إعلان

بالصور- ذكريات "العيلة" في كتاب.. حكايات عن البيت والبحر و"العوامة"

03:48 م الأحد 18 فبراير 2018

كتبت-شروق غنيم ورنا الجميعي:

إنه زمن الحنين.. كانت الجُملة المُعلقّة على جدار مركز الجيزويت الثقافي، بالإسكندرية، تحكي عن نوستالجيا الصور الفوتوغرافية، ألبومات الصور العائلية مبروزة على الحوائط البيضاء، هُنا التاريخ لم يعد أحداثا سياسية؛ بل قصص أفراد قرروا فتح ألبومهم العائلي، وحكي مواقف حميمية تربط الفرد بعائلته.

الخميس الماضي، كان موعد نتاج حلقة "أمكنة" الثالثة، التي أطلقها الكاتب السكندري "علاء خالد"، بدأت الأمسية بعرض نصوص للمُشاركين، يحكون فيها عن أنفسهم وعائلاتهم، ثُم توقيع الكُتّاب على مشروعهم الجماعي، حيث تم تجميع تلك النصوص داخل كتاب يحمل اسم "ألبوم عائلي".

1

في أكتوبر الماضي انطلقت الحلقة الثالثة، تحت اسم "ألبوم عائلي"، كان شرط الالتحاق بالورشة هو كتابة نص مُلحق بألبوم الشخص العائلي، كما يذكر خالد، صاحب الفكرة. لأربعة شهور بدا أن الاثنى عشر شخص المُشارك أصبحوا أشبه بكتاب مفتوح لكل منهم "الهدف كأنك بتعمل ألبوم تشاركي، فيه أفكار بتتفتح من خلال الصور، وخبرات مقفولة كل واحد بيكشفها للتاني".

بالبداية يعرض كل شخص صور له ولأفراد عائلته، ثم هناك جزء خاص بكتابة حكاية تتعلق بتاريخه الشخصي "النصّ دا بيحصل ليه تجويد من أسئلة المشاركين التانيين"، لا يقتصر الأمر على ذلك، بل يصل إلى قراءات من ثلاثة كتب؛ "حول الفوتوغراف" لسوزان سونتاج، "الغرفة المضيئة" لرولان بارت، "حديث الصباح والمساء" لنجيب محفوظ، بجانب ذلك هناك تمشيات داخل الإسكندرية نفسها "تاريخ الشخص مش منفصل عن تاريخ المدينة".

كانت النتيجة نصوص للمُشاركين وضعوا فيها روحهم، حكايات تعبر عن لحظات حميمية ومؤثرة عن علاقاتهم بعائلاتهم.

العام الماضي داخل مركز الجيزويت الثقافي كانت تدور فعاليات معرض وجوه في المدينة؛ بين الحضور اتخذت هدى عاطف مقعدها، تشاهد أصدقائها المُشاركين، وتابعت كيف أثّر الحدث على شخصياتهم، شعرت أن هذه الورشة هي ملاذها لتفريغ ما في نفسها من حكايات عن والدها الراحل "واستنيت للسنة دي وقدمت".

2

هذا العام جلست هدى على المسرح بين 11 مشارك آخر، تحكي كيف شكّل البحر علاقتها بوالدها، وأنه ظل حاضرًا في صورهم التي تجمعهم سويًا رغم غيابه عن مدينتهم "منحني البحر أكثر اللحظات قربًا وحميمية مع أبي، حيث كان يحملني على ظهره بالساعات متكفلًا بضبط توازني كلما أتت موجة، كان أبي يضع نفسه بيني وبين البحر، بيني وبين صعوبات الحياة".

ظل هذا الوضع قائمًا منذ طفولة هدى وحتى شبابها، تتعلم السباحة على يد والدها "اكتشفت إني كنت بسيب نفسي لضهر بابا زي الحياة بالظبط"، حتى كتب "هذا الأزرق الواسع" نهاية الحكاية، في أغسطس 2015 ابتلع البحر رفيقه، وجاءت المرة الأخيرة.

3

"بابا أنا عايزة عوامة.. إنتي كبرتي على الكلام ده.. البحر مالوش كبير"، كان هذا آخر حوار يدور بين الفتاة وأبيها "ربنا إداني قوة وعديت الموقف ده، عشان كدة مش عاوزة اللي يقرا النص بتاعي يكتئب أو يقول يا عيني، أنا حبيت أطلّع اللي جوايا على الورق بالكتابة عشان اتعافى".

جزء مما تفعله ورشة أمكنة هو الدعم النفسي "لما بنقعد سوا مش بس بنتكلم إنما بيحصل حاجة زي الشفاء"، يقول خالد، حيث تتفتح أسرار خاصة "كل شخص بيختار نقطة يتكلم منها، الموقع اللي بيشوف نفسه فيه من العيلة".

سارة يونس، كانت ضمن المُشاركين، تحكي الشابة عما قررت قصّه من ألبوم العائلة، وهو ما اكتشفته تدريجيًا عبر الورشة "جدي كان راجل متحكم، أظن ده كان سبب إن كل واحد من ولاده قرر يهرب من البيت"، إلى ايطاليا ذهب والد سارة حيث وُلدت هناك، أما عمتها التي لم تراها طيلة حياتها فقد قررت الزواج من رجل سوري من دير الزور، حيث تسكن هناك إلى الآن رغم الحرب "انقطعت المكالمات بينا من 2013"، أما عمّها فقد ذهب برفقة زوجته إلى العراق "وهناك مات وسط غارة جوية في الحرب بين العراق وايران".

4

في عام 2015 استقرّت سارة بالإسكندرية، بعد انتقالها للعاصمة لمدة سنتين، واجهت تحوّلات كثيرة تمر بمدينتها البحرية "بيتنا كان أعلى مبنى وسط الشارع، دلوقت بقى بيترمي ع السطوح الزبالة من المباني اللي حوالينا، بقى أقصر بناية في الشارع"، تلك التحوّلات التي رأت فيها سارة جانبًا يمسها شخصيًا "أنا كمان كنت بتغير في الوقت ده"، كل ذلك جعلها تشترك في ورشة تناقش تاريخ المدينة.

 

اختارت سارة أن تُكبّر صورة عمتها وزوجها السوري، على نفس المستوى وضعت صورة الجد التي تراه المحرك الرئيسي لحيوات بقية العائلة، المنتشرين في جزء من الجدار الأبيض.

5

بالنسبة لمحمد هلال، أحد المشاركين، فقد قرر التركيز مع تاريخ العائلة في فترة الخمسينات والسيتينيات "مهتم بشكل الحياة في الفترة دي اللي أنا معشتهاش"، جزء من تلك الفترة هو الحرب كقيمة أساسية "أنا مش مقتنع بيها لكن فيه جيل كامل عاش حياته كلها حروب"، من ضمن هذا الجيل والده السيّد الذي شارك بحرب اليمن على مدار عام كامل.

جاء الأب برفقة ابنه الذي وضع صورته كجندي يرتدي الأفرول ضمن ألبوم العائلة الخاص به، بجانب صورة أخرى يجلس فيها الأب برفقة زملائه الجنود، يُشير السيد بيديه "الصورة دي فيها منها اللي مات"، تلخّصت الحرب بالنسبة للأب إلى ذكريات "بفتكر العشرة اللي كنا فيها، أنا من اسكندرية ومعايا من طنطا والصعيد، كنا أكتر من عيلة".

6

كانت تجربة مُثمرة بالنسبة لهلال "فيه تمرين على إنك تشوف الصورة بشكل جديد ومختلف"، كما أن سماع الحكايات العائلية خلق مساحات انسانية رغم الاختلافات "كنا بنقرب من بعض، واكتشفنا إننا منختلفش عن بعض كتير".

أمام صور الأبيض والأسود المتراصة على الجدار، أخذت أصابع أسرة آسر مطر تشير إلى أماكنهم في صور الماضي "حبيت إنهم ييجو المعرض يسترجعوا الذكريات معايا" يحكي مطر المُشارك في الحدث.

خاض مطر رحلة داخل ذكريات عائلته حينما بحث في ألبومات وصناديق الصور "فيه حاجات مكنتش شايفها من سنين، وفيه اللي غاب عن حياتنا واللي سافر"، في البدء لم تُحب والدته التجربة "ماما مش بتحب حد يشوف صورها زمان"، لكن مع الوقت اقتنعت الأسرة بالفكرة وحرصوا على المجئ للمعرض.

7

عن بيت العائلة كتب مطر نصه الذي تلاه على خشبة المسرح "أنا الوحيد اللي فاضل في إسكندرية من 15 حفيد لجدي"، يعتبر الورشة "نوع من العلاج الجماعي"، فيما كانت له تجربة سابقة مع الكتابة حيث أصدر كتاب "أتوبيس عام الإسكندرية".

على الحائط صورة تعود لعام 1954، طفل صغير يستند على سيارة، يقف والد آسر يحكي عنها ببهجة "كان عندي 11 سنة، وكنت بروح سينما كليبر في شارع فؤاد وتحتها مطعم شيك قوي بيعمل مكرونة فرن، كنت أروح أكل وادخل السينما، في مرة السينما وقعت على المطعم فحمدت ربنا إني مكنتش هناك.. بس لما بشوف الصورة بقول ليت المعيلة تعود دايما".

لوهلة يُمكن أن يرى الزائر المعرض كعودة للماضي، لكن الأمر لا يقتصر على ذلك فحسب، هُنا أفراد قرروا أن يحكوا جزء من تاريخهم الشخصي ليراها الجميع، الهزيمة شعور ساور البعض من المُشاركين بوجود حالة احباط جماعي بسبب ثورة لم تنجح "لحظة الاحباط دي عملت فجوة بيحاولوا يملوها دلوقت".

فيديو قد يعجبك:

إعلان

إعلان