناء منزل لنا داخل بيتهم "قولتله هنعيش في أوضتك عادي.. ورفضت شراء خاتم زواج لي" كانت التجربة سلسة، لا أميل إلى التعقيد أو التفاصيل الكثيرة، المهم عندي هو الأخلاق.
- كيف عرض عليكِ رغبته في عمل مشروع نسيج بالحرانية؟
"في يوم قالي ما تيجي ندور على قرية بسيطة وناسها هاديين ونعمل مشروع نحيي الدنيا ونساعد الأهالي إنهم يتعلموا حاجة مختلفة".
- وما رد فعلك حينها؟
وافقت على الفور، تحمست للتجربة "أنا بنت حبيب جورجي، أول واحد دخل الرسم في المدارس، وأول واحد عمل معرض لفنانين مصريين، يعني من بيت بيفهم قيمة الفن كويس".
- ما الخطوة الأولى في تحقيق مشروع الحرانية؟
كنا نخرج سويًا في الإجازات بسيارته الخاصة "نلف الجيزة ونشوف قرى كتيرة" حتى التقينا في إحدى المرات بالشيخ عباس (رحمه الله) من منطقة الحرانية "قالنا البلد دي ناسها طيبة وبسيطة" وعرض علينا شراء قطعة أرض فوافقنا سريعًا "كانت فدانًا في الأول".
- هل بدأتم في إتمام مشروع النسيج بعد الحصول على الأرض؟
لم نفعل ذلك، حاولنا التعرف على المكان والأهالي أكثر "أول ما بنينا في الأرض الناس بقيت بتيجي تسلم علينا" دارت الأسئلة، وبات المكان محط اهتمام الأهالي "بقى عامل زي نادي كده، الناس تيجي تقعد وتتكلم والأطفال يلعبوا.. ورمسيس قالهم مش حابين تعملوا شغلانة بإيديكم" وجد القبول على وجوههم "قالي إحنا نعمل مشروع نسيج" وقمنا بعدها بشراء الأنوال لبدء التجربة.
- ما الذي يميز المكان منذ نشأته وحتى الآن؟
تعاهدنا منذ اللحظة الأولى على عدم إقحام الفنون والأعمال التراثية في أدمغة الناس في الحرانية، تركنا الجميع يعمل بعفوية، الأهالي هنا يصنعون لوحاتهم على النسيج من وحي خيالهم ومن بيئتهم دون تدخل منا، لذا أعمالهم لا تشبه أحد ولها خصوصية وقيمة أكبر.
- وكيف يمكن للأهالي إتمام تلك الأعمال من المنسوجات دون خبرة؟
منحهم رمسيس خبراته في أساسيات المهنة فقط، الخطوات الأولى، التعامل مع الأنوال والخيوط والألوان، القواعد العامة، لكن الرسومات واختيار الألوان تُركت لهم، تخرج منهم بعفوية كما ذكرت، نقوم فقط بالإشراف عليهم وإبداء ملاحظات من أجل تطوير موهبتهم الفطرية.
- هناك أجيال عديدة تربت بينكم وصار منهم فنانون في عالم النسيج.. كيف جرى ذلك؟
الجيل الأول بدأ بأطفال القرية "الأولاد يلعبوا شوية ثم يقومو يشتغلوا شوية" كانت توجيهات رمسيس واضحة "الطفل اللي يشتغل لازم يتدفعله فلوس حتى لو عمل حاجة سهلة أو ملهاش قيمة" كان يؤكد أن الحصول على أجر يمنحهم الشعور بقيمة ما يفعلونه "وإنهم يحسوا إن اللي بيشتغلوه دا له قيمة".
- كيف تتم عملية قياس تطور الأهالي في صنعتهم وفنهم؟
قمنا بتصوير أعمالهم منذ القطعة الأولى التي بدأوا بها، ولدينا سجل كامل لكل فنان لدينا تُظهر الصور مدى التطور في الرسومات واستخدام الألوان.
- المشروع لم يقتصر على صناعة النسيج فقط.. كان لكِ دور اجتماعي بارز مع الأهالي.
كنت أجلس مع السيدات نتحدث كثيرًا في أمورهم الشخصية "فضفضة عشان نحل المشاكل اللي بتواجههم"، ولاحظت عدم الاهتمام بالصحة ونوعية الأطعمة التي يتناولونها فأحضرت طاهية لإعداد أكل جيد لهم "وكان فيه توعية بصحتهم وإزاي يحافظوا عليها".
وكنا نحضر طبيبًا بصورة دورية للكشف على الأهالي ومنحهم العلاج اللازم "الأول كانت البلد كلها بتيجي لأنه مجاني، فبقينا نعمله بــ 10 صاغ عشان اللي تعبان بس هو اللي يكشف".
- هذا يعني أن مشروع رمسيس ويصا كان تجاريًا بالمعنى الدارج!
لم يكن هذا همنا، كنا بجانب العمل نحاول توفير كافة سُبل الراحة والترفية للأهالي سواء كانوا يعملون معنا أو يمرون على المكان "بشتري كورة عشان الناس تيجي تلعب" أقوم بعمل أكثر من نشاط لهم " بجانب الاجتماعات اليومية معاهم للخروج بنتيجة جيدة في أعمالهم الفنية بالنسيج، كانت حياة بسيطة وممتعة.
- بعيدًا عن الأجور كيف شجعتم البسطاء على حُب أعمالهم؟
بأن يروا نتيجة أعمالهم الفنية، كنا نصطحبهم معنا في معارضنا بمختلف دول العالم "سافروا معانا كتير، وشافوا رد الفعل على شغلهم" كانوا يذهبون بزيهم البسيط لأننا نعتز بهم وبالبيئة التي يعيشون بها.
- من وجهة نظرك ما سر نجاح التجربة واستمراريتها؟
الحُب "العلاقة بينا مش عمل ومكسب وخلاص" نحن نحب أهالي الحرانية وأعتقد أنها محبة متبادلة، باتت العلاقة أشبه بالأسرية، الأحاديث بيننا ودية والاطمئنان على بعضنا البعض أهم من الكلام في الإنتاج والأجور.
- بعد مرور عقود على بدء المشروع.. كيف تنظرين إليه الآن؟
أعتقد أننا نجحنا، وصلنا لما نرغب فيه، حققنا أحلامنا بأن نساعد على خروج فنانين من منطقة بسيطة مثل الحرانية، لن أخفي عليكم كنت أخاف على المشروع بعد رحيل رمسيس لكنني الآن مطمئنة لأن أبنائي وأحفادي لديهم الوعي ويعرفون قيمة المركز وما تم فيه خلال سنوات طويلة.
تابع باقي موضوعات الملف:
حلم "رمسيس ويصا" بالحرانية.. 66 عاما من الحُب والفن (ملف خاص)
الطريق إلى الحرانية.. حلم "رمسيس ويصا" في حفظ النسيج المصري (1)
الطريق إلى الحرانية.. حلم "رمسيس ويصا" في حفظ النسيج المصري (2)
من الغيط إلى العالمية.. 50 عامًا لـ"ست لُطفية" في عالم النسيج
بالنول والخيوط.. "نجلاء" تُكمل مسيرة الأم في مركز الحرانية للنسيج
مدير مركز "رمسيس ويصا ": حافظنا على التجربة وتلك خططنا المستقبلية (حوار)
فيديو قد يعجبك: